أستاذ الحكمة العملية في مؤسسة الحكمة والفلسفة الإيرانية للوفاق:

«الأمل والمعنى» رسالة الفلسفة الإسلامية للعالم

خاص الوفاق: حجة الإسلام خياط زاده: الفلسفة الإسلامية تغيّر نظرة الإنسان إلى التوحيد، تكثّر العالم، المعاد، وسائر المبادئ الأساسية للحياة الإنسانية، وتبني إنساناً جديداً.

موناسادات خواسته

 

الفلسفة هي مرآة العقل الإنساني، وبوابة العبور إلى عوالم المعنى والوجود. منذ فجر التاريخ، شكّلت الفلسفة الإيرانية أحد الأعمدة الراسخة في بناء الفكر العالمي، حيث إمتزجت الحكمة القديمة مع الفلسفة اليونانية، ثم تفاعلت مع الفلسفة الإسلامية لتنتج مدارس أصيلة أثرت في الشرق والغرب على حد سواء. لقد كان للفلاسفة الإيرانيين دور محوري في حفظ التراث العقلي ونقله، وفي الوقت نفسه ابتكار رؤى جديدة حول الإنسان والكون، مما جعلهم حلقة وصل بين الحضارات ومصدر إلهام للأجيال.

 

 

من الفارابي وابن سينا، اللذين أسّسا قواعد للفكر السياسي والطب والفلسفة على المستوى العالمي، إلى السهروردي الذي أطلق مدرسة الإشراق، وصولاً إلى ملا صدرا مؤسس الحكمة المتعالية، والفيلسوف المعاصر العلامة الطباطبائي الذي أعاد للفلسفة الإسلامية حضورها في العصر الحديث، نجد أن الفكر الإيراني لم يكن يوماً هامشياً، بل كان مساهماً أصيلاً في صياغة العقل الفلسفي العالمي.

 

 

أهمية الفلسفة تكمن في قدرتها على الجمع بين العقل والوحي والشهود، وفي تقديم رسالة أمل ومعنى للإنسان المعاصر، مؤكدة أن التفكير الحر والبحث عن الحقيقة هما السبيل لبناء عالم أكثر إنسانية. وبمناسبة يوم الفلسفة العالمي أجرينا حواراً مع حجة الإسلام مهدي خياط زاده، أستاذ الحكمة العملية في مؤسسة الحكمة والفلسفة الإيرانية، الذي يضيء لنا جوانب من تاريخ الفلسفة الإيرانية ورسالتها للعالم، وفيما يلي نص الحوار:

 

 

 الفلسفة الإيرانية عبر العصور

 

 

بداية، قدّم حجة الإسلام مهدي خياط زاده نبذة عن تاريخ ومكانة الفلسفة والفلاسفة الإيرانيين على المستوى العالمي من الماضي حتى اليوم، قائلاً: الفلسفة بمعنى التفكير العقلي حول الواقع بمعناه العام والإنسان بمعناه الخاص، لها تاريخ بامتداد تاريخ البشرية؛ لأن السمة الأساسية للإنسان التي تميّزه عن سائر الموجودات المادية هي قوة العقل والتفكير، وما دام الإنسان إنساناً، كانت العقلانية والتفكير موجودة. والإنسان الإيراني ليس مستثنى من هذه القاعدة، بل إن العقلانية من أبرز سماته كما يشهد تاريخ الفكر. ويمكن تقسيم تاريخ الفلسفة بالمعنى الإصطلاحي في إيران إلى ثلاث مراحل:

 

 

– مرحلة إيران القديمة، حيث عاش الحكماء الفرس، وبعض أفكارهم عرّفها الشيخ شهاب الدين السهروردي.

 

 

– مرحلة دخول الفلسفة اليونانية إلى إيران وتوسيعها على يد الفلاسفة المسلمين، من الكندي والفارابي حتى العصر الحاضر.

 

 

– المرحلة المعاصرة، حيث إلى جانب الإهتمام بالفلسفة الإسلامية، لقيت الفلسفة الغربية أيضاً إهتماماً واسعاً من فلاسفة إيران. لقد لعب الفلاسفة الإيرانيون دوراً عالمياً في محورين: الأول، حفظ التراث الفكري السابق ونقله إلى الأجيال اللاحقة؛ والثاني، إنتاج وتوسيع النظريات الفلسفية حول الوجود والإنسان، وهي ما تزال تقليداً حياً وفاعلاً في معالجة قضايا الإنسان والواقع.

