يُعد العلامة آية الله العظمى السيد محمد حسين الطباطبائي من أبرز مفكري الإسلام المعاصر، وقد ترك إرثاً فكرياً واسعاً يجمع بين العقل والدين، ويؤسس لحوار عالمي حول الإسلام والفكر الإنساني. في البعد التفسيري، قدّم تفسيره الشهير الميزان الذي اعتمد فيه تفسير القرآن بالقرآن، وطرح نظريات مثل وحدة موضوع السور ونقد الروايات الصهيونية. أما في الفلسفة، فقد أعاد إحياء الدرس الفلسفي في الحوزة، وألّف كتباً حديثة مثل أصول الفلسفة والمنهج الواقعي، وطرح نظريات خاصة في الفلسفة الإسلامية.
يصادف غداً السبت 15 نوفمبر ذكرى تكريم العالم الراحل الفذ والعرفاني الكامل الذي أهدى عمره البالغ 79 عاماً لخدمة المعارف الدينية ونشرها في المجتمع الإنساني، ورحل عن الدنيا خفيف الروح محمّلاً بكنز ثمين هو تفسير الميزان.
العلامة آية الله العظمى سيد محمد حسين الطباطبائي، هو فقيه وفيلسوف ومفسر شيعي إيراني، وصاحب تفسير الميزان. تبرز أهميته في إحياء الحكمة والفلسفة والتفسير بعد العصر الصفوي، حيث لم يقتصر على شرح الحكمة الصدرائية، بل أسس لمعرفية جديدة في هذا المذهب. كما نشر كتباً عديدة وربّى تلامذة بارزين، وأعطى الفكر الديني حياة جديدة في مواجهة التيارات الغربية مثل الماركسية، وسعى إلى نشره في الغرب أيضاً.
وقد أُدرج اسمه في قائمة اليونسكو العالمية للذكرى (2026 – 2027) بناءً على اقتراح اللجنة الوطنية لليونسكو في إيران، ليُعاد تسليط الضوء على أحد أعمدة الفكر الديني والفلسفي في إيران المعاصرة؛ المفكر الذي آمن بتوافق العقل والدين وظل في قلب الحوارات الفلسفية والكلامية وحوار الأديان.
في الأخلاق والعرفان، كان من أبرز تلامذة آية الله السيد علي القاضي، ودرّس نصوصاً عرفانية عميقة، مؤكداً على التربية القرآنية القائمة على التوحيد. كما امتلك بعداً فقهياً وأصولياً، حيث درس على كبار فقهاء النجف ودرّس الفقه والأصول في قم، وله مؤلفات في هذا المجال. في الحديث، اهتم بكتب مثل بحار الأنوار ووسائل الشيعة، وصحّح نسخها، وألّف كتاب سنن النبي(ص).
إلى جانب ذلك، برزت مواهبه في الرياضيات والفلك والهندسة، فضلاً عن ذوقه الأدبي والفني في الشعر والخط والرسم. لم يغفل عن قضايا العصر، فشارك في جلسات فكرية بطهران مع شخصيات بارزة، مقدّماً صورة عقلانية وفطرية عن الإسلام تدعو إلى الحوار والتسامح. إرثه الفكري اليوم يُعد رصيداً إنسانياً عالمياً، ورسالة لإحياء إنسانية الإنسان المعاصر.
يرى الباحث القرآني آية الله سيد محمد علي أيازي أن هذا الاختيار فرصة لإعادة التعريف العالمي بإرث العلامة آية الله العظمى الطباطبائي الفكري والفلسفي، إذ إن أفكاره تتجاوز الإطار المذهبي أو المحلي، وتحمل رسائل عالمية انعكست في كتبه مثل تفسير الميزان، أصول الفلسفة والمنهج الواقعي، الشيعة في الإسلام، والقرآن في الإسلام.
ويقول: العلامة آية الله العظمى الطباطبائي كان موسوعة علمية متكاملة، ألّف نحو 63 كتاباً في الفقه والأصول، الفلسفة، التفسير، الرياضيات، الهندسة، الأدب، والفنون. وقد عُرف بعمق في الأخلاق والعرفان، وبتدقيقه في الروايات، وتصحيح نسخ كتب الحديث، وتأليف كتاب سنن النبي(ص). كما كان له إسهام في الرياضيات والفلك، فضلاً عن ذوق أدبي وفني بارز.
إن إدراج اسمه في قائمة اليونسكو يمثل فرصة فريدة لتعريف العالم بهذا الحكيم الفذ، ليس فقط كرمز ثقافي لإيران، بل كإجابة فكرية على أسئلة الإنسان المعاصر، ورسالة لإحياء إنسانية الإنسان في زمننا الراهن.