نقطة تحول في تاريخ التكنولوجيا الفضائية الإيرانية

رواية عن إنجازات «كوثر» و«هدهد»

الوفاق- خاص/ مرّ عام على الإطلاق الناجح للقمرين الصناعيين الإيرانيين "كوثر" و"هدهد" بواسطة شركة "أميد فضاء" المعرفية. وتُعدّ هذه المهمّة نقطة تحول في تاريخ التكنولوجيا الفضائية الإيرانية، حيث تُظهر قدرات القطاع الخاص في البلاد على تصميم وتصنيع وإطلاق أقمار صناعية محلية.

 كبرى أميري

 

لقد اجتاز القمران مراحل التصميم والإختبار والإطلاق بنجاح بالاعتماد على القدرات المحلية وتعاون الشركات المعرفية، وأرسلا بيانات قيّمة من مدار الأرض إلى المحطات الأرضية. ويتناول هذا التقرير التفاصيل الفنية والإنجازات والتحديات والخطط المستقبلية لهذا المشروع.

 

خلفية وتصميم الأقمار الصناعية

 

يُعدّان القمران الصناعيان “كوثر” و”هدهد” مشروعين متميزين بأهداف ونهج مختلفين، تمّ تصميمهما وتصنيعهما بواسطة شركة “أميد فضاء” المعرفية.

 

وقد لعبت هذه الشركة، بإدارة الدكتور حسين شهرابي، دورًا مهمًا خلال السنوات الأخيرة في تطوير الأقمار الصناعية الخفيفة العملياتية في إيران.

 

 قمر كوثر الصناعي: بدأ مشروع “كوثر” في عام 2019، وتمّ تصميمه استنادًا إلى خبرات تمتد لـ15 عامًا في صناعة الفضاء الإيرانية. وطُور هذا القمر الصناعي بمهمة الاستشعار عن بُعد لتطبيقات زراعية، حيث اعتمد تصميم “كوثر” على تقنيات تقليدية أكثر تتوافق مع المعرفة المتراكمة في البلاد. وتمّ تصميم هذا القمر الصناعي لجمع البيانات اللازمة في مجال الزراعة، بما في ذلك مراقبة الأراضي الزراعية والموارد الطبيعية.

 

 قمر هدهد الصناعي: بدأ تطوير “هدهد” في عام 2021، واتّبع نهجًا أكثر حداثة. وتمّ تصميم هذا القمر الصناعي باستخدام تقنيات صناعة الفضاء الحديثة والاستفادة من مكونات تجارية ذات موثوقية عالية، ومتانة كبيرة، وتكلفة أقل. وركزت مهمة “هدهد” على إنترنت الأشياء، مما يتيح ربط الأجهزة وجمع البيانات في مجال الزراعة، حيث تمّ تصميم “هدهد” للاستفادة من الشبكات العالمية للهواة لإرسال واستقبال الإشارات، وهي ميزة تميزه عن “كوثر”.

 

اجتاز كلا القمرين الصناعيين مراحل التصميم والاختبارات الأرضية والتأييدات اللازمة، وتم إطلاقهما إلى مدار الأرض في وقت واحد ضمن عملية إطلاق واحدة، حيث يعكس هذا التنسيق في الإطلاق التخطيط الدقيق وقدرة فريق التصميم على إدارة المشاريع المتوازية بكفاءة.

 

 عملية الإطلاق وأنظمة الفصل

 

كانت إحدى أهم مراحل مهمة “كوثر” و”هدهد” هي الإطلاق الناجح وفصل الأقمار الصناعية عن المركبة الفضائية الدولية. وتمّ هذا الإطلاق بمشاركة أكثر من 50 قمرًا صناعيًا آخر، مما وضع تحديات عديدة أمام فريق “أميد فضاء”. ولعبت أنظمة الفصل، التي صممها وصنعها بالكامل متخصصون إيرانيون، دورًا حاسمًا في نجاح هذه المرحلة، حيث شملت هذه الأنظمة آليات فصل القمر الصناعي عن المركبة الفضائية، وفتح الهوائيات وأجنحة القمر الصناعي في المدار.

 

فرض المركبة الفضائية الدولية معايير صارمة لتأكيد سلامة أنظمة الفصل الإيرانية بسبب الابتكارات الموجودة فيها. وتمكّن فريق “أميد فضاء” من تلبية هذه المعايير من خلال إجراء اختبارات متعددة، بما في ذلك الاختبارات الحرارية والاهتزازية والوظيفية. وشملت هذه العملية محاكاة الظروف القاسية في الفضاء والتأكد من الأداء الصحيح للآليات الميكانيكية-الإلكترونية. وكانت نتيجة هذه الجهود هي فصل ناجح لكلا القمرين الصناعيين وفتح الهوائيات والأجنحة بشكل صحيح في المدار، مما يعكس القدرة الفنية العالية للفريق الإيراني.

 

 استقبال البيانات والأداء المداري

 

بعد الفصل، كانت المرحلة التالية هي استقبال بيانات التتبع عن بُعد من الأقمار الصناعية. وتمكّن القمر الصناعي “هدهد”، بفضل تصميمه الخاص الذي يتيح الاتصال بشبكة الهواة العالمية “التي تضم أكثر من 6000 محطة حول العالم”، من بث إشاراته في الدقائق الأولى بعد الإطلاق. هذه القدرة، التي تمّ أخذها في الاعتبار مسبقًا في تصميم “هدهد”، سمحت بتتبع القمر الصناعي بسرعة من قبل المحطات الدولية، وتمّ استقبال بياناته الأولية بنجاح.

 

في المقابل، تمّ استقبال بيانات قمر “كوثر” الصناعي بتأخير 24 ساعة، مما أثار بعض القلق لدى فريق المهمة. ومع ذلك، بعد استقبال البيانات، تبين أن أنظمة الإرسال في “كوثر” تعمل بشكل صحيح، وكان التأخير الأولي ناتجًا عن إعدادات المدار وزمن الاتصال مع المحطة الأرضية، حيث يعكس هذا النجاح الأداء الصحيح لبنية الاتصالات التحتية لكلا القمرين الصناعيين.

 

 تحديات تحديد المواقع المدارية

 

كان أحد التحديات الرئيسية لهذه المهمة هو تحديد المواقع المدارية للأقمار الصناعية في ظل تأخر نشر البيانات الدولية. وبسبب إطلاق أكثر من 50 قمرًا صناعيًا في وقت واحد، استغرقت المراجع الدولية حوالي شهر لنشر المواقع الدقيقة للأقمار الصناعية. أجبر ذلك فريق “أميد فضاء” على الاعتماد على بيانات التتبع عن بُعد للأقمار الصناعية والخوارزميات المحلية لاستخلاص المواقع المدارية لـ”كوثر” و”هدهد”.

 

أظهر “هدهد” أداءً أفضل في هذه المرحلة، حيث أرسل بيانات تحديد المواقع بدقة أعلى إلى الأرض. وتمكّن فريق “أميد فضاء” باستخدام خوارزميات ذكية وتحسينات محلية، من حساب المواقع المدارية لكلا القمرين بدقة عالية خلال شهر واحد. وشملت هذه العملية 19 مراجعة متتالية لموقع “كوثر”، حيث زادت كل مراجعة من دقة الحسابات. وأظهرت مقارنة النتائج النهائية مع البيانات الدولية أن حسابات الفريق الإيراني كانت قريبة جدًا من البيانات الرسمية، وهو إنجاز تم تسجيله لأول مرة في تاريخ الفضاء الإيراني.

 

 أداء أنظمة الطاقة

 

كان أحد الجوانب الرئيسية في تقييم أداء الأقمار الصناعية هو فحص نظام الطاقة ودورة شحن البطاريات. في “هدهد”، كانت هذه الدورة مستقرة تمامًا؛ حيث كانت الألواح الشمسية تمتص الطاقة بشكل صحيح، وتمّ شحن البطاريات، وعملت جميع الأنظمة دون أي خلل. ويعود هذا الاستقرار إلى تصميم “هدهد” المستقل من حيث زاوية المدار بالنسبة للشمس.

 

في المقابل، واجه قمر “كوثر” الصناعي تحديات في مجال الطاقة. وفي بعض الفترات الزمنية، خاصة خلال الفترات نصف الشهرية، انخفض امتصاص الطاقة الشمسية، وهو ما يرتبط بضبط غير صحيح لزاوية المدار بالنسبة للأرض والشمس. وتسبب هذا المشكل في انقطاعات دورية للقمر الصناعي وفقدان الاتصال مع المحطة الأرضية، مما جعل تطبيق التعديلات التحكمية أمرًا صعبًا. وقام الفريق الفني بمراجعة معاملات التحكم باستخدام بيانات التتبع عن بُعد لتحسين زاوية المدار؛ لكن هذه العملية لا تزال جارية.

 

 تقييم أداء المهمة

 

وفقًا لقوائم التحقق من المهمة، حقق “هدهد” نجاحًا بنسبة 90%، حيث عملت جميع أنظمته، بما في ذلك إرسال واستقبال البيانات وتنفيذ الأوامر الأرضية، وفقًا للخطة الموضوعة. كما تمتع هذا القمر الصناعي بالقدرة على استقبال الأوامر من المحطات الدولية، مما يعكس تصميمه المتقدم والمرن. في المقابل، حقق “كوثر” نجاحًا بنسبة حوالي 70%، حيث أثرت التحديات المتعلقة بالطاقة وضبط المدار على أدائه.

 

 تحديات المحطات الأرضية

 

إلى جانب المشكلات المدارية، تسببت القيود الفنية في المحطات الأرضية في خلق تحديات إضافية. فقد جعل انخفاض الوصول إلى المحطات والمشكلات الفنية في هذه البنى التحتية الاتصال المستمر مع “كوثر” أمرًا صعبًا. ومع ذلك، لا يزال “كوثر” نشطًا في المدار، رغم أن أوقات رؤيته محدودة، والاتصال المباشر ممكن فقط في فترات زمنية محددة.

 

 الخطط المستقبلية

 

تعتمد شركة “أميد فضاء” على الخبرات المكتسبة من هذه المهمة، وتستعد حاليًا لإطلاق القمر الصناعي الجديد “دو‌نماي” خلال الشهر أو الشهرين المقبلين. وسيفتح هذا القمر الصناعي، بفضل قدراته متعددة الحساسات والموجهة نحو البيانات، فصلًا جديدًا في تكنولوجيا الفضاء الإيرانية، ومن المتوقع أن يكون له تطبيقات واسعة في مجالات الزراعة والبيئة وإنترنت الأشياء.

 

 في الختام…

 

لم تُظهر مهمة “كوثر” و”هدهد” قدرات إيران في تصميم وإطلاق الأقمار الصناعية المحلية فحسب، بل سجلت أيضًا تجربة غير مسبوقة في استخدام الخوارزميات الذكية لتحديد المواقع المدارية وتطوير أنظمة فصل مبتكرة.

 

فقد وضع “هدهد” بأدائه المستقر ونجاحه بنسبة 90% معيارًا جديدًا للأقمار الصناعية الإيرانية، بينما لا يزال “كوثر” نشطًا في المدار رغم التحديات، مع استمرار أعمال التصحيح.

 

تُبرز هذه الإنجازات، إلى جانب الخطط المستقبلية مثل إطلاق “دو‌نماي”، عزم إيران الجاد على تطوير تكنولوجيا الفضاء والمنافسة على الساحة العالمية.

 

 

المصدر: الوفاق-خاص

الاخبار ذات الصلة