في ذكرى استشهاد الزهراء(ع): المرأة الناجحة في مختبر الأسرة

نحن من نحتاج الى مختبر الأسرة لتكون لدينا المرأة الناجحة، وهو المختبر الذي صنعته الصديقة الزهراء، سلام الله عليها، بسمو أخلاقها، وصفاء روحها، ونحن نعيش هذه الأيام الذكرى الأليمة لاستشهادها، وربما يأخذ عليّ القارئ الكريم طمعي بمكارمها وفضائلها لما يفيدنا في تحقيق السعادة الزوجية والأسرية في وقت تُنصب المنابر...

نحن من نحتاج الى مختبر الأسرة لتكون لدينا المرأة الناجحة، وهو المختبر الذي صنعته الصديقة الزهراء، سلام الله عليها، بسمو أخلاقها، وصفاء روحها، ونحن نعيش هذه الأيام الذكرى الأليمة لاستشهادها، وربما يأخذ عليّ القارئ الكريم طمعي بمكارمها وفضائلها لما يفيدنا في تحقيق السعادة الزوجية والأسرية في وقت تُنصب المنابر، وتقام المآتم لإحياء هذه الذكرى فيما يُعد في تراثنا بـ “الفاطمية الثانية”، بما يتطلب المقام من ذكر الفواجع والمظالم وتسليط الضوء على الاحداث السياسية والاجتماعية التي شايعت الزهراء من حادثة الباب وحتى مثواها الأخير.

 

ولكن؛ أهل بيت رسول الله علمونا أن نستفيد من كل شيء في مدرستهم الرسالية، بغضّ النظر عمّا اذا كان يعمّها أجواء الحزن، او أجواء الفرح، وما هتاف العقيلة زينب عنّا ببعيد عندما وصفت ما جرى على أخيها الإمام الحسين(ع)، وأهل بيته في واقعة كربلاء بـ “الجميل”!

 

الفهم المشترك بين الزوج وزوجته

حياة الفتاة مع أبيها وأمها في كنف العائلة، يختلف في جوانب عديدة عن حياتها بعد اقترانها بشاب والبدء بحياة زوجية، فالأب يحنو على ابنته ويسعى أن لا يردّ لها طلباً، فهو يعطي الأولوية لإكرامها قبل التفكير بإكرام نفسه، لأن ببساطة؛ يعدها محوراً يدور حول نفسه في البيت، يحتاج الى الرعاية التامة، احتراماً لمشاعرها كأنثى رقيقة في طور الإعداد لتكون الأم في المستقبل.

بينما في الحياة الزوجية، وعندما تكون الى جانب رجل تحت سقف واحد، فالأمر سيختلف تماماً، فهي ليست محوراً يدور حول نفسه لوحده، وإنما ثمة رجل يمتلك حق القيادة والقوامة وفق الفطرة الانسانية التي فطر الله الناس عليها، ثم يشتركان في تكوين أسرة، وفي تربية الابناء، وهذا ما نلمسه من تجربة الصديقة الطاهرة في الايام الاولى من زواجها، فهي “تعرف لزوجها مكانته العظمى، ومنزلته العليا عند الله –تعالى- وتحترمه كما تحترم المرأة المسلمة إمامها، بل وأكثر وأكثر، فان السيدة فاطمة(ع) كانت عارفة بحق الإمام علي(ع) حق معرفته، وتقدره حق قدره، وتطيعه كما ينبغي”، (فاطمة الزهراء(ع) من المهد الى اللحد- السيد كاظم القزويني-طاب ثراه)، هذا الفهم هو الذي حقق لها “تطوراً في سعادة حياتها” بعد انتقالها من بيت النبوة الى بيت الإمامة.

وما أشد ما تهفو اليه قلوب الفتيات والنساء اليوم من السعادة، فكيف نصل الى هذه القمة العالية التي تكاد تكون عند البعض مثل الحُلم؟!

يكفي قراءة رواية واحدة يستشهد بها السيد القزويني في كتابه القيّم، عن أمير المؤمنين(ع) بأن “فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله –عزوجل- ولا أغضبتني و لا عصت لي أمراً، لقد كنت أنظر اليها فتنكشف عني الهموم والاحزان”، لنعرف من تأتي السعادة الى بيوتنا.

يالها من نظرة! ثم ماذا كان في وجه الصديقة الزهراء(ع) –الزوجة- حتى تنكشف هموم وأحزان بالحجم الذي كان يثقل قلب أمير المؤمنين(ع) آنذاك، وهي ما لا تحتمله الجبال الراسيات، ولا حتى قلب أي بشر؟

لقد كان الرضى، والودّ، والقناعة، والتضحية، وفي نفس الكتاب؛ عن الإمام الباقر، عليه السلام: “إن فاطمة ضمنت لعلي عمل البيت والعجين والخبز، وقمّ البيت –التنظيف- وضمن لها علي ما كان خلف الباب: نقل الحطب –الوقود- وأن يجيء بالطعام”.

بينما يجري الحديث في اوساطنا الاجتماعية بأن ليس على المرأة –الزوجة- القيام بأي عمل في البيت، إلا التمكين في الفراش! و سوى هذا بامكانها الجلوس في البيت وقضاء وقتها بمتابعة آخر ما تفرزه موقع التواصل الاجتماعي، او ما تبثه القنوات الفضائية، او زيارة الاقرباء والصديقات، بينما  الصديقة الزهراء(ع) في علو شأنها وكونها ابنة خاتم الانبياء والمرسلين، لا تستثقل العمل داخل البيت لتحوله الى حصن أمين لكل فتاة وزوجة طامحة للنجاح في حياتها، وليس ثمة تكليف فوق الطاقة المتاحة، فالطبخ –مثلاً- والنظافة في البيت يتطابقان مع ذوق ومزاج كل أنثى، مصداقاً للآية الكريمة: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}، بينما نرى الاعمال الصعبة والشاقة من مسؤولية الرجل –الزوج-، وهكذا يكون التقسم العادل للمسؤوليات وفق منهج أهل البيت، عليهم السلام.

ونحن نعيش ذكرى استشهادها، حريٌّ بنا ان نتعلم كيف نعيش، وقبلها؛ كيف نصنع البيت والأسرة الناجحة والسعيدة، وعندما نذكر السعادة، لا يعني فقط امتلاك الدار الوسيعة والجميلة، والسيارة الفارهة، والوارد الشهري الجيد، والأثاث المتنوع، مع وجود الابناء في المدارس والجامعات في أحسن حال مع وافر الصحة والسلامة، وكل هذا مطلوب، إنما السعادة في “الحياة التي لا يعكرها الفقر، ولا تغيرها الفاقة، ولا تضطرب بالحوادث، حياة يهب عليها نسيم الحب والوئام، وتزينها العاطفة بجمالها المدهش”.

ثقة واطئمنان، لا أن تكون معتادة دائماً على الراحة والرفاهية، ولا تصطدم بقرار حكومي –مثلاً- ولا تضطرب باهتزاز الوضع الاقتصادي أو حتى الأمني والسياسي، فهي لها قرارها ومنهجها الثابت تسير عليه على الصراط المستقيم.

وهذا تحديداً ما يحوّل مناسبة إحياء مظلومية الصديقة الزهراء(ع) كل عام، وفي كل مكان بالعالم، الى التذكير ببطلان موقف الطرف المقابل وأنه الباغي والمعتدي والمنحرف عن جادة الحقّ.

المصدر: وكالات