أداء الشركات المعرفية في التنمية الوطنية للبلاد

دور الاقتصاد القائم على المعرفة في التنمية المستدامة لإيران

أداء الشركات المعرفية يظهر أن إيران تمتلك إمكانات هائلة للتحول إلى قوة تكنولوجية عالمية

دعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وفي مجال سعيها نحو الاستقلال الاقتصادي والتقني، تطوير الشركات المعرفية (ذات الطابع العلمي والتكنولوجي) باعتبارها المحرك الرئيسي لمسيرة الثورة الإسلامية في عقدها الرابع.

 

 

وقد تأسست هذه الشركات على الابتكار والبحث والتطوير (R&D) وتحويل النتائج العلمية إلى منتجات وخدمات قابلة للعرض في الأسواق، لتؤدي دورًا حيويًا في الانتقال من الاقتصاد القائم على الموارد الخام (كالنفط والغاز) نحو اقتصاد يستند إلى المعرفة.

 

 

إن الاقتصاد القائم على المعرفة لا يعزز فقط قدرة البلاد على الصمود أمام تقلبات أسعار الطاقة العالمية، بل يُعدّ المحرك الأساسي لخلق قيمة مضافة عالية وتوفير وظائف تخصصية لجيل جديد من القوى العاملة المبدعة.

 

 

يهدف هذا التقرير إلى تقديم تحليل شامل لأداء هذا النشاط في مختلف المجالات العلمية والتكنولوجية التي أثرت بشكل مباشر على التنمية الوطنية والأمن الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.

 

 

إن التركيز على هذه الشركات يمثل تحولاً نموذجياً من الاعتماد على بيع المواد الخام إلى الاستثمار في «رأس المال البشري» و«رأس المال الفكري» باعتبارهما ميزة تنافسية مستدامة، ويُظهر مدى نجاح إيران في تطبيق نماذج التنمية القائمة على الابتكار.

 

 

* الدور المحوري في الاكتفاء الذاتي وأمن الرعاية الصحية

 

 

 

 

تُعد الصناعة الصحية واحدة من أكثر المجالات حساسية وحيوية، حيث يمكن أن يؤدي الاعتماد الخارجي فيها إلى تعريض الأمن القومي للخطر، ونظراً للحظر الجائر الذي أعاق الوصول إلى الأدوية الحيوية والمعدات الطبية المعقدة، سرعان ما أصبحت الشركات القائمة على المعرفة (المعرفية) العمود الفقري لتأمين الرعاية الصحية للبلاد.

 

1- صناعة الأدوية المتقدمة

 

 

إن الانتقال من إنتاج الأدوية الكيميائية البسيطة إلى الأدوية البيوتكنولوجية المعقدة يدل على النضج العلمي لهذا القطاع، ويستند هذا الإنجاز على محور البحث والتطوير العميق في مجالات البيولوجيا الجزيئية والهندسة الوراثية.

 

الف) إنتاج المستحضرات الصيدلانية البيولوجية واللقاحات من الجيل الجديد

 

 

لقد تمكنت الشركات الإيرانية من العمل في مجالات كانت سابقاً حكراً كاملاً على الشركات الكبرى متعددة الجنسيات. ويشمل ذلك:

 

 

 الأجسام المضادة أحادية النسيلة (mAbs) إن إنتاج هذه الأدوية، التي تعتبر حيوية لعلاج السرطان وأمراض المناعة الذاتية والاضطرابات الالتهابية، يتطلب معرفة عميقة في هندسة البروتينات وعمليات زراعة الخلايا المعقدة، لقد نجحت هذه الشركات في توطين مسارات الهندسة الوراثية للمضيف وعمليات التنقية.

 

 

اللقاحات المؤتلفة (النوترکیب)خلال جائحة كوفيد-19، لم تكتفِ هذه الشركات بتأمين اللقاح المحلي المطلوب بالاعتماد على منصات الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA) والفيروسات الناقلة (Vector) والبروتين المؤتلف، بل عرضت أيضاً قدراتها في التصميم السريع للقاحات الجيل القادم (مثل لقاحات السرطان).

 

 

ب) العلاجات الخلوية والجينومية:

 

 

أحد أكثر المجالات تقدماً هو تطوير أساليب علاجية تعتمد على الخلايا الجذعية والعلاج الجيني، وتعمل هذه الشركات على تطوير بروتوكولات علاجية لأمراض مثل الثلاسيميا وفقر الدم الوراثي وبعض سرطانات الدم، ويتطلب هذا المجال الامتثال لأدق معايير ممارسات التصنيع الجيدة (GMP) ودقة عالية في تتبع الخلايا.

 

 

۲. تصنيع الأجهزة الطبية والمختبرية المتقدمة

 

 

إن منع استيراد المعدات الباهظة الثمن والمعقدة كان له تأثير مباشر على خفض تكاليف العلاج وزيادة الوصول إلى الخدمات التشخيصية.

 

 

الف) أجهزة التصوير والتشخيص:تستثمر الشركات القائمة على المعرفة (الشركات المعرفية) في تقليل الاعتماد على استيراد معدات التصوير مثل التصوير المقطعي المحوسب (CT) والتصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) وعلى الرغم من أن التصنيع الكامل لهذه الأنظمة يستغرق وقتاً طويلاً، إلا أن الإنجازات الأولية تشمل:تطوير برمجيات معالجة الصور وإعادة البناء ثلاثي الأبعاد باستخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحسين الوضوح وتقليل جرعة الإشعاع.

 

 

ب) أجهزة التنفس الاصطناعي الذكية والمعدات الحيوية:مثال ناجح آخر هو تصميم وتصنيع متكامل لأجهزة التنفس الاصطناعي المتقدمة التي تتمتع بالقدرة على تعديل معلمات التنفس بناءً على فسيولوجيا المريض، وهذا الإنجاز ليس ضرورياً فقط في حالات الطوارئ، بل للاستخدام الروتيني في وحدات العناية المركزة (ICU).

 

 

ج) الأنظمة المخبرية (التشخيص المخبري في الجسم الحي (IVD):في مجال التشخيص المخبري في الجسم الحي (In Vitro Diagnostics – IVD)، نجحت الشركات في إنتاج مجموعات (Kits) التشخيص الجزيئي والمقايسات المناعية ذات الحساسية والنوعية العالية، والتي حلت محل المنتجات الأجنبية.

 

 

تطوير البنية التحتية الفضائية والاتصالات (الأقمار الصناعية والتقنيات ذات الصلة)

 

 

يُعد قطاع الفضاء، نظرًا لطبيعته الاستراتيجية ومتعدد التخصصات (الإلكترونيات، المواد، الميكانيكا الدقيقة، الاتصالات)، رمزًا للقدرات التكنولوجية للبلاد.

 

 

لقد عززت الشركات القائمة على المعرفة في هذا القطاع سلسلة توريد بالغة الأهمية.

 

 

١. تصميم وتصنيع الأنظمة الفرعية للأقمار الصناعية

 

 

يتطلب تطوير الأقمار الصناعية المحلية خبرة في مجالات تتسم بمتطلبات صارمة للغاية من حيث الدقة والموثوقية.

 

 

الف) المكونات التحكمية والملاحية: في مجال أنظمة التحكم في الموقف والمدار (ADCS) وتطوير وحدات القياس بالقصور الذاتي (IMU)، وأجهزة الاستشعار الشمسية الدقيقة، وعجلات رد الفعل (Reaction Wheels) للحفاظ على استقرار القمر الصناعي وتوجيهه.

 

 

في مجال أنظمة الملاحة وتحديد المواقع: توطين المستشعرات اللازمة لتحديد موقع القمر الصناعي بدقة في المدار، بدقة تصل إلى بضعة أمتار.

 

 

ب) الأنظمة الفرعية البصرية والاتصالاتية:في مجال مستشعرات بصرية عالية الدقة: تصنيع كاميرات وتلسكوبات فضائية ذات دقة مكانية مناسبة للاستشعار عن بعد، ويشمل ذلك تصميم العدسات، والطلاءات المضادة للانعكاس، وتغليفها الحراري.

 

 

في مجال تعديل ونقل البيانات: تطوير أجهزة إرسال واستقبال مقاومة للإشعاع الفضائي (Radiation Hardened) وبقدرات عالية لنقل البيانات لإرسال المعلومات المجمعة إلى المحطات الأرضية.

 

 

٢. الخدمات القائمة على الفضاء والتطبيقات الاستراتيجية

 

 

لا يقتصر التكنولوجيا الفضائية على بناء الأجهزة فحسب، بل تكمن القيمة الاقتصادية الأساسية في معالجة البيانات التي تم جمعها.

