لاريجاني: حكمة القيادة وصمود الشعب عوامل غيّرت معادلات الحرب الأخيرة

أكد أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني أن أميركا والكيان الصهيوني دخلا الحرب بهدفٍ أدركا بعد أيام أنه كان خطأ.

و في كلمة له خلال مؤتمر “نحن والغرب في آراء وأفكار سماحة آية الله العظمى السيد الخامنئي”، أكد  أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، قائلا: “كان الغرب في الماضي يدّعي أنه يستند إلى العلم وحرية التفكير، لكن النتيجة كانت حربَين عالميتين. أما اليوم، فقد أصبحت مساراته أكثر وضوحا، إذ ربط العلاقات الدولية بالقوة البحتة. ”

 

 

وأشار لاريجاني إلى بيت شعري من أعمال الشاعر الإيراني الشهير سعدي، يقول:”الرأي بلا قوة سحرٌ وتدليس، والقوة بلا رأي جهلٌ وجنون. “ثم علّق قائلا: “إن العالم اليوم قد دخل عصر الجهل والجنون. ”

 

 

وفي جزء آخر من كلمته، استعرض لاريجاني تاريخ العلاقات الإيرانية–الغربية، موضحا أن طبيعة هذه العلاقات شهدت عبر التاريخ مدا وجزرا في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والعسكرية، وربما كانت من أكثر العلاقات الدولية تقلبا.

 

 

وأشار لاريجاني إلى أنه يُمكن تقسيم هذه العلاقة إلى خمس مراحل تاريخية رئيسية، موضحا أن المرحلة الأولى تعود إلى العصور القديمة، حين كانت إيران تحت حكم السلالات الأخمينية والبارثية والساسانية، وكانت تمتلك حضارة قوية ومتميزة، في حين كان الغرب يمثله حضارتا اليونان وروما، اللتان كانتا أيضا ذات أهمية كبرى.

 

 

تفاعل الحضارة الإيرانية والغربية قديما 

 

 

وأضاف: “في تلك الحقبة، كان هذان القطبان الحضاريان يُعدان مركزَي القوة العالميين، ولم يتمكن الغرب مطلقا من فرض هيمنته على إيران، رغم وقوع صراعات وحروب بين الطرفين، لأن إيران كانت تمتلك قوة سياسية وعسكرية هائلة. ”

 

 

كما تحدّث لاريجاني عن أشكال التفاعل الفكري والثقافي بين الحضارتين، مشيرا إلى أن علاقات التبادل بين إيران واليونان القديمة شملت جانبا فكريا إلى جانب الصراعات العسكرية. وذكر أن بعض المؤرخين يرون أن الأفكار الإيرانية والدينية انتقلت إلى اليونان من خلال “هَكمَتَانَه” (المؤتمرات الفلسفية أو الروحية)، وأن أفلاطون نفسه تحدّث في مؤلفاته عن الإمبراطورية الفارسية، مبديا فيها إعجابه تارة ونقدَه تارة أخرى، مما يدل على وجود اتصال فكري بين مفكري اليونان وبلاط إيران.

 

 

وأضاف أن بعض المفسرين يرون أن مفهوم أفلاطون حول “عالمَي المثال والمحسوس” مُستلهم من فكرة الثنائية بين “العالم المينوي (المعنوي) ” و”العالم الكوني (المادي) ” في الأفكار الزرادشتية. ووصف لاريجاني الحروب بين إيران واليونان بأنها كانت تجسيدا لصراع الحضارتين الكبرى بين الشرق والغرب، رغم وجود علاقات علمية وفكرية بين الطرفين، كما يظهر في آثار المفكرين اليونانيين.

 

 

ثم تطرّق لاريجاني إلى تطور العلاقات بين إيران والغرب من فترة الساسانيين حتى العصر الصفوي، موضحا أن الإمبراطوريتين الساسانية والبيزنطية كانتا قوتين عظميين تتنافسان على النفوذ، خصوصا في مناطق مثل أرمينيا، بلاد ما بين النهرين، والشام. ولفت إلى أن الطرفين كانا يعترفان ببعضهما كقوتين متكافئتين، وتمّ في بعض الأحيان توقيع معاهدات سلام دامت لعقود.

 

 

ولفت إلى أن التنافس بينهما لم يكن عسكريا فحسب، بل امتد إلى المجال التجاري؛ إذ سعى كل منهما للسيطرة على طرق التجارة بين الشرق والغرب، على غرار ما يُعرف حاليا بـ”حروب الممرّات”. وفي الوقت نفسه، كانت هناك روابط علمية وثقافية بين الحضارتين، كترجمة الكتب وتبادل الخبرات في مجالات الفن والعمارة والفلسفة والطب. موضحا ان البيزنطيين اعتمدوا على المسيحية، بينما كانت الدولة الساسانية تعتمد على الديانة الزرادشتية.

 

 

الإسلام وتأثيره على الحضارات القديمة 

 

 

وبخصوص تأثير الإسلام، قال لاريجاني: “بعد ظهور الإسلام، تأثرت الإمبراطوريتان الكبيرتان بهذه الحركة العظيمة. لكن الملاحظ المهم أن إيران، رغم التنافس والصراع مع الغرب، حافظت دائما على استقلالها، وهو استقلال كان مبنيا على قدرة بنيوية ونظام حكم قوي متماسك، مترابط مع الدين، ما منح المجتمع انسجاما واستقرارا داخليا. ”

 

 

وانتقل لاريجاني إلى الحديث عن العصر الصفوي، موضحا أنه في القرن السادس عشر الميلادي، تزامنا مع التحولات الفكرية والعلمية في الغرب، دخلت إيران مرحلة جديدة من الازدهار. ونجح الصفويون في إعادة إيران إلى مكانتها كإمبراطورية عظمى، لكن هذه المرة قائمة على حضور العلماء والمفكرين والعلماء. وشدد على أن الشاه عباس الصفوي قدّر العلماء وأكرَمهم، ما ساعد على ترسيخ الأسس الفكرية والعلمية للدولة.

 

 

وأشار لاريجاني إلى أن الدولة الصفوية، إلى جانب قوتها العلمية، تميزت أيضا بوحدة دينية وقوة عسكرية. ورغم الخلافات مع الدولة العثمانية من الناحية المذهبية وطبيعة السلطة، فقد أقامت إيران الصفوية علاقات سياسية واقتصادية وعلمية مع دول أوروبية كبرى مثل البرتغال وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا. وأكّد أن العلاقة مع أوروبا في تلك الفترة لم تكن صراعية، بل كانت نوعا من التعاون، لأن أوروبا لم تمتلك القدرة على فرض هيمنتها العسكرية على إيران.

 

 

وأشار إلى أن إيران كانت آنذاك من أكبر منتجي الحرير في العالم، وقد جاءت شركة الهند الشرقية الهولندية لشرائه، وأقامت مكاتب لها في بندر عباس وأصفهان. كما كان للسجاد والتوابل والمعادن الإيرانية رواج كبير في أوروبا، واستفاد الصفويون من الخبرات الأوروبية في مجالات مثل صناعة المدافع، والساعات، والطب، والهندسة.

 

 

إيران في العصر الصفوي كانت إمبراطورية قوية تُوازي الغرب

 

 

وأكّد لاريجاني أن إيران في العصر الصفوي استطاعت أن تحافظ على استقلالها الكامل بفضل ثلاثة عوامل رئيسية؛ أولا: الاعتماد على العلم والفكر. ثانيا: الربط بين الحكم والتوجّه الديني وارتباطه بالمرجعيات الدينية، مما خلق رابطة قوية بين الدولة والشعب. ثالثا: القوة العسكرية. وبفضل هذه العوامل الثلاثة، أصبحت إيران إمبراطورية قوية تُوازي الغرب، واستمدت قوتها من العلم والإيمان معا.

 

 

وأشار إلى أنه في الوقت الذي كانت فيه شخصيات غربية مثل هوبز وجون لوك تخطو خطوات نحو العصر الحديث، كان الصفويون يعتمدون على مزيج من العلم والتقوى والقدرة السياسية، ما أدى إلى نوع من التوازن بين إيران والغرب، وأن سبب استقرار الدولة الصفوية يكمن في استقلالها الفكري والاقتصادي وقوتها العسكرية.

 

 

ثم انتقل لاريجاني إلى عهد القاجار، موضحا أن نفوذ بريطانيا وروسيا في الشؤون الداخلية الإيرانية ازداد خلالها، وأن المعاهدات مثل “كُلِستان” و”تركمانجاي” والامتيازات مثل امتياز التبغ كانت دليلا على النظرة الاستعمارية للغرب تجاه إيران. وأضاف أن الاستبداد وتجاهل العلم والتراجع الاقتصادي جعل العصر القاجاري عاجزا أمام التقدم السريع للغرب، وأن شاهات هذه الفترة، بفعل سفراتهم المكلفة إلى أوروبا، انخدعوا بالمظاهر الغربية، ما أدى إلى ضعف عسكري وانحطاط للدولة.

 

 

وباستشهاده ببيت شعري للشاعر محمد إقبال اللاهوري، قال لاريجاني:”الغرب لم يكتسب قوته من الالحاد، بل من العلم والتقنية. وعلى الشباب الإيراني أن يعتمد على عقله وعلمه، لا على مظاهر الغرب. ”

 

 

وواصل لاريجاني حديثه، موضحا أن الهيمنة الأمريكية والبريطانية على البلاط والجيش والبنية التحتية للبلاد في عصر البهلوي أصبحت جلية، وكان انقلاب 19  آب/ أغسطس 1953 تجسيدا صارخا لهذا التدخل الأجنبي. وصرّح أن إيران البهلوية كانت تابعة تماما للغرب، ولا تمتلك أي استقلال حقيقي، مشيرا إلى أن مذكرات “علم”، وزير البلاط، تكشف أن الشاه كان يتّبع تعليمات السفراء الغربيين حتى في أخطر قرارات الدولة. ورغم العائدات النفطية والقوة العسكرية الظاهرية، فإن التبعية لأمريكا وبريطانيا والعداء للدين أدّيا إلى زعزعة استقرار النظام وتوسيع الفجوة بين الحكومة والشعب.

 

 

ووصف لاريجاني عصر البهلوي بأنه “من أظلم فترات التبعية واحلكها في تاريخ إيران”، مؤكدا أن أحد الأسباب الأساسية لاندلاع الثورة الإسلامية كان الإهانة المتكررة التي تعرّض لها الشعب الإيراني على يد القوى الغربية. وقال: “شعبٌ يتمتع بتراث حضاري وثقافي عريق لا يمكن أن يقبل حكما يخضع لأوامر سفراء غربيين. ”

 

 

الثورة الاسلامية أعادت تعريف العلاقة مع الغرب على اساس العقلانية

 

 

وأشار إلى أن الثورة الإسلامية غيّرت اتجاه إيران، وأعادت تعريف علاقتها مع الغرب على أساس العقلانية والمصلحة، موضحا أن قادة الثورة، مثل الإمام الخميني (رض) والامام الخامنئي (دام ظله)، والشهداء مثل مطهري ومحسن بهشتي، وضعوا إطارا فلسفيا وعقلانيا للتعامل المتوازن مع الغرب.

 

 

وأكّد أن الثورة الإسلامية لم ترفض التعاون العلمي والتكنولوجي مع الغرب، بل رحّبت به لما له من أثر إيجابي في تقدّم المجتمع. وقال: “خلال العقود الأربعة الماضية، كان العلماء الإيرانيون على اتصال دائم مع المراكز العلمية الغربية، وهذا النهج حظي دائما بدعم قادة الثورة. ”

 

 

وأشار لاريجاني إلى أن الغرب فرض في فترات معينة قيودا على إيران حول قضايا مثل الحرب المفروضة، والملف النووي، وحقوق الإنسان، لكن الثورة الإسلامية تمكّنت بنهج مستقل وواقعي من تنظيم علاقتها مع الغرب في إطار المصالح الوطنية.

 

 

وأكّد أن إيران تمتلك اليوم طاقات علمية هائلة يمكنها أن تحل مشكلات داخلية وتدفع عجلة الإنتاج الوطني، لكنه أشار إلى أن التعاون بين النخب الأكاديمية والقطاعات التنفيذية لا يزال غير مُحقّق بالكامل، وهو ما يحدّ من الاستفادة الفعلية من هذه الطاقات.

 

 

وأضاف أن العلاقة التجارية بين إيران والغرب بعد انتصار الثورة الإسلامية كانت قوية، بل وكان الغرب في بعض المراحل الشريك التجاري الأول لإيران، موضحا أن هذه الروابط امتداد لعلاقات تجارية تاريخية قديمة.

 

 

سياسة الجمهورية الإسلامية لم تكن قطع العلاقات التجارية مع الغرب

 

 

وأوضح لاريجاني أن السياسة الرسمية للجمهورية الإسلامية لم تكن أبدا قطع العلاقات التجارية مع الغرب، بل كانت دائما مرنة ومرنة ضمن اطار المصالح الوطنية. وقال: “لهذا السبب، ورغم تعزيز العلاقات مع الدول الإسلامية والجوار، استمرت العلاقات التجارية مع الدول الغربية، رغم أن مستواها كان يتغيّر حسب الظروف السياسية والأمنية. ”

 

 

وأكد أن قادة الجمهورية الإسلامية لم يكن لديهم عداء عقائدي مع الغرب، لكن السلوك الاستعماري والتدخلات السياسية والأمنية من جانب الغرب هي التي أدّت إلى أزمات وتراجع في العلاقات. وأشار إلى النهج المزدوج للغرب بعد انتصار الثورة، موضحًا أن الغرب، بدل أن يحترم الثورة، عاد لمحاولة إثارة الفتن الداخلية والخارجية ضد إيران، ما دفع الشعب الإيراني إلى التصدي بقوة.

 

 

وصرّح لاريجاني أن الشعب الإيراني، الذي تحرر حديثا من ظلم الشاه وسعى لبناء نظام مستقل من أجل تنمية البلاد، واجه محاولات غربية تدميرية. وقال: “أمريكا وحلفاؤها ظنّوا أن بإمكانهم سرقة استقلال إيران مرة أخرى تحت شعارات ديمقراطية زائفة، لكنهم واجهوا صلابة ومقاومة الإمام الخميني (رض).”

 

 

سبب تحذيرات القيادة من الغرب هو نزعته الهيمنية

 

 

وذكر لاريجاني أن البعض داخل إيران يتساءلون: لماذا يحذّر قائد الثورة من أمريكا والغرب؟، موضحا ان السبب هو نزعة الهيمنة الغربية. وأكّد أن القيادة الإيرانية كانت دوما مؤيدة للتعامل الاقتصادي والعلمي مع الغرب والشرق، لكنها وقفت بحزم ضد محاولات أمريكا السيطرة على إيران عبر الاقتصاد، والثقافة، وفي النهاية القوة العسكرية، كما ظهر في الحرب الأخيرة.

 

 

وصرّح: “عندما حاولت أمريكا أن تستغل قوتها لاحتلال إيران، وقف القائد بصلابة، ووقف الشعب الإيراني بثبات إلى جانبه لحماية استقلال البلاد. ”

 

 

الهدف الحقيقي لأمريكا والغرب هو محاربة الشعب الإيراني

 

 

وأوضح لاريجاني أن الملف النووي لم يكن سوى ذريعة، وقال: “اليوم أصبح من الواضح أن الهدف الحقيقي لأمريكا والغرب هو محاربة الشعب الإيراني ذاته. ”

 

 

وأضاف: “فبعد الحرب الأخيرة، بدؤوا يطالبون بتقييد القدرات الصاروخية ودور إيران الإقليمي، مع أن هذه الأمور لا تعنيهم. فهل يقبلون رأي إيران في مدى الصواريخ الأوروبية أو الأسلحة النووية؟ ”

 

 

وشدّد لاريجاني على أن هناك طريقين؛ الأول: طريق الهيمنة والتفوق على الشعوب. والثاني: طريق العلاقات المتوازنة والكريمة. وقال: “إيران ليست دولة طامعة في الهيمنة، ولا تقبل الخضوع لكلام باطل. ”

 

 

وأشار لاريجاني إلى أن التبادل الثقافي مع الغرب والشرق لم يتوقف بعد الثورة الإسلامية، لكن قادة الثورة شددوا دائما على أن يكون هذا التبادل مفيدا ورافعا للمجتمع. موضحا أن الثورة الإسلامية لم تكن يوما ضد عناصر التقدّم في الثقافة الغربية، مثل سيادة القانون، والنظام، والاهتمام بالبيئة، بل كان الخلاف في مسألتين رئيسيتين؛ الأولى: عندما جعل الغرب التبادل الثقافي وسيلة للغزو الثقافي. والثانية: عندما استخدم التكنولوجيا والثقافة لفرض هيمنة فكرية وثقافية.

 

 

الغرب يسعى لغزو ثقافات الشعوب والاستيلاء على عقولهم

 

 

وأكّد أن القائد الأعلى حذّر منذ عقود من الغزو الثقافي الغربي، رغم أن البعض لم يأخذوا التحذيرات على محمل الجد آنذاك، لكن الزمن أثبت أن الغرب يسعى فعليا لاستغلال الثقافة والتكنولوجيا لفرض هيمنته الفكرية والثقافية، والتي تمهد للاستعمار السياسي والاقتصادي والأمني.

 

 

وأشار إلى أن بعض فلاسفة ما بعد الحداثة في الغرب يعترفون اليوم بأن “الحقيقة” و”الاكتشاف الموضوعي” قد استُبدلا بـ”السرديات” التي تصنعها القوة والتكنولوجيا، حتى في العلوم، تلعب القوة دورًا تحكميًّا.

 

 

وأشار إلى آراء فلاسفة ناقدين للغرب، كـ”فوكو”، الذي يعتبر الشركات متعددة الجنسيات والقوى الاقتصادية مُشكّلة للوعي المجتمعي، وأكّد أن بعض الفلاسفة الفرنسيين يرون أن الغرب عامل شعوب الشرق الأوسط ككائنات دون إنسانية.

 

 

كما استشهد بفكر “فرانز فانون”، الذي يعتبر الاستعمار ليس فقط غزوا للموارد، بل استعمارا للعقول والهويات، وكذلك “إدوارد سعيد” في كتابه “الاستشراق”، الذي بيّن كيف صنع الغرب صورة مهينة عن الشرق لتبرير هيمنته الثقافية والسياسية.

 

 

الحضارة الإيرانية–الإسلامية أرقى من حضارة الغرب

 

 

وأكّد لاريجاني أن قادة الثورة الإسلامية، إلى جانب نقد الهيمنة الثقافية الغربية، أولوا اهتماما خاصا بالتراث الثقافي الإيراني–الإسلامي الغني، الذي يتفوق في كثير من المجالات على الثقافة الغربية المعاصرة. وقال: “الغرب الذي أوصل الإنسان، حسب الفيلسوف مارتن هايدكر (Martin Heidegger)، إلى مرحلة لم يعد فيها يطرح الأسئلة الوجودية الأساسية، لا يمكن أن يُنظر إليه كقدوة. ”

 

 

وأشار إلى دور التصوف الإسلامي في ربط الشرق بالغرب، موضحا أن الشعراء الغربيين تأثروا بعمق بالعرفان الإسلامي. وذكر أن الشاعر الألماني يوهان فولفجانج فون جوته (Johann Wolfgang von Goethe)،  تأثر كثيرا بالشاعر الايراني حافظ الشيرازي، لدرجة أنه ألّف كتابه الشهير “الديوان الشرقي–الغربي” تأبينا له، واعتبره “شريكه الروحي. ”

 

 

كما أشار إلى المستشرقة الألمانية، آنا ماري شيمل(Annemarie Schimmel)، التي اعتبرت أن جلال الدين الرومي أقام جسرا بين الشرق والغرب، وأن عرفانه قادر على إعادة الروحانية إلى العالم الحديث. وأكّد لاريجاني أن مسؤولية حماية هذا الإرث الحضاري العظيم تقع على عاتق الأجيال الحالية، موضحا أن تحذيرات قائد الثورة الاسلامية من الثقافة المُستوردة تأتي من هذا المنطلق، خصوصا وأن حتى المفكرين الغربيين يعترفون اليوم بعمق الثقافة الإيرانية.

 

 

الغرب يسعى للهيمنة السياسية والأمنية

 

 

وأشار لاريجاني إلى أن جذور نزعة الهيمنة لدى الغرب تمتدّ لقرون عديدة، وأن قادة الثورة الإسلامية كانوا دائما يرفضونها، موضحا أن جوهر الثورة الإسلامية يقوم على “اقتلاع جذور الهيمنة”، وهو ما يعبّر عنه شعار “الاستقلال، الحرية، الجمهورية الإسلامية”، لأن الاستقلال شرط أساسي لوجود الحرية، ولبقاء الاقتصاد والثقافة مستقلين.

 

 

وأوضح أن في فكر الشهيد مطهري، “المجتمع يمتلك كرامة روحية مستقلة، وأن الاستقلال فطرة في روح الأمم”، لكنه أشار إلى أن العيش باستقلال في العالم المعاصر ليس سهلا، لأن الدول التي تدّعي الترويج لحقوق الإنسان والسلام هي ذاتها التي تعرقل استقلال الآخرين.

 

 

وقال: “الرئيس الأمريكي الحالي، من خلال شعاره ‘السلام عبر القوة’، يُظهر في الحقيقة عداءه لاستقلال الشعوب. إنه يحاول هدم القواعد الدولية، وجعل القوة بديلا عن القانون. هذا يعني أن أمام الدول خيارين: إما الخضوع أو الحرب؛ وهي السياسة التي مارسها الغرب لقرون، ولم يفعل ترامب سوى كشفها. ”

 

 

وأشار إلى أن نتائج هذه السياسة هي الفوضى العالمية، كالغزو الأمريكي للعراق دون تفويض من مجلس الأمن، ونفس النهج الذي تمّ تطبيقه ضد إيران. وأضاف أن الكيان الصهيوني، المدعوم من أمريكا، يكرر اليوم نفس خطاب الفوضى، لكن التاريخ يثبت أن الفوضى تعود دائمًا على مَن يصنعها، كما حدث عندما صنع الأمريكان تنظيم “داعش” الارهابي ثم وقعوا في شركه.

 

 

قوة إيران واقتدارها أوقفت المعتدين

 

 

وأشار لاريجاني إلى حرب الـ 12 يوما، موضحا أن قوة الشعب الإيراني وصلابة القوات المسلحة أجبرت الأعداء على التراجع، ودفعتهم للبحث عن إنهاء الحرب بسرعة. ثم قال: “لم يسبق أن كانت صورة أمريكا والكيان الصهيوني بهذا القُبح والكراهية لدى الرأي العام العالمي. فالأفعال الأخيرة كشفت عن طبيعتهم الاستعمارية. ”

 

 

وأكّد أن غضب الشعوب من أمريكا والغرب قد تصاعد بشكل كبير، وأنه حين يتحول المشهد الدولي إلى “غابة”، ولا يبقى مكان للمنطق، فإن الحل الوحيد هو “الوحدة والقوة الجماعية” للحفاظ على الاستقلال.

 

 

مصالح الغرب في المفاوضات هي الاستسلام، لا الحل العادل

 

 

وفي إشارة إلى النهج المخادع للولايات المتحدة في المفاوضات، بيّن لاريجاني أن هدف أمريكا من المفاوضات ليس التسوية العادلة، بل الاستسلام. متسائلا:”أليس من العار أن يفاوض المرء، في الوقت الذي يشنّ فيه الطرف الآخر الحرب؟ أليس من العار الأكبر أن يعترف رئيس أمريكا صراحة :لقد خدعتُ الشعب الإيراني؟ ”

 

 

وأكّد أن الأعداء حاولوا في الأيام الأولى من الحرب كسر إرادة الشعب عبر الضغط العسكري والإعلام المكثف، لكن كلمة قائد الثورة طمأنت الشعب ووعدهم بالنصر. مضيفا ان اليوم، يقف الشعب الإيراني في وجه الهيمنة الغربية، مستندا إلى استقلاله وإيمانه ومقاومته.

 

 

القائد كان يدير الحرب لحظة بلحظة

 

 

وقال لاريجاني:  كان قائد الثورة الاسلامية يتابع ساحة المعركة لحظة بلحظة، ويرسل التعليمات اللازمة، ولقد كان جل وقته منصبا على إدارة الحرب وتلبية احتياجات الشعب. وأضاف: الأيام الثلاثة الأولى من الحرب كانت من أكثر الأيام حسما، لكن التخطيط الدقيق من القيادة العامة للقوات المسلحة غيّر مجرى المعركة. كانت أوامر القائد مباشرة وحاسمة، وكان على اتصال مباشر مع قادة الميدان، ووضع كل تفاصيل الرد والتحركات بعناية.

 

 

وأشار لاريجاني إلى أن تخطيط قائد الثورة الاسلامية شمل جميع الأبعاد: الجبهة، الخلفية، اللوجستيات، والاهتمام الخاص بعدم تأثر حياة الشعب. وأكّد أن “اللطف الإلهي ودعم هذا الرجل الإلهي والشعب الإيراني غيّرا مجرى الحرب. ”

 

 

الشعب الإيراني أظهر هويته الحضارية للعالم

 

 

وأضاف: “كانت ساحة المعركة واسعة ومتسارعة، وكان تضامن الشعب الإيراني فيها مصدر قوة وعزّة. أحد القادة الإقليميين قال: ‘العالم فهم وحدة الشعب الإيراني’، لأن الشعب كشف عن هويته الإيرانية–الإسلامية، التي طالما حاول الغرب إخفاءها، وتمزّق ستار الدعاية الغربية. ”

 

 

وأكّد لاريجاني أن الشعب الإيراني وقف بصلابة في وجه ظلم أمريكا والصهاينة، مستلهِما عقيدته المقدسة في قول “يا علي”، مذكّرا بأن الفيلسوف جورج فيلهلم فريدريش هيغل (Georg Wilhelm Friedrich Hegel) قال ذات يوم: “التاريخ يبدأ من الشرق، وتحديدا من إيران. ”

 

 

وأضاف: “في عصر الثورة الإسلامية، أثبت الشعب الإيراني مرة أخرى أن الاستقلال والهوية الوطنية ليست شعارات، بل واقع عاشوه أمام العالم في ظل حرب غير متكافئة. ”

 

 

السياسيون يجب ألا يُضعفوا الوحدة الوطنية

 

 

وأشار لاريجاني إلى ضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية، موضحا أن توقّع الشعب من السياسيين اليوم هو أن يقدّروا هذه الإرادة الوطنية، ولا يُحدثوا شقاقا في صفوفه بتصريحات غير ضرورية أو مواقف منقسمة.

