وفي ضوء هذا، فإنَّ من الضّروريّ أن تدخلوا في عمليَّة مقارنة – إذا كنتم في موقع الموضوعيَّة الفكريَّة – بين الفكر الإسلامي الَّذي تنتمون إليه في التزامكم بالإسلام، وبين الفكر الشَّائع لدى الناس بفعل عوامل القوّة الَّتي فرضته على الواقع، فقد تجدون في الإسلام فكراً متقدّماً منفتحاً على المصالح الإنسانيَّة الحقيقيَّة، وتكتشفون في الفكر المعاصر فكراً متخلّفاً بعيداً من الواقعيَّة في معالجة مشاكل الإنسان المتعدّد الأبعاد حيث المادّة والرّوح.
إنّ المعاصرة في معناها الحيوي الإنساني ليست شيئاً في حركة الزمن في المضمون، بل هي شيء في حركة الإنسان في إنتاج إنسانيته في قضاياه ومشاكله وأوضاعه.. فلتكن لكم إرادتكم الفكريَّة في اختيار الفكر الذي تلتزمونه بوعي وانفتاح، بعيداً من كلّ الانفعالات المجتمعيَّة التي تضغط على الإنسان بفعل الأجواء العاطفيَّة الَّتي تستلب فكره بطريقة (العقل الجمعيّ) الَّذي يفقد الإنسان معه استقلاله الفكريّ وخياره الحرّ في الاتجاه العمليّ.
إنَّ الأصالة تمثل الجذور العميقة في إنسانيَّة الإنسان في الفكر الأصيل المنطلق من الله ورسوله الَّذي ينفتح على الزمن كلّه والحياة كلّها، فلا يخضع للماضي والحاضر والمستقبل في حدوده الزّمنيَّة.
أمَّا المعاصرة، فهي الانفتاح على العصر في حاجات الإنسان وقضاياه الحقيقيَّة في أبعادها المتنوّعة، بحيث يتمثّل الإنسان فيها حياته بشكل متوازن، من حيث التزامه بإسلامه، وانفتاحه على قضايا عصره، من خلال وعيه لهذا وذاك في اجتهاداته الفكريَّة، ووعيه الروحيّ لما يملك من عناصر الاجتهاد والوعي الَّذي يؤهّله ليدخل في حوار مع الفكر الآخر ومع الإنسان الآخر.
وإذا كان الغرب يمثّل القوة العمليَّة الكبيرة والتقدّم التكنولوجي الواسع، فإنّ علينا أن نفرّق بين مفردات العلم في حركة الحضارة، ومفردات الخطوط الفكرية والسلوكية في طريقة الإنسان في علاقته بالله وبنفسه وبالحياة، فلا نرى في النموّ المعرفي والعلمي دليلاً على صحّة المنهج الفكري في قضايا العقيدة والأخلاق والسلوك، وفي معاني الرّوح والوجدان، بل يجب دراسة كلّ قضية بحسب عناصرها الذاتية وتأثيراتها الحيوية في الواقع في خط الحقيقة.