عقوبات رمزية وتجارة حقيقية..

«آلية الزناد» و«الاقتصاد الإيراني» في مسارين مختلفين

الوفاق/مضى حوالي شهر على تفعيل "آلية الزناد"، وخلال هذه الأيام، إلى جانب أفعال وردود فعل السياسيين، نشهد هجوماً إعلامياً حول فرض عقوبات جديدة على قطاعات من الاقتصاد الإيراني، أخبار تندرج أكثر من أي شيء آخر في سياق الحرب النفسية.

فالاتحاد الأوروبي، في أعقاب تفعيل “آلية الزناد”، أعلن خلال بيان عودة عقوبات هذا الاتحاد ضد إيران. وجاء في بيان الاتحاد الأوروبي: “تشمل الإجراءات المُعاد فرضها عقوبات تم اعتمادها عام 2006 بقرارات متتالية من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ودخلت تلقائياً إلى قوانين الاتحاد الأوروبي، كما تشمل أيضاً إجراءات مستقلة للاتحاد الأوروبي”.

 

وفي هذا الصدد، نقلت مصادر غربية أنباء جديدة حول فرض عقوبات جديدة على إيران من قبل الاتحاد الأوروبي، بينما تُظهر التحقيقات أن مثل هذه الأنباء، أكثر من أن يكون لها تأثير اقتصادي، فإن جذورها تكمن في الحرب النفسية من الطرف الآخر للتأثير على الرأي العام الإيراني. ولإثبات هذا الادّعاء، لابأس من استعراض بعضها.

 

فولاذ لا يُصدّر؛ لكنّه محظور!

 

إحدى الأخبار التي لاقت إهتماماً إعلامياً خلال الأيام الماضية، كانت حظر استيراد الفولاذ من إيران من قبل الاتحاد الأوروبي، والذي نقل عن فاديم كوليسنيتشينكو، الناطق الرسمي باسمه، أن هذه القيود تشمل الصادرات والواردات والمعاملات المالية.

 

وعلى الرغم من أن إحصائيات الاتحاد الأوروبي أشارت إلى استيراد 6/22 ألف طن من الكتل المعدنية من إيران إلى الاتحاد في شهر يوليو من هذا العام، إلا أنه في العام السابق لم تحدث أي صادرات من إيران لأنواع المنتجات المعدنية.

 

وحتى بافتراض صحة إحصائيات صادرات الكتل المعدنية من إيران إلى دول الاتحاد الأوروبي، يجب معرفة أن كميتها لا تُذكر مقارنة بصادرات إيران من الفولاذ التي تبلغ ملايين الأطنان، لأنه وفقاً لأحدث الإحصائيات، فإن إنتاج الفولاذ في إيران يبلغ سنوياً حوالي 30 مليون طن حتى مع وجود قيود بسبب اختلال توازن الطاقة.

 

لم يكن لدينا صادرات للفولاذ إلى أوروبا

 

وبهذا الصدد، قال وحيد يعقوبي، النائب التنفيذي لجمعية منتجي الفولاذ في إيران: “على الرغم من أنه تم تصدير ألواح الفولاذ إلى أوروبا في تسعينيات القرن الماضي، إلا أننا الآن لا نصدّر منتجات الفولاذ والمعادن إلى دول الاتحاد الأوروبي”.

 

وبخصوص تأثير “آلية الزناد” على صناعة الفولاذ، يرى يعقوبي أنه “على الرغم من أن هذه العقوبات كانت موجودة سابقاً، إلا أنها ستؤثر على توفير المواد الأولية والواردات التي تحتاجها هذه الصناعة، وقد يدخل عملاء المنتجات الإيرانية في الأسواق التصديرية بمكانة تفاوضية أعلى ليحددوا الأسعار”.

 

وتظهر أحدث الإحصائيات عن صادرات سلسلة الحديد والفولاذ في البلاد أيضاً نمواً بنسبة 17٪ في حجم الصادرات خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، بينما بلغت قيمتها مع نمو 10٪ إلى حدود 3 مليارات دولار.

 

ونظرة على إحصائيات الجمارك فيما يتعلق بوجهة صادرات الفولاذ الإيراني، تُظهر أن الدول المجاورة والآسيوية وبعض الدول الأفريقية تحتل صدارة هذه الصادرات، بينما تقع الدول الأوروبية في ذيل القائمة.

 

إختلاق أخبار بتجميد حسابات فارغة!

 

الخبر الآخر الذي تمّ تداوله في الفترة الماضية، يتعلق بمسألة تجميد حسابات البنك المركزي الإيراني في الدول الأوروبية تحت ذريعة العقوبات، مما أثار ردّ فعل من محافظ البنك الذي أعلن قائلاً: “يعلنون كذباً أن ودائع إيران في الاتحاد الأوروبي قد جُمّدت؛ نحن أساساً لا نملك ودائع هناك حتى يتم تجميدها. هم يسعون من خلال هذه الأخبار إلى التأثير سلباً على سعر الصرف”.

 

ما هي حقيقة التبادل التجاري بين إيران وأوروبا؟

 

الحقيقة هي أنه بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وامتثال الشركات الأوروبية لهذا الإجراء، انخفض مستوى العلاقات الاقتصادية والتجارية بين إيران ودول الاتحاد الأوروبي لأدنى مستوى منذ عام 2018 حتى الآن، وحتى المعاملات المصرفية في هذا التجارة الضئيلة ليست كبيرة بحيث يمكن للأوروبيين استخدامها كذريعة للاستيلاء على ممتلكات وإيرادات الشعب الإيراني.

 

نظرة على إحصائيات مصلحة الجمارك الإيرانية، في النصف الأول من العام الجاري، تُظهر تسجيل رقم 54 ملياراً و311 مليون دولار، أي أقل بأربعة مليارات دولار من الفترة المماثلة من العام الماضي، وهذا الانخفاض يتعلق بالواردات.

 

وخلال هذه الفترة، تم تصدير 74 مليوناً و997 ألف طن من البضائع غير النفطية بقيمة 25 ملياراً و944 مليون دولار من إيران، مما يمثل زيادة من حيث الوزن والقيمة.

 

من ناحية أخرى، فإن نظرة على الدول الوجهة لصادرات البضائع الإيرانية تُظهر أن الاتحاد الأوروبي لا يحتل مكانة ملحوظة في التجارة الخارجية الإيرانية، حيث يحدث أكثر من 80٪ من تجارة إيران مع دول مثل الصين، والعراق، والإمارات، وتركيا، وأفغانستان، وباكستان، والهند، حيث بلغ إجمالي الصادرات إلى هذه الدول أكثر من 21 مليار دولار خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري.

 

“تضخيم آلية الزناد” للتأثير على السوق الإيرانية

 

في ضوء المعلومات المقدمة، يبدو أن استراتيجية “تضخيم آلية الزناد” تهدف إلى التأثير على الحالة النفسي للمجتمع وإثارة مخاوفه، وهو نهج تتبناه الترويكا الأوروبية لتنفيذ ما لم تستطع تحقيقه تحت غطاء المفاوضات.

 

وكتب حميد قنبري، مساعد وزير الخارجية للشؤون الاقتصادية، بهذا الشأن: “هذه الأيام تحاول بعض وسائل الإعلام والتيارات “تضخيم آلية الزناد” لتهييج الحالة النفسية للمجتمع؛ وكأن جميع أبواب التجارة ستُغلق في وجه إيران صباح الغد وستقلب حياة الناس رأساً على عقب”؛ لكن يكفي أن ننظر إلى النص الرسمي التي نشرته الحكومة البريطانية.

 

ففي “المذكرة التفسيرية” التي سُجّلت في البرلمان البريطاني قبل أيام، كتبوا هم أنفسهم صراحة: إن “تكلفة تنفيذ هذه اللوائح على الاقتصاد البريطاني ستكون أقل من 10 ملايين جنيه إسترليني سنوياً”.

 

أقل من 10 ملايين جنيه! في اقتصاد يبلغ ناتجه المحلي الإجمالي عدة تريليونات من الجنيهات. هذا يعني أن التجارة المباشرة بين إيران وبريطانيا محدودة لدرجة أنه حتى عودة عقوبات مجلس الأمن بشكل كامل لن تُحدث تغييراً ملحوظاً في العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

 

إذن لماذا يتم تضخيمها إلى هذا الحدّ؟ الجواب واضح: إنها حرب نفسية. الهدف هو جعل الشعب الإيراني يشعر بأنه تحت حصار كامل، وأن أملهم في المستقبل قد انقطع، وأن الخيار الوحيد المتبقي لهم هو “الاستسلام”.

 

ولكن الحقيقة شيء آخر. ما يجري اليوم هو مواجهة سياسية وإعلامية أكثر منه تغييراً حقيقياً في معيشة الناس. فحتى بناءً على وثائق الطرف الآخر الرسمية، فإن تأثير هذه الإجراءات على اقتصادهم ضئيل، كما أن تأثيرها على اقتصادنا يلاحظ أكثر على مستوى “حرب الروايات”.

 

 

المصدر: الوفاق خاص