 

 

وختم قائلا: “اليوم، يتحدّث الغرب عن القوة بدل الحكمة، بينما إيران تتحدث عن الهوية الوطنية والاستقلال الحقيقي. إيران ليست دولة طامعة في الهيمنة، ولن تقدّم استقلالها قربانا لأي صفقة، حتى لو اضطرت للمواجهة. ومفتاح التغيير بيد الغرب؛ إن هو تخلّى عن نزعة الهيمنة، تبدّلت الظروف؛ وإلا، فإن تهديدات أمريكا لن تنال من إرادة الشعب الإيراني أبدا. ”

 

الشعب الإيراني يتمسك بمبادئه واستقلاله بفضل تراث تاريخي عريق

وعلى هامش المؤتمر، وخلال دردشة للصحفيين، أكد أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني، علي لاريجاني،على صمود الشعب الإيراني وقدرته على مواجهة الضغوط الغربية، قائلا:”أنتم تعلمون أن إيران قد لا تكون متكافئة مع الغرب من حيث العدد والعدّة، لكن الشعب الإيراني قويّ، مقتدر، ثابت. هذا الشعب يقف اليوم بصلابة على مبادئه، واستقلاله، وقيمه، بفضل تراث تاريخي عريق.”

 

 

وصرّح لاريجاني : “لا ينبغي لأحد أن يخاطب الشعب الإيراني بلغة القوة. اللغة المناسبة للحوار مع إيران هي لغة الفكر والتأمل.”

 

 

وردا على سؤال حول ادعاءات الرئيس الامريكي الأخيرة بشأن ضعف إيران واستعدادها للاستسلام، قال لاريجاني:”الروايات التي يطرحها ترامب في هذه الأيام غير واقعية. صحيح أن الظروف الاقتصادية للمواطنين تغيّرت، لكن الشعب الإيراني يدرك جيدا أننا سلكنا جميع السبل الدبلوماسية الممكنة لحل المشكلات.”

 

 

وتابع لاريجاني: “حتى بعد الحرب، أجرينا محادثات مع أوروبا والغرب لحل القضايا العالقة، لكنهم أصروا على تنفيذ برامج مثل “سناب باك”، واعتبروها ذات أهمية كبرى. يجب أن نتجاوز هذه الاختبارات أيضا لنُريهم أن أهدافهم لن تتحقق من هذا الطريق.”

 

 

وفيما يخص تهديدات  الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، قال لاريجاني: “لا حاجة للرد عليها. نحن لا نعيش على أساس التهديدات، بل نعيش وفقا للواقع.”

 

 

وأشار أمين المجلس الاعلى للامن القومي الإيراني الى دور الشعب في الصمود والثبات،معتبر أن الوحدة والابتعاد عن الخلافات مسألة محورية لإيران، موضحا أن الشعب الايراني وقف بعزم راسخ أمام الضغوط، وأذهل العدو خلال حرب الـ12، مضيفا انه من واجب السياسيين والمسؤولين إدراك قيمة هذه الإرادة العظيمة، وألا يتمسكوا بمسائل صغيرة أو يضخموها.”

 

 

وشدّد لاريجاني على :”أن وجود الخلافات في الرأي أمر طبيعي في النظام الديمقراطي، لكن يجب تقييم هل الآن وقت إبراز الخلافات أم وقت السعي نحو التوافق والوحدة؟ إن العدو دائما يسعى إلى إثارة الفتنة بيننا، وعلينا أن نتصدى لهذه المخطّطات.”

 

 

وبخصوص بعض التكهّنات حول إرسال إيران رسالة من أجل رفع العقوبات، أوضح لاريجاني:”الولايات المتحدة تدّعي أن رسالة وصلتهم من إيران، لكن هذا غير صحيح. ومع ذلك، من الواضح أن إيران كانت دائما تطالب برفع العقوبات، ولا يوجد في البلاد من يدعم العقوبات. هدف جميع الجهود الدبلوماسية الإيرانية هو رفع العقوبات وتخفيف الضغوط، لكن لم تُرسَل أي رسالة جديدة في هذا الشأن.”

 

 

واختتم لاريجاني تصريحاته قائلا:”لقد جرت سابقا مفاوضات، منها ما تمّ على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، لكن الطرف الغربي رفض الالتزام بتعهداته. ومع ذلك، فإن إيران تواصل مسيرتها بعزةٍ واستقلال.”

 

 

المصدر: ارنا