تجسيد لقيم الصمود والعدالة

المسرح الإيراني.. حين تتحوّل الخشبة إلى ساحة مقاومة

الوفاق: مهرجان مسرح المقاومة ليس مجرد حدث فني، بل هو تجديد للعهد بين المسرح والذاكرة، وتأكيد على أن الخشبة في إيران ما زالت فضاءً مفتوحاً للتعبير عن قيم الصمود والعدالة.

مسرح المقاومة فضاء ثقافي وفني يكرّس خشبته لتجسيد قيم الصمود والحرية، ويحوّل الحكايات الوطنية إلى عروض حيّة تنبض بالوعي والجمال، وبالتزامن مع إعلان الدعوة الرسمية لإنطلاق الدورة العشرين من المهرجان الدولي لمسرح المقاومة تحت شعار: «إيران، ساحة المقاومة الخالدة»، يتجدّد النقاش حول الدور الذي يلعبه المسرح في إيران كأداة ثقافية وفنية لإحياء الذاكرة الجماعية، وتجسيد قيم الصمود والعدالة، وتحويل الخشبة إلى ساحة مقاومة حيّة.

منذ انطلاقه عام 1994م، تحت عنوان «تذكار مسرح الدفاع المقدس»، شكّل المهرجان منصة للفنانين والكتّاب الذين أرادوا أن يجعلوا من الخشبة مرآةً لبطولات الشعب وتجارب المقاومة. ومع مرور تسع عشرة دورة، بات المهرجان حدثاً سنوياً ينتظره المسرحيون والجمهور على حد سواء، لما يحمله من عروض متنوّعة تجمع بين البعد الفني والرسالة الإنسانية.

 

المهرجان الدولي لمسرح المقاومة

تم نشر الدعوة للمشاركة في المهرجان بالتزامن مع اليوم الوطني لمقارعة الإستكبار العالمي في إيران، وأعلنت الأمانة العامة للمهرجان، بإشراف اتحاد مسرح الثورة والدفاع المقدس التابع لمؤسسة «روايت فتح» الثقافية، أن الدورة الجديدة ستُقام بين النصف الثاني من العام الإيراني الحالي حتى النصف الأول من العام القادم. وتهدف هذه الدورة إلى توسيع خطاب المقاومة، وترسيخ ثقافة الإيثار والعدالة، واكتشاف المواهب المسرحية الشابة، بالاستفادة من خبرة تسع عشرة دورة سابقة.

 

أقسام المهرجان ومحاوره

يتوزع المهرجان على ستة أقسام رئيسية: مسابقة كتابة النص المسرحي، المسرح الصِّفّي (المسرح التقليدي/الخشبة)، «سردار آسماني» أي «القائد السماوي» – المسرح الشارعي، الندوة العلمية – البحثية، آفاق المقاومة (ورش تعليمية)، قسم الأمم.

لا يقتصر المهرجان على العروض المسرحية، بل يشمل أيضاً ندوات علمية – بحثية لتعزيز الأدبيات النظرية لمسرح المقاومة، وورش تدريبية في مختلف المحافظات لتعليم كتابة النصوص المسرحية والمسرح الشارعي، بمشاركة أساتذة بارزين.

وتركّز الدعوة على إنتاج أعمال مستوحاة من: الحرب الصهيونية المفروضة، دور الشهداء والمجاهدين في الثورة الإسلامية، الدفاع المقدس، محور المقاومة، الشهداء النوويون، ملاحم الشعب الفلسطيني وغزة، ودور النساء في المقاومة.

هذه الفعاليات تجعل من المهرجان فضاءً للحوار بين الفنانين والباحثين، وتفتح المجال أمام الأجيال الجديدة لاكتشاف طاقاتها الإبداعية.

