من «بريكس» و«شنغهاي» إلى الإيرانيين في الخارج..

جذب الإستثمارات بدبلوماسية اقتصادية

كان جذب الاستثمارات الجديدة، خاصة في مجال الاستثمار الأجنبي، دائمًا أحد الهموم الرئيسية للحكومات لتحقيق النمو الاقتصادي؛ وهو مجال تأثر في السنوات الأخيرة أكثر من أي شيء آخر بالعقوبات الأمريكية الجائرة، لكن التجربة أظهرت أنه حتى في هذه الظروف يمكن المضي قدمًا بالعمل.

يُعدّ تأمين الموارد المالية أحد الشروط المسبقة لتحقيق النمو الاقتصادي؛ وهي موارد قد يتعين أحيانًا توفيرها من مصادر خارجية ليس فقط لإدخال موارد جديدة إلى اقتصاد البلاد، بل أيضًا لتعزيز الروابط الاقتصادية بين الدول، مما يخلق نوعًا من الردع الاقتصادي.

 

وفي ظل الظروف التي يواجه فيها الاقتصاد الإيراني نقصًا في الموارد المالية وتحديات العقوبات، يسعى البنك المركزي ووزارة الاقتصاد إلى الحفاظ على النمو الاقتصادي من خلال التركيز على الموارد الداخلية؛ لكن النقطة المهمة هي أن الخبراء يرون أن الاعتماد على الاستثمار الداخلي وحده لا يكفي.

 

يمكن للاستثمار الداخلي أن يملأ جزءًا من الفراغ؛ لكن قيود الميزانية والقدرات المالية للشركات المحلية، خاصة في القطاعات الكبيرة والصناعية، تمنع من أن تحل بالكامل محل الاستثمار الأجنبي.

 

النمو الاقتصادي المنخفض

 

من أهم تبعات انخفاض الاستثمار الأجنبي تأثيره على سوق العمل وخلق فرص العمل. مع تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر، تقل المشاريع الصناعية والبنية التحتية الكبرى، وتتقلص فرص العمل الجديدة، مما يشكل تهديدًا وظيفيًا خاصة للشباب وخريجي الجامعات.

 

ولا ينبغي أن يُغفل أن الاعتماد الكلي على الاستثمار الداخلي قد يؤدي إلى تقييد فرص العمل، لأن الشركات المحلية غالبًا ما تفتقر إلى القدرات المالية والتكنولوجية اللازمة لإنشاء مشاريع كبرى تولد فرص عمل.

 

تُظهر نظرة إلى التجارب العالمية أن الدول التي نجحت في تحقيق نمو مستدام وتوليد فرص عمل عالية كانت دائمًا قادرة على مزج الاستثمار الأجنبي مع الاستثمار الداخلي. فالدول المجاورة مثل تركيا والإمارات، من خلال جذب الاستثمار الأجنبي في القطاعات الصناعية والتكنولوجية، سارعت في تسريع نموها الاقتصادي.

 

وتُبين التجربة العالمية إن الاعتماد الكلي على الموارد الداخلية، دون جذب الاستثمار الأجنبي والتكنولوجيا، يؤدي عادة إلى نمو محدود وبطيء وعرضة للضعف. وإذا أرادت إيران أن تمتلك اقتصادًا أكثر ديناميكية وتوليدًا للوظائف، فلا يمكنها تجاهل استقطاب الاستثمار الأجنبي.

 

لذلك، في الظروف الحالية، يحتاج الاقتصاد الإيراني إلى سياسات متعددة الأوجه لتحقيق التنمية. والاعتماد الكلي على الموارد الداخلية قد يساعد في إدارة الأزمة إلى حد ما؛ لكنه لا يمكن أن يحل محل الاستثمار الأجنبي والتكنولوجيا.

 

الاعتماد فقط على رأس المال الداخلي، رغم أنه قد يدفع بعض المشاريع مؤقتًا، لن يؤدي دون التكنولوجيا والموارد الخارجية إلى نمو اقتصادي مستدام أو مولد للوظائف، حيث يوصي الخبراء بأن تكون السياسات التحفيزية للاستثمار الأجنبي، إلى جانب دعم الموارد الداخلية، في صدارة الأولويات لتحقيق نمو مستدام وخلق فرص عمل.

 

اعتماد أكثر من ۲۰ مليار دولار استثمار أجنبي

 

أدت الضرورة في جذب الاستثمارات الجديدة إلى أن تجعل الحكومة الرابعة عشرة، إلى جانب الاعتماد على الموارد الداخلية، موضوع جذب الاستثمار الأجنبي خاصة من الإيرانيين في الخارج على جدول الأعمال مرة أخرى.

 

بناءً على آخر إحصاءات وزارة الاقتصاد، منذ بداية الحكومة الرابعة عشرة حتى نهاية يونيو (فترة زمنية مدتها ۱۱ شهراً)، تم اعتماد 595 مشروع استثمار أجنبي بقيمة ۲۰ ملياراً و۳۷۹ مليون دولار، ومن هذا المبلغ، تم جذب ۹۹۸ مليوناً و24 ألف دولار.

 

وساهمت منظمة الاستثمارات الاقتصادية الإيرانية، من خلال تعزيز العلاقات الدولية، والمشاركة النشطة في الاجتماعات العالمية مثل قمم بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون والبنك الإسلامي للتنمية وبنك الاستثمار في البنية التحتية الآسيوية، وتوقيع اتفاقيات استثمار مع دول مثل عمان والتفاوض مع كوبا والإمارات العربية المتحدة، في تحقيق الأهداف الكبرى للحكومة.

 

وفي هذا السياق، لا ينبغي نسيان أن أحد العوائق في طريق جذب الاستثمار الأجنبي هو العقوبات الخارجية، خاصة الأمريكية؛ ولهذا السبب، يُعدّ جذب استثمارات الإيرانيين المقيمين في الخارج استراتيجية رئيسية لتأمين الموارد الخارجية ومواجهة تراجع النمو الاقتصادي. وقد أعلن وزير الاقتصاد في هذا الصدد عن التخطيط لإزالة العوائق الرئيسية وتسهيل الاستثمار في مختلف المحافظات.

 

ووفقًا لما ذكره علي مدني زاده، في الجلسة الأولى للجنة الاستثمار والتجارة في المجلس الأعلى لشؤون الإيرانيين في الخارج، فإن جزءًا كبيرًا من رؤوس الأموال التي يمكن أن تدخل البلاد، سواء كتمويل أو كاستثمار أجنبي، يأتي من استثمارات الإيرانيين المقيمين في الخارج.

 

رغبة الدول المتحالفة للتعاون مع إيران حتى مع “آلية الزناد”

 

وفقًا لإحصاءات منظمة الاستثمارات الاقتصادية الإيرانية، منذ بداية العام الحالي وحتى الآن، عُقدت سبع جلسات لهيئة الاستثمار الأجنبي، وخلال هذه الفترة تمت الموافقة على أكثر من 257 مشروع استثمار أجنبي بقيمة تزيد عن 11 ملياراً و400 مليون دولار.

 

وفي أحدث قرارات هيئة الاستثمار الأجنبي في عام 2025، التي عُقدت في شهر أكتوبر وبعد تحرك ثلاث دول أوروبية لتفعيل آلية الزناد، تمت مراجعة سبع طلبات استثمار أجنبي في قطاعات السيارات، والتعدين، والزراعة، والأدوية والصحة، والإسكان، والخدمات، وغيرها من القطاعات الصناعية.

 

وقدّم هذه المشاريع مستثمرون من دول الصين وروسيا والإمارات العربية المتحدة وتركيا وأفغانستان، وفي النهاية تمت الموافقة على جميع هذه الطلبات من قبل هيئة الاستثمار الأجنبي، بقيمة إجمالية بلغت 666 مليون دولار.

 

يُظهر هذا الأمر أنه على الرغم من الضغوط الغربية، لا يزال هناك مستثمرون مهتمون بالتواجد في إيران، وأن تسهيل شروط الدخول يمكن أن يخفف عبئًا كبيرًا عن كاهل الاقتصاد الإيراني.

 

 

المصدر: الوفاق خاص