 

 

في مجال الاستشعار عن بعد والبيئة: طورت الشركات برامج تعالج الصور الملتقطة من الأقمار الصناعية لمراقبة الموارد المائية، والجفاف، والتغيرات في استخدام الأراضي، وتحديد المناطق الملوثة، ويساعد هذا المؤسسات الحكومية في اتخاذ قرارات قائمة على الأدلة.

 

 

في مجال الرسم الخرائطي الدقيق والجيومسح (Geomatics): تقديم خدمات رسم خرائط ثلاثية الأبعاد (3D) عالية الدقة للمشاريع الإنشائية الكبرى، خاصة في المناطق الوعرة، والتي كانت تتطلب في السابق تكاليف خارجية باهظة.

 

 

 توطين المعدات والآلات الثقيلة في الصناعات الأم (الأساسية)

 

 

تشكل صناعات النفط والغاز والبتروكيماويات والصلب والتعدين العمود الفقري لاقتصاد إيران، حيث نرى اليوم الشركات القائمة على المعرفة إلى استثمار كبير في الهندسة العكسية والتطوير المحلي بهذا المجال.

 

 

١. صناعات النفط والغاز والبتروكيماويات

 

 

يؤثر التوطين في هذا المجال بشكل مباشر على خفض تكاليف التشغيل (OPEX) وتكاليف رأس المال (CAPEX) لمشاريع الطاقة.

 

 

الف) المعدات الدوارة والضخ:في مجال التوربينات الغازية: تطوير معرفة تصميم وتصنيع المكونات الرئيسية للتوربينات، وخاصة الشفرات وغرفة الاحتراق، التي تتمتع بمقاومة ضد درجات الحرارة والإجهادات العالية، وقد تحقق هذا التقدم باستخدام محاكاة ديناميكيات الموائع الحسابية (CFD).

 

 

في مجال المضخات والضواغط المتخصصة: توطين تصنيع الضواغط المطلوبة في وحدات المعالجة للبتروكيماويات، وكذلك مضخات حقن ونقل السوائل ذات اللزوجة العالية.

 

 

ب) خدمات الآبار والبرمجيات الخاصة بالمكامن:في مجال أدوات الحفر الذكية: تصنيع أدوات قياس أثناء الحفر (MWD) وأدوات التسجيل السلكي (Wireline Logging) التي تتيح جمع بيانات جيوفيزيائية دقيقة أثناء عمليات الحفر.

 

 

في مجال محاكاة المكامن: تطوير برمجيات محلية (بومیة) لنمذجة سلوك تدفق الموائع في مكامن النفط والغاز، مما يتيح تحسين طرق الاستخلاص المعزز (EOR).

 

 

٢. صناعات البناء والإنتاج الحديثة (التصنيع بالإضافة – Additive Manufacturing)

 

 

أحدثت تقنية التصنيع بالإضافة (الطباعة ثلاثية الأبعاد الصناعية) ثورة في إنتاج المكونات المعقدة بوزن أقل وقوة أعلى.

 

 

الف) الطباعة ثلاثية الأبعاد للمعادن (SLM/DED):تمكنت الشركات القائمة على المعرفة (الشركات المعرفية) من تطوير طابعات ثلاثية الأبعاد معدنية تعتمد على الليزر الذوبان الانتقائي بالليزر – SLM) أو تقنية الترسيب المباشر للطاقة (DED)، وذلك لتطبيقات حرجة.

 

 

في مجال التطبيقات في مجال الطيران: إنتاج مكونات توربينات الطائرات وفوهات الدفع التي تتطلب أشكالًا هندسية داخلية معقدة (مثل قنوات التبريد الداخلية) ولا يمكن تصنيعها بالطرق التقليدية.

 

 

في مجال هندسة المواد: تطوير علم المعادن المساحيق والتحكم الدقيق في معايير اللحام بالليزر لضمان البنية المجهرية المطلوبة في السبائك المتقدمة (مثل سبائك الإنكونيل).

 

 

تطوير البرمجيات والخدمات الرقمية (تكنولوجيا المعلومات والاتصالات :

 

 

البنى التحتية الرقمية هي الشريان الحيوي لاقتصاد القرن الحادي والعشرين، لقد لعبت الشركات العاملة في مجال البرمجيات وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات دورًا محوريًا في زيادة الإنتاجية الكلية وضمان أمن المعلومات الوطني.

 

 

١. الأمن السيبراني والبرمجيات المؤسسية

 

 

في عصر يمكن فيه للهجمات السيبرانية أن تعطل البنى التحتية الحيوية، يعد توطين الحلول الدفاعية أمرًا لا مفر منه.

 

 

الف) الحلول الأمنية المتقدمة:في مجال أنظمة كشف التسلل ومنعها (IDS/IPS): تطوير محركات تحليل حركة مرور الشبكة بالاعتماد على التعلم الآلي للكشف عن أنماط هجمات اليوم-صفر (Zero-day attacks) التي لا تستطيع الحلول القياسية الدولية تحديدها.

 

 

في مجال إدارة الوصول الذكية (IAM): توطين حلول المصادقة متعددة العوامل (MFA) وإدارة الوصول القائم على الأدوار (RBAC) في المنظمات الحساسة.

 

 

ب) تطوير منصات الحوسبة السحابية والمؤسسية (ERP/CRM):لقد تمكنت الشركات المحلية من تصميم أنظمة تخطيط موارد المؤسسة (ERP) وإدارة علاقات العملاء (CRM) بهياكل تسمح لها بالتكيف بسهولة مع القوانين المحلية والهيكل الإداري لإيران، وقد أدى هذا إلى القضاء على التبعية المؤسسية للتراخيص الأجنبية الباهظة الثمن.

 

 

۲. التقنيات الناشئة: الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة

 

 

الاستثمار في تقنيات الجيل القادم يوفر أرضية للتنافسية طويلة الأمد.

 

 

الف) الذكاء الاصطناعي (AI) والتعلم العميق (Deep Learning):

 

 

في مجال معالجة اللغة الطبيعية (NLP) للغة الفارسية: تطوير نماذج لغوية ضخمة (LLMs) وأدوات تحليل نصية قادرة على فهم تعقيدات اللغة الفارسية، اللهجات، والنصوص القانونية والفنية المتخصصة.
في مجال الرؤية الحاسوبية: تطبيق خوارزميات كشف العيوب في خطوط الإنتاج الصناعي (المراقبة الآلية للجودة) وأنظمة المراقبة الذكية للمدن.

 

 

ب) الإنترنت الصناعي للأشياء (IIoT):تطوير منصات IIoT لجمع وتوحيد وتحليل البيانات من آلاف الحساسات في البيئات الصناعية (مثل المصانع أو شبكات توزيع الكهرباء)، توفر هذه المنصة للمديرين إمكانية مراقبة حالة المعدات بشكل لحظي وتنبؤي (الصيانة التنبؤية).

 

 

آفاق المستقبل:

 

 

بالنظر إلى الدعم القانوني (مثل قانون نهضة الإنتاج المعرفي) والعزم الوطني على «الإنتاج المعرفي وخلق فرص العمل»، من المتوقع أن تتمكن هذه الشركات في أفق السنوات الخمس إلى العشر القادمة، ليس فقط من الاكتفاء الذاتي الكامل، بل أيضاً التحول إلى لاعبين إقليميين وعالميين مهمين من خلال التركيز على المزايا التنافسية الإقليمية في مجالات مثل هندسة البرمجيات، الزراعة الدقيقة والطاقة المتجددة، وتطوير البنى التحتية للبحث والتطوير المشترك مع الجامعات سيكون مفتاح النجاح في هذا المسار.

 

 

أداء الشركات المعرفية يظهر أن إيران تمتلك إمكانات هائلة للتحول إلى قوة تكنولوجية عالمية،وهذه الشركات بالاعتماد على الكوادر البشرية المتخصصة، تصدرت مواجهة القيود وتوجيه البلاد نحو التنمية المستدامة،من توفير الأدوية المنقذة للحياة إلى تصنيع الأجزاء الفضائية المعقدة، وانعكست إنجازات هذا المجال بشكل مباشر على تحسين مؤشرات الأمن الاقتصادي والصحة والقدرات الاستراتيجية الوطنية.

 

 

إن أي استثمار هادف في تسهيل عمليات البحث والتطوير، وتحرير اللوائح في طريق تسويق الابتكارات، ودعم وجودها الفعال في الأسواق التصديرية، سيضمن تحقيق كامل للأهداف التنموية للبلاد ويكفل استقلالية التكنولوجيا الإيرانية في العقود القادمة.

 

 

هذا النظام البيئي هو أكثر من مجرد قطاع اقتصادي، بل هو استراتيجية وطنية لمواجهة تحديات المستقبل.

 

 

 

المصدر: الوفاق