 

 

 إسهامات الفلاسفة الإيرانيين في الفكر العالمي

 

 

أما عن مدى تأثير الفلاسفة الإيرانيين على المستوى العالمي قال حجة الإسلام خياط زاده: من بين الفلاسفة الإيرانيين البارزين، برزت أسماء الفارابي، ابن سينا، السهروردي، خواجة نصير الدين الطوسي، وملا صدرا أكثر من غيرهم عالمياً. ومن بينهم، الفارابي وابن سينا هما الأكثر شهرة. فلسفة الفارابي السياسية تُدرّس وتُبحث في جامعات عديدة حول العالم. على سبيل المثال، ليو إشتراوس (1899–1973م)، أحد أبرز منظّري الفلسفة السياسية في القرن العشرين وأستاذ الفلسفة بجامعة شيكاغو، استفاد من أعمال الفارابي في تفسير النصوص الفلسفية القديمة لأفلاطون وأرسطو. كذلك محسن مهدي (1926–2007م)، الفيلسوف العراقي وتلميذ شتراوس، أجرى أبحاثاً عديدة حول الفارابي، ورأى أن الفارابي أبدع تقليداً يسعى للتوفيق بين المبادئ العلمية والدين دون التضحية بها. أما ابن سينا، فيمكن اعتبار أعماله أحد الأسس الفكرية لأوروبا في العصور الوسطى. كتبه الطبية شكّلت بين القرنين الثاني عشر والسادس عشر الميلادي أساساً علمياً وعملياً للطب في أوروبا. كما نُشرت أعمال عديدة له في المحافل العلمية العالمية. منظمة اليونسكو أيضاً تمنح كل عامين جائزة باسم ابن سينا للروّاد في فلسفة الأخلاق والعلم.

 

 

 إشراقات الحكمة المتعالية

 

 

ويتابع حجة الإسلام خياط زاده: من الفلاسفة الإيرانيين الآخرين الذين حظوا باهتمام عالمي: شهاب الدين السهروردي، مؤسس مدرسة الإشراق، التي قدّمها هنري كوربان (1903–1978م)، الفيلسوف الفرنسي، إلى المحافل العلمية العالمية. أما ملا صدرا، مؤسس مدرسة الحكمة المتعالية، فلم تُطرح مدرسته الفكرية عالمياً بقدر الفارابي وابن سينا، لكنها في العقود الأخيرة عُرّفت أكثر على يد مفكرين مثل هنري كوربان ونالت اهتماماً متزايداً. في النهاية يمكن القول؛ إن مساهمة الفلاسفة الإيرانيين في تاريخ الفكر الفلسفي ليست هامشية، بل كانوا حلقة وصل بين الفلسفة اليونانية القديمة والعالم الغربي، وأسّسوا مدارس فكرية مبتكرة كان لها دور بارز في نمو الفكر الفلسفي.

 

 

صوت الفلسفة الإسلامية في العصر الحديث

 

 

بعد ذلك أدار الحديث عن العلامة آية الله العظمى السيد محمد حسين الطباطبائي الذي تم أخيراً تسجيل إسمه في اليونسكو، فقال حجة الإسلام خياط زاده: العلامة الطباطبائي من الفلاسفة الصدراويين المعاصرين. يمكن بيان تأثيره في الفلسفة الإسلامية ضمن ثلاثة محاور:

 

 

– نشر الفلسفة: كان يرى أن للفلسفة دوراً تعليمياً في تصحيح رؤية الإنسان، وعندما هاجر إلى الحوزة العلمية في مدينة قم المقدسة، لاحظ غياب دروس التفسير والفلسفة والأخلاق، فأسس كرسياً دراسياً في كل منها، ولقيت إقبالاً واسعاً من الطلاب. وقد اعتبر بعض تلامذته هذا العمل، من حيث الأولوية والمخاطر، قابلاً للمقارنة مع العمل السياسي للإمام الخميني(قدس). كثير من الفلاسفة اليوم مثل الشهيد آية الله مطهري، آية الله جوادي آملي، آية الله حسن زاده آملي، آية الله مصباح يزدي، الدكتور ديناني، والدكتور سيد حسين نصر، هم من تلامذته.

