الثقافة تتجدد بالعطاء والوقف في أسبوع الكتاب

لنقرأ من أجل إيران.. شعار يوحّد المجتمع حول المعرفة

الوفاق: يتجلى أسبوع الكتاب في إيران كحدث وطني جامع يرسّخ مكانة القراءة ويؤكد أن الكتاب ليس مجرد صفحات مطبوعة، بل هو روح الأمة وذاكرة حضارتها، وجسرها نحو المستقبل.

الكتاب وسيلة تحفظ المعرفة البشرية من الضياع وتنقلها إلى الأجيال القادمة. إن الكتاب ثمرة التجارب الإنسانية، والإبداعات الذهنية، والتعلم الطويل الأمد للإنسان. ودور الكتاب في نقل المعارف أحياناً يفوق بكثير دور الأدوات التعليمية الأخرى.

تم تحديد يوم 15 نوفمبر كيوم للكتاب والقراءة في عام 1993 م، والذي يُعد أحد أيام أسبوع الكتاب، الذي خلاله تُقام في المدارس والمساجد والجامعات ومحافظات البلاد معارض واحتفالات للكتاب، بالإضافة إلى خطابات حول موضوع الطباعة والنشر.

تُقام فعاليات أسبوع الكتاب هذا العام تحت شعار «لنقرأ من أجل إيران»، من 15 حتى 21 نوفمبر، لتؤكد على أهمية القراءة كقيمة وطنية جامعة، وبالتزامن مع بداية الأسبوع الثالث والثلاثين لكتاب الجمهورية الإسلامية الإيرانية، يُقام احتفال يوم «الكتاب، والقراءة، وأمين المكتبة» وتقديم الفائزين في الدورة الأولى لـ «القراءة المشتركة؛ وسام المكتبة العامة الإيرانية» في قاعة وحدت بطهران، اليوم السبت 15 نوفمبر، فبهذه المناسبة نقدّم نبذة عن بعض النشاطات التي تقام في إيران.

 وقفٌ ثقافي يخلّد المعرفة

شهدت مدينة رشت افتتاح مكتبة الدكتور سيد حسين ميرمجلسي، الطبيب الإيراني المتخصص في أمراض الجهاز الهضمي والكبد، والتي تضم أكثر من ثلاثين ألف مجلد متنوع في مجالات الثقافة والحضارة الإيرانية والإسلامية والعالمية، الأدب، الفلسفة، التاريخ، الجغرافيا، التفاسير القرآنية والمجلات العلمية والأدبية. هذا الوقف الثقافي الكبير اعتُبر حدثاً بارزاً في المشهد الثقافي الإيراني، حيث أهدى ميرمجلسي ثمرة سبعين عاماً من شغفه بالقراءة وجمع الكتب إلى مسقط رأسه جيلان. أقيمت المراسم بحضور جمع من المفاخر والباحثين والمفكرين مثل الأستاذ شفيعي كدكني وهادي حق‌شناس محافظ جيلان، ومحبّي الأدب والثقافة.

وجّه وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي سيد عباس صالحي رسالة قُرئت في المراسم، أُشيد بهذه المبادرة باعتبارها صورة حيّة من الإيمان ببقاء المعرفة، مؤكداً أن الثقافة لا تبقى بالكلام بل بالعطاء، وأن ميرمجلسي جسّد الثقافة بالفعل لا بالقول. وجاء في رسالة الوزير للدكتور ميرمجلسي: “إنّك من الوجوه اللامعة في إيران العزيزة، الذين جسّدوا الثقافة لا في القول بل في الفعل، قد أفنيت عمرك في سبيل العلم والبحث والخدمة الثقافية، واليوم بوقف آلاف المجلدات النفيسة قد وضعت أمامنا صورة حيّة من الإيمان ببقاء المعرفة؛ إنّ هذه الخطوة القيّمة تذكّرنا بأنّ التراث الثقافي ليس في الأبنية والآثار فحسب، بل في سلوك البشر الذين يؤمنون بأنّ المعرفة حين تصل إلى الآخرين تصبح خالدة.

إنّ مستقبل هذه الأرض الطاهرة سيبنيه الشباب، لكن نور هذا الطريق من إشعاع كبار أمثالك الذين أبقوا شعلة الثقافة مضاءة بأيديهم وقلوبهم؛ وبصفتي أحد خدّام مجال الثقافة، أسأل الله تعالى للأستاذ الجليل الصحة وطول العمر المبارك”.

كما ثمّن محافظ جيلان هادي حق‌شناس هذه الخطوة، واعتبرها نموذجاً يحتذى به في نشر ثقافة الكتاب والقراءة، فيما وصف أحمد مسجدجامعي، نائب رئیس مرکز دائرة المعارف الإسلامیة الکبری، إهداء الكتب بأنه تقليد ثقافي ووقف باقٍ. وأكد نصرالله بورجوادي أن ميرمجلسي يواصل تقليد الأطباء الحكماء مثل ابن سينا، جامعاً بين طب الجسد والروح.

من جهتها، مؤسسة المكتبات العامة في البلاد قدّمت لوحة تقدير لميرمجلسي، مشيرة إلى أن هذه المبادرة جعلت شعلة المعرفة أكثر إشراقاً للأجيال الحاضرة والمستقبلية.

 حملات قراءة في المساجد لإحياء ثقافة الكتاب

وأعلنت هيئة تنسيق المراكز الثقافية والفنية لمساجد البلاد عن إطلاق حملات قراءة واسعة النطاق لـ 11 كتاباً نالت تقريظاً من قائد الثورة الإسلامية. وأوضح حميد نيلي، معاون الشؤون الثقافية والفنية في الهيئة، أن هذه الحملات ستُنفذ في مراكز المساجد، وتشمل كتباً بارزة مثل: الفرصة الأخيرة، اسمك مصطفى، محطة شارع روزفلت، عشرون عاماً وثلاثة أيام، باسياد ابن التراب، جاء الخريف، روح الله، مجيد بربري، المعبد تحت الأرض، أشعر بك، وجندي اليوم التاسع.

وأشار نيلي إلى أن الهيئة تعتزم إنتاج محتوى ثقافي متنوع مستلهم من هذه الأعمال، يشمل البودكاست، الأناشيد، الرسوم، الأشعار، المسرحيات، الخط واللوحات الفنية. كما ستُنفذ عروض مسرحية قصيرة في المساجد وفق شروط محددة: عدد محدود من الممثلين، تكلفة منخفضة، دون ديكور، أحادية الجنس، ومدة لا تتجاوز 20 دقيقة. وقد أُطلق نداء لإنتاج نصوص مسرحية حول كتاب جندي اليوم التاسع، حيث سُجل أكثر من 20 عملاً على منصة «أبناء المسجد»، وسيتم اختيار ثلاثة منها لتحويلها إلى نصوص مطبوعة وتكريم أصحابها.

كما أشار نيلي إلى الحملة الوطنية «نذر ثقافي» لإهداء الكتب إلى مكتبات المساجد، إضافة إلى تسجيل حلقات قراءة تهدف إلى تعزيز ثقافة الكتاب والقراءة بين الأطفال والناشئة، وتحويل القراءة إلى عادة حميدة عبر أنشطة مثل القراءة الجماعية، تبادل الكتب، المناقشات، التلخيص، النقد والمسابقات.

وتتضمن الفعاليات أيضاً استمرار مبادرة «أيام السبت مع الكتاب في المساجد»، تنظيم معارض كتب محلية، تكريم أمناء المكتبات والمتبرعين والكتّاب، إلى جانب أنشطة فنية مثل المسرح والخط والرسم. كما تشمل البرامج لقاءات ثقافية، تدشين مؤلفات جديدة، وزيارات رمزية لمقابر الشهداء، لتأكيد دور المساجد كمراكز إشعاع ثقافي واجتماعي.

 إزاحة الستار عن أحدث تقريظات قائد الثورة

أكدت الأمينة العامة لمؤسسة المكتبات العامة، آزاده نظربلند، أن المؤسسة تدخل عقدها الثالث برؤية جديدة تقوم على تنويع الخدمات وتوسيع نطاق الوصول الثقافي والاجتماعي، مشيرة إلى أن المكتبات تحولت إلى مراكز للتعلم مدى الحياة والحوار والإبداع، فيما يُعرف بـ “الجيل الرابع من المكتبات”. وأوضحت أن الشبكة تضم 4229 نقطة خدمة وأكثر من مليونين ونصف عضو نشط، مع برامج خاصة للفئات ذات الاحتياجات الخاصة. من جانبه أعلن معاون تطوير المكتبات سيامك محبوب عن افتتاح 26 مكتبة جديدة وتنظيم 17 ألف برنامج ثقافي خلال أسبوع الكتاب، إضافة إلى تكريم أمناء المكتبات وإزاحة الستار عن ثلاثة كتب جديدة بتقريظ قائد الثورة الإسلامية هي: السيدات، رفيق النار، والحمى التي لا تنتهي.

مبادرات لتعزيز القراءة في أسبوع الكتاب

ومن جهتها أعلنت مؤسسة بيت الكتاب والأدب الإيراني عن تنظيم فعالية «إهداء الكتب» ضمن الحملة الوطنية الثقافية «نذر الكتب»، التي تهدف إلى تعزيز ثقافة القراءة وتوسيع الوصول العام إلى الكتب عبر إهدائها لمكتبات المراكز الثقافية والفنية التابعة للمساجد. ويشارك في هذه المبادرة المحسنون والناشرون والمؤسسات والجهات التنفيذية وأعضاء المراكز وعامة الناس، لتشجيع الأنشطة الثقافية والترويجية على مستوى البلاد.

كما كشفت المؤسسة عن مشروع «قراءة الكتاب للمارّة»، الذي يُقام لأول مرة في شارع «إنقلاب إسلامي» بطهران، بين ساحة «إنقلاب» ومفترق طرق وليعصر(عج)، ليكون محوراً رئيسياً لفعاليات أسبوع الكتاب. وأوضح مظاهر بابايي، معاون قسم الكتاب والثقافة في المؤسسة، أن الهدف من هذه المبادرة هو خلق أجواء احتفالية مفتوحة ومبهجة، وجسر ثقافي يربط الناس بالكتاب.

ويتضمن «قراءة الكتاب للمارّة» برامج متنوعة مثل تدشين الكتب، تنظيم ندوات ثقافية، عروض فنية كالمسرحيات الشارعية والموسيقى، معارض موضوعية، لقاءات مع الكتّاب، مسابقات وتحديات للقراءة، إضافة إلى حملات عبر وسائل التواصل الإجتماعي.

 ترسيخ مكانة القراءة

بهذه الفعاليات المتنوعة، من الوقف الثقافي في مدينة رشت إلى حملات القراءة في المساجد، ومن تكريم أمناء المكتبات إلى مشروع «قراءة الكتاب للمارّة» في طهران، يتجلى أسبوع الكتاب في إيران كحدث وطني جامع يرسّخ مكانة القراءة ويؤكد أن الكتاب ليس مجرد صفحات مطبوعة، بل هو روح الأمة وذاكرة حضارتها، وجسرها نحو المستقبل.

المصدر: الوفاق