الاسرة وتحديات العالم الافتراضي

دور الأسرة هنا هو التوجيه والمراقبة الصامتة وضع حدود للحد من الخطر من عدة أبعاد، وقد يكون بعضها جديدا حسب الإعلانات ونحوها من مؤثرات عارضة أو مقصودة من الإيدلوجية المتحكمة في الإعلام. وضع القدوة للطفل كمثل أعلى هم آل بيت العصمة كفيل بحمايتهم وهدايتهم من جميع النواحي وتسليح الأطفال...

ما هي التحديات والمخاطر التي تواجه الاسرة المعاصرة، وتأثيراتها على قوة تماسكها أو تفككها؟ وكيف يمكن الاستفادة من حديث الكساء لبناء أسرة متماسكة، بدءاً من استكشاف القيم والدروس المستفادة من هذا الحديث العظيم؟

 

 

لاشك أن الأسرة المعاصرة تواجه الكثير من التحديات والمخاطر حالها كحال أي تكتل اجتماعي آخر، فإضافة إلى التحديات الكلاسيكية من ثقافة ومعيشة وعلاقات اجتماعية فإن ما أضيف لهذه القائمة هو ظاهرة العالم الافتراضي الذي أصبح ندا للعالم الحقيقي، إذ بدأ يستولي عليه وهو على وشك أن يقضي عليه، حاله حال الذكاء الاصطناعي الذي بدأ يقضي على الذكاء الطبيعي!

 

 

وفيما يخص تأثر الأسرة بهذه الظاهرة؛ فإن كل فرد من أفراد المجتمع يعيش في عالمه الافتراضي الخاص ولديه أسرة افتراضية وأصدقاء ومعارف من العالم التكنولوجي وهو على وشك أن يلغي العلاقة الواقعية مع أسرته الحقيقية ما لم يتواصل معهم في العالم الافتراضي نفسه.

 

 

ولم يعد التلاحم والترابط بالتزاور بقدر ما هو بالمراسلة والاشتراك في لعبة أو نشاط من العالم الآخر أو ما كان يسمى في أفلام كرتون الأطفال قديما باسم “عالم الديجتال أو الرقمي” قبل ظهور الانترنت لهذا العالم!

 

 

إن العالم الافتراضي (الديجيتال) أصبح واقعا لا مفر منه، فالتطور التقني قد فرض نفسه بقوة ولا بديل عنه ولا يمكن إلغاءه بحجة الأضرار الجانبية، كما لا يمكن أن نعامل المحيط والعائلة والأطفال كمعاملة الأجيال السابقة من قبل، ذلك لأنهم خلقوا لزمان غير الزمن القديم.

 

 

وعليه فإنه لابد من التكيف وتقبل الظاهرة الجديدة بشرطها وشروطها وبطريقة لا تنافي الأسس والمبادئ الأخلاