الأثر السلبي للتحولات الرقمية على عقول وسلوك المراهقين

في ظل التحولات الرقمية المتسارعة، بات تأثير المحتوى الإلكتروني – لا سيما العنيف منه – على سلوكيات المراهقين قضية تثير الكثير من الجدل والاهتمام. وبينما لم ترصد الملفات التي تمّت مراجعتها وجود دراسات مباشرة تتناول العلاقة بين الألعاب الإلكترونية العنيفة وعدوانية المراهقين،

في ظل التحولات الرقمية المتسارعة، بات تأثير المحتوى الإلكتروني – لا سيما العنيف منه – على سلوكيات المراهقين قضية تثير الكثير من الجدل والاهتمام. وبينما لم ترصد الملفات التي تمّت مراجعتها وجود دراسات مباشرة تتناول العلاقة بين الألعاب الإلكترونية العنيفة وعدوانية المراهقين، إلا أن ثمة دراسات معينة مؤخراً ألقت الضوء على تأثير المحتوى الرقمي السلبي بشكل عام على الصحة النفسية، ما يفتح باباً مهماً للنقاش حول الترابط بين ما يستهلكه الشباب عبر الشاشات وكيفية تفاعلهم مع الواقع من حولهم.

 

تُظهر نتائج الدراسات أن خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي قد تُفضي إلى انزلاق المستخدمين – خاصة اليافعين – إلى فضاءات رقمية تغذّي القلق والتوتر، بل وتعمّق مشاعر الحزن وعدم الرضى. إذ أفاد 28% من المشاركين في دراسة استقصائية بأن المحتوى السلبي زاد من شعورهم بالقلق، فيما أكد 20% أنه جعلهم أقل سعادة. هذه المؤشرات، وإن لم تتطرق للألعاب تحديداً، إلا أنها تكشف بوضوح أن المحتوى الرقمي، حين يكون مفعماً بالسلبية أو العنف الذي يؤثر على الطفل والمراهق، يُمكن أن يُحدث تأثيرات نفسية حقيقية.

 

تأثير الخوارزميات على الصحة النفسية

 

“يشير بعض الخبراء النفسيين إلى أن الخوارزميات تُعيد تشكيل تجربة المستخدم عبر ترشيح محتوى قد يدفعه سريعاً إلى “جُحور رقمية” مليئة بالمواد الضارة إذا لم يتحلَّ بالوعي الرقمي الكافي. في ذات السياق، تلفت المؤثرة فيكتوريا براون إلى التأثير العميق لتلك الخوارزميات على الصحة النفسية، وتدعو إلى إعادة تدريب الذكاء الاصطناعي من خلال التفاعل الواعي مع المحتوى الإيجابي”.

 

انطلاقاً من هذه المعطيات، يمكن القول إن عدوانية بعض المراهقين قد لا تكون نتيجة مباشرة للألعاب الإلكترونية العنيفة فحسب، بل لبيئة رقمية متكاملة تفتقر إلى الرقابة والتوجيه، ويغلب عليها التكرار والجرعة الزائدة من المحتوى الذي يُطبع في الذهن ويُغذي ردود فعل نفسية وسلوكية، أبرزها القلق، التبلّد، أو حتى السلوك العدواني. في ظل هذا الواقع، تبرز الحاجة الملحة لتعزيز الوعي الرقمي لدى الشباب وأولياء الأمور، وتطوير أدوات تقنية وأخلاقية تتيح قدراً أكبر من السيطرة على نوعية ما يُستهلك على الإنترنت.

 

لوم “المحتوى العنيف”

إنها دعوة لتجاوز مجرد لوم “المحتوى العنيف”، نحو تبني مقاربة أكثر شمولية تُحمّل مسؤولية تربوية وتقنية مشتركة بين الأفراد، والمؤسسات، وصنّاع التكنولوجيا، للحدّ من تداعيات هذه “البيئة الرقمية المتوحشة” على الأجيال القادمة، حيث نؤكد  الدراسات النفسية والاجتماعية الحديثة التي تشير إلى أن التعرض المستمر للألعاب العنيفة ومحتوى الإنترنت السلبي يمكن أن يكون له تأثيرات عميقة على شخصية المراهقين وسلوكهم تجاه من حولهم، سواء داخل الأسرة أو في المجتمع المدرسي والافتراضي. ففي مرحلة المراهقة، يكون الدماغ في طور النمو والتشكيل، ويُعدّ قابلاً بدرجة كبيرة للتأثر بالمحفزات الخارجية، خاصة تلك التي تتضمن العنف أو العدوان أو المحتوى الذي يروّج لسلوكيات متمردة أو لا أخلاقية.

 

تأثيرات ملحوظة على شخصية المراهقين

 

من أبرز التأثيرات الملحوظة على شخصية المراهقين:

 

تنامي السلوك العدواني والانفعالي، حيث أظهرت دراسات أن التعرض المتكرر للمشاهد العنيفة في ألعاب الفيديو أو عبر الإنترنت قد يؤدي إلى تبلّد في المشاعر تجاه العنف الحقيقي.

 

تراجع التعاطف مع الآخرين ويزيد من ميلهم لحل النزاعات بالأساليب العدوانية أو اللفظية الجارحة.

 

خلق صورة مشوّهة عن الواقع، حيث قد يعتقد المراهق أن القوة الجسدية أو السيطرة العنيفة وسيلة فعالة لتحقيق الأهداف أو كسب الاحترام.

 

ظهور أنماط من العزلة الاجتماعية لدى بعض المراهقين، خاصة إذا قضوا ساعات طويلة منغمسين في بيئات رقمية عنيفة.

 

تراجع المهارات الاجتماعية الفعلية، وضعف القدرة على بناء علاقات صحية، وازدياد التوتر داخل الأسرة نتيجة التمرد أو ضعف التواصل.

 

شعور الأهل أو الأصدقاء بعدم الأمان أو القلق من ردود فعل المراهق أو من تأثر إخوته الأصغر سناً بهذه السلوكيات.

 

هنا تبرز الحاجة إلى توازن واعٍ في التعامل مع التكنولوجيا، يتضمن الرقابة الأبوية، وتعزيز الوعي الرقمي، وفتح مساحات للحوار مع الأبناء حول ما يشاهدونه ويشعرون به. فالمراهق لا يحتاج فقط إلى تقييد المحتوى، بل إلى توجيه نفسي وتربوي يعزز قيم التعاطف والانضباط والتمييز بين العالم الافتراضي والواقع الحقيقي”.

 

كيف تظهر علامات العنف؟

 

لا تظهر علامات تأثر المراهق بالألعاب العنيفة والمحتوى الرقمي العنيف بشكل مفاجئ، بل تتسلل تدريجياً إلى سلوكياته اليومية، وهو ما يتطلب من الأهل متابعة دقيقة لتغيرات الشخصية والانفعالات. من أبرز هذه العلامات:

 

ازدياد السلوك العدواني، حيث يُظهر المراهق انفعالات مفرطة كالغضب والصراخ واللجوء إلى العنف في التعامل مع الآخرين عند المراهقين، سواء داخل الأسرة أو في المدرسة، كرد فعل على مواقف بسيطة. كذلك.

 

قد يفقد المراهق جانباً من التعاطف والرحمة، فيصبح أكثر لامبالاة بمشاعر من حوله، نتيجة التعرّض المتكرر لمشاهد عنف رقمية تُطبع في وعيه مشهداً مألوفاً من الألم من دون إحساس بالذنب.

 

انغماس المراهق المفرط في الألعاب أو المحتوى العنيف على حساب الأنشطة الواقعية، ما قد يقوده إلى العزلة والابتعاد عن العلاقات الاجتماعية.

 

تراجع في الأداء الدراسي وفقدان التركيز، وقد يصل الأمر إلى تقليد شخصيات الألعاب في الحديث أو التصرف.

 

معاناة المراهق من اضطرابات في النوم أو كوابيس مرتبطة بالمحتوى الذي يتعرض له.

 

نصائح للأهالي تدلهم على التصرف السليم مع المراهق

 

وعلى الأهل أن يتعاملوا مع هذه المؤشرات بوعي، من خلال الآتي:

 

راقبوا ابنكم بذكاء لتتعرفوا إلى نوعية المحتوى الذي يتابعه، لكم من دون تجسس.

 

اسمحوا بحوارات صادقة تسمح للمراهق بالتعبير عن مشاعره وأفكاره بحرية.

 

راقبوا أي تغيّر في المزاج، العلاقات، أو نمط الحياة اليومية واعلموا أن هذا يستوجب الانتباه الفوري.

 

في حال استمرار هذه الأعراض، يُستحسن استشارة مختص نفسي. فالمفتاح الأساسي لحماية الأبناء من آثار هذا المحتوى يكمن في التوازن بين الرقابة والتوجيه، وتعزيز الوعي النفسي والرقمي لديهم منذ سن مبكرة.

دور الحوار والإنصات في تعزيز العلاقة بين الطفل ووالديه.. نتائجه مُبهرة

 

 

 

المصدر: وكالات