في أجواءٍ يختلط فيها عبق التاريخ بروح الإبداع، تستعد إيران لإحتضان الدورة الثانية والعشرين من مهرجان الإمام الرضا(ع) الثقافي الفني الدولي، الذي تحوّل على مدى عقدين إلى منصة كبرى تجمع بين الأدب والفن والفكر، وتفتح نوافذ جديدة أمام المبدعين للتعبير عن ولائهم للإمام الرؤوف بلغة الفن والجمال.
المهرجان يُقام كل عام في ليلة ميلاد الإمام علي بن موسى الرضا(ع) في محافظات مختلفة من إيران وكذلك في أكثر من ٧٧ دولة في العالم، وفي فروع مختلفة، منها: المقالة، النص المسرحي أو السيناريو، العروض المسرحية، القصة، الأعمال التشكيلية، الكتاب، النصوص الأدبية، الشعر، العمل الصحفي والرقمي، العمل الإذاعي والتلفزيوني، وغيرها.
انطلقت التحضيرات للدورة الثانية والعشرين للمهرجان بإقامة المؤتمر الصحفي الخاص بهذه الدورة، وذلك بحضور فرشيد فلاح، المدير التنفيذي لمؤسسة الإمام الرضا(ع) الثقافية، في مقر وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي.
هذا الحدث الثقافي الكبير، الذي تحوّل إلى أحد أهم الأحداث الفنية في البلاد، يُقام هذا العام بشعار محوري تحت عنوان «إيران الإمام الرضا(ع)»، ويقصد أن يبارك الخريطة الثقافية للبلاد بعطر واسم الإمام علي بن موسى الرضا(ع)، وأن يستخدم الفن كوسيلة لنشر المعارف الرضوية.
السيد فرشيد فلاح، المدير التنفيذي لمؤسسة الإمام الرضا(ع) الدولية، مع شرح تفاصيل هذا الماراثون الثقافي أعلن أن عشرات الفعاليات التخصصية في مجالات متنوعة فنية، أدبية وبحثية ستُقام في محافظات مختلفة من البلاد، في ٣٢ محوراً و٩ أقسام تخصصية، وبحسب قوله، هذا المهرجان لم يعد حدثاً مركزياً، بل شبكة حيّة من الأنشطة الثقافية التي تجعل كل زاوية من إيران مركزاً لظهور وتجلي الإبداعات الرضوية.
الأدب والشعر في قلب المهرجان
في قلب هذا المهرجان، الأدب والكلام الموزون له مكانة لا نظير لها. فعاليات عريقة مثل «المهرجان الدولي الثلاثين للشعر الرضوي» في كرمان، إلى جانب مهرجانات متخصصة للشعر العربي في خوزستان والشعر التركي الدولي في محافظة آذربايجان الغربية، تدل على عمق نفوذ الثقافة الرضوية في اللغات واللهجات المختلفة لهذه الأرض العريقة. إلى جانب الشعر، فن القصة أيضاً مع «المهرجان الوطني السادس عشر للقصة الرضوية» في محافظة لرستان، سيتناول روايات جديدة عن سيرة وحياة ذلك الإمام العظيم.
الاهتمام الخاص بالجيل الجديد أيضاً مع إقامة مهرجانات وطنية للشعر والقصة للأطفال والناشئة في محافظتي همدان وبوشهر، يُعد من نقاط القوة لهذه الدورة، ليصبح ارتباط الأطفال بثقافة أهل البيت(ع) أوثق من أي وقت مضى.
المسرح والسينما.. جسور للتواصل المباشر مع الناس
المسرح وشاشات السينما أيضاً هذا العام سيكونان مضيفين خاصين للثقافة الرضوية. «المهرجان الوطني السابع عشر لكتابة النصوص المسرحية الرضوية» في محافظة جيلان و«المهرجان الوطني الرابع لمسرح الشارع الرضوي» في كهكيلويه وبوير أحمد، سيستخدمان فن العرض للتواصل المباشر مع الناس. وإحدى الإبتكارات البارزة لهذه الدورة، هي الدخول القوي إلى مجال الفيلم والإعلام الرقمي.
«المهرجان الدولي الأول لفيلم رضوان الديني» في يزد و«المهرجان الأول لرواية رضوان» مع التركيز على المحتوى الرقمي في جنوب كرمان، يُعتبران خطوات مهمة لإستخدام الطاقات الواسعة للسينما والفضاء الإفتراضي في توضيح القيم الإسلامية والرضوية.
الفنون التشكيلية والأصوات الروحية.. إبداع يلامس الروح
الفنون التشكيلية والمحلية أيضاً مع طيف واسع من الفعاليات ستكون مظهراً لإرتباط الفن بالروحانية. من «المهرجان الوطني الحادي والعشرين للخط» في عاصمة الخط الإيراني، قزوين، و«المهرجان الوطني السابع عشر للمنمنمات» في خراسان الرضوية، إلى «المهرجان الدولي الرابع عشر للتصوير الفوتوغرافي الرضوي» في البرز، جميعها ستكون منصات للفنانين ليعرضوا إخلاصهم في إطار الفن. في مجال الأصوات والألحان أيضاً «المهرجان الوطني الأول لتأليف الألحان الرضوية» في محافظة فارس و«المهرجان الوطني السابع للأصوات والألحان الرضوية» في غلستان، يسعيان لإكتشاف وتقديم نغمات روحية ومؤثرة. كذلك، الفنون التقليدية والصناعات اليدوية في مهرجانات أصفهان وسمنان، تُظهر الإرتباط العميق للثقافة الرضوية مع فن الفنانين الإيرانيين.
المعارف والبحوث.. بُعد علمي يعمّق الثقافة الرضوية
إلى جانب هذه الأنشطة الفنية، القسم العلمي والبحثي للمهرجان أيضاً مع إقامة مؤتمرات دولية ووطنية في محافظات أردبيل وكرمانشاه والمركزي، يعمل على إنتاج محتوى نظري وتعميق البحوث في مجال السيرة والمعارف الرضوية. هذه السلسلة الواسعة من الفعاليات الثقافية والفنية التي تشمل كل إيران، ستصل في النهاية إلى ذروتها في مشهد المقدسة.
من المشاعرة إلى الشعر الفارسي الدولي
من جهته أكد مدير عام الثقافة والإرشاد الإسلامي في محافظة جهار محال و بختياري، شهرام فرجي، أن الشعار المحوري لهذا العام «إيران إمامرضا» يمثل خطوة مؤثرة في تعزيز الروابط الوطنية ونشر المحبة القلبية تجاه المقام القدسي للإمام الرضا(ع). وأوضح أن الدعوة للمشاركة في المهرجان الوطني الرابع عشر للمشاعرة الرضوية ستُنشر قريباً، على أن تُختتم الفعاليات بحفل مهيب في أواخر بهمن أو مطلع إسفند.
وأشار فرجي إلى أن البعد الاجتماعي للشعار يتجاوز كونه ملتقى دينياً، إذ يحمل رسائل عميقة من التعاطف والتلاحم والوحدة الوطنية، مؤكداً أن العتبة الرضوية كانت دائماً محوراً لوحدة القوميات والمذاهب المختلفة في البلاد.
وفي سياق متصل، أعلنت مؤسسة الإمام الرضا(ع) عن إطلاق الدعوة الرسمية للمشاركة في الدورة الثلاثين من المهرجان الدولي للشعر الفارسي الرضوي، أحد أبرز التظاهرات الأدبية في إيران. ويركّز المهرجان هذا العام على إعادة التفكير في علاقة الإنسان المعاصر بسيرة الإمام الرضا(ع)، عبر موضوعات محورية تشمل: الإيمان والعقلانية، العدالة ومكافحة الفساد، الرحمة والتعايش، المسؤولية الاجتماعية، وتجربة الزيارة كرحلة روحية داخلية.
وتُقام فعاليات المهرجان في ثلاثة أقسام رئيسية: الشعر الكلاسيكي، الشعر الحديث، ونقد الشعر، مع إضافة قسم جديد مخصص للنقد الأدبي لفتح آفاق أوسع للحوار حول الشعر الديني والرضوي. ومن المتوقع أن يشهد المهرجان مشاركة واسعة من شعراء وأدباء من داخل إيران وخارجها، بما يعزز مكانته كمنصة ثقافية تجمع بين الإبداع الأدبي والبعد الروحي.
تكريم الفائزين وخدّام الثقافة الرضوية
حفل اختتام الدورة الثانية والعشرين للمهرجان، سيُقام بالتزامن مع ذكرى ميلاد الإمام علي بن موسى الرضا(ع)، سيُقام في العاصمة الروحية لإيران مدينة مشهد المقدسة، ليُعرض حصاد جهود الفنانين والأدباء والباحثين في محضر ذلك الإمام الرؤوف، حيث سيتم تكريم الفائز من بين الفائزين وكذلك الخدّام المتميزين للثقافة الرضوية من داخل البلاد وخارجها.
هكذا، يواصل مهرجان الإمام الرضا(ع) مسيرته كحدث ثقافي وفني عالمي، يربط الماضي بالحاضر، ويجعل من الفن وسيلة لنشر القيم الإنسانية والروحية. ومع تنوّع فعالياته من الشعر والأدب إلى السينما والفنون التشكيلية، يثبت المهرجان أنه ليس مجرد تظاهرة فنية، بل جسر حضاري وروحي يعزز الوحدة الوطنية ويُبرز مكانة الإمام الرضا(ع) كرمز جامع للثقافة والهوية.