 

مناسبة متجددة

تُعقد الدورة العشرون بإدارة محمد كاظم‌تبار، لتكون محطة جامعة للفنانين والباحثين والجمهور، ومناسبة لتجديد دور المسرح الإيراني كأداة ثقافية وفنية في التعبير عن قيم المقاومة والعدالة، والإعلان عنه الآن يأتي في لحظة حساسة، حيث يشهد العالم أحداثاً متسارعة تعيد إلى الواجهة مفاهيم مثل العدالة، الصمود، والهوية الثقافية. ومن هنا، يصبح المسرح الإيراني أداةً فاعلة في التعبير عن هذه القيم، وفي تقديم صورة حضارية عن المقاومة بوصفها فعلاً إنسانياً جامعاً. المسرح في إيران لم يكن يوماً مجرد وسيلة للترفيه، بل ظلّ ساحةً للتعبير عن الذاكرة والهوية. من بين المسرحيات التي لاقت حضوراً لافتاً نذكر بعضها.

 

«سرزمین خورشید»

مسرحية «سرزمین خورشید» أي «أرض الشمس» هي عمل مسرحي ميداني ضخم من إخراج حميد حسين‌خاني، يقدّم رؤية فنية عن المقاومة الوطنية والتاريخية للإيرانيين عبر العصور. يركّز العرض على محطات بارزة من تاريخ المقاومة، بدءاً من مواجهة الغزوات المغولية، مروراً بمقاومة جلال الدين خوارزمشاه، وصولاً إلى الثورة الإسلامية، ودور المدافعين عن المقدسات، وانتهاءً بالحرب الصهيونية المفروضة.

العرض يتكوّن من 21 مشهداً مسرحياً، ويشارك فيه نحو 350 شخصاً، بينهم 150 ممثلاً رئيسياً وفنانون وتقنيون من أبرز وجوه المسرح والسينما الإيرانية. وقد اعتمد فريق العمل على بحوث ودراسات تاريخية معمّقة لإبراز الهوية الوطنية، مع التركيز على دور خراسان الكبير في التاريخ المقاوم، بما في ذلك الاستقبال التاريخي للإمام الرضا(ع).

المسرحية تمزج بين الرمزية التاريخية والبعد الملحمي، لتجعل من الشمس رمزاً للأمل والانتصار، وتقدّم للجمهور تجربة جماهيرية واسعة تعكس روح التضحية والصمود في الذاكرة الإيرانية.

 

 «برواز از قفس»

مسرحية «برواز از قفس» أي «الطيران من القفص» تتناول معاناة الأسرى والمعتقلين، وكيف تحوّلت زنزاناتهم إلى فضاءات للمقاومة الروحية والفكرية، وهي إحدى النصوص المسرحية التي تتناول موضوع المقاومة والتضحية في الحرب المفروضة الثماني سنوات. تتمحور أحداثها حول حوار رمزي بين باقر، وهو أحد الجرحى الكيميائيين في الدفاع المقدس، وبين طائر في قفص. من خلال هذا الحوار، يستعيد باقر ذكرياته عن الذهاب إلى الجبهة، وعن استشهاد رفاقه أثناء هجوم قوات النظام الصدامي.

المسرحية تأتي ضمن كتاب يضم مجموعة من النصوص المسرحية لعدد من كتّاب قزوين، ومن أبرز عناوينه: «کاف، میم، دال»، «خوان خون»، «برواز از قفس»، «حقیقتي درباره مریم»

 

تجديد للعهد بين المسرح والذاكرة

إن الدورة العشرين لمهرجان مسرح المقاومة ليست مجرد حدث فني، بل هي تجديد للعهد بين المسرح والذاكرة، وتأكيد على أن الخشبة في إيران ما زالت فضاءً مفتوحاً للتعبير عن قيم الصمود والعدالة. وبينما تتواصل التحديات، يظل المسرح الإيراني شاهداً حياً على أن الفن قادر على أن يكون صوتاً للمقاومة، وذاكرةً للأمة، ورسالةً إنسانية تتجاوز حدود المكان والزمان.

المصدر: الوفاق