 

 

– تأليف الكتب الفلسفية: كان له دور لا يُنكر في تأليف كتب فلسفية بأسلوب مغاير للسابق، حيث ابتكر تصنيفاً جديداً للمباحث الفلسفية، ألّف كتباً تراعي القضايا الفلسفية المعاصرة، نقّى الفلسفة من القضايا المرتبطة بالطبيعيات القديمة، واعتمد المنهج المشائي في طرح المسائل.

 

 

– التنظير في الفلسفة الإسلامية: إلى جانب التدريس والتأليف والتعليق على بعض الأعمال الفلسفية القيمة، كان للعلامة الطباطبائي نظريات خاصة، وقد عُدّت بعض نظرياته في القضايا الفلسفية بسبعين مسألة مستقلة.

 

 

 رسالة الفلسفة الإسلامية

 

 

فيما يتعلق بتأثير الفلسفة الإسلامية في معالجة القضايا المعاصرة، ورسالتها للعالم، قال أستاذ الحكمة العملية: أهم سمة للفلسفة الإسلامية هي التوحيد وبيان العلاقة بين تكثّر عالم الإمكان والوجود الواحد لله تعالى. لذلك يُقال: إن غاية الفلسفة الإسلامية هي معرفة المبدأ الأول للوجود، أي الله تعالى. ومن سماتها أيضاً الاهتمام بالمعارف الوحيانية للإسلام والمكاشفات العرفانية. الجمع بين العقل والوحي والشهود في هذا العلم الإسلامي منحها قدرة خاصة على التعامل مع القضايا الإنسانية المعاصرة. من أبرز تأثيراتها: بيان الأسس الميتافيزيقية للعلوم التجريبية والإنسانية الحديثة في المجال النظري، وتغيير نظرة الإنسان إلى الوجود والحياة ومعناها في المجال العملي. وبناءً على هذه السمات، فإن رسالة الفلسفة الإسلامية للعالم هي: الاهتمام بالمبدأ والمعاد في جميع شؤون الإنسان، التوفيق بين العقل والتعاليم الوحيانية، والنظر إلى الخير وغاية العالم وراء الشرور الظاهرية، ورسم الأمل والمعنى لعالم الإنسان المعاصر.

 

 

الفلسفة الإسلامية تبني إنساناً جديداً

 

 

وحول أجمل ما توصل إليه في أبحاثه الفلسفية، قال حجة الإسلام خياط زاده: الحكيم المتعالي صدر الدين الشيرازي يرى أن التفلسف هو خروج من الفطرة الأولى للإنسان إلى الفطرة الثانية، أي أن التفلسف يعني أن يصبح الإنسان إنساناً آخر. أجمل ما توصلنا إليه في أبحاثنا الفلسفية هو التأكيد المتكرر على هذا المعنى. الفلسفة الإسلامية تغيّر نظرة الإنسان إلى التوحيد، تكثّر العالم، المعاد، وسائر المبادئ الأساسية للحياة الإنسانية، وتبني إنساناً جديداً. هذه التجربة الحية هي أسمى وأجمل ما يجده كل فيلسوف مسلم.

 

 

جسور الفكر التي لا تنقطع

 

 

وأخيراً قال حجة الإسلام خياط زاده: ما كُتب في وصف الفلسفة الإسلامية والفلاسفة المسلمين الإيرانيين لا يعني التوقف عندها أو نفي مجال حرية الفكر؛ فهذه الفلسفة نتاج بشري، وهؤلاء الفلاسفة من البشر، فلا ينبغي اعتبار الفلسفة الإسلامية بمنزلة القرآن المنزل، ولا الفيلسوف الإسلامي كخاتم الأنبياء؛ بل يبقى المجال مفتوحاً للتفكير العقلي، والتفقّه الوحياني، والكشف العرفاني لمراجعة القضايا السابقة والإبداع في الأسئلة المستقبلية.

 

 

المصدر: الوفاق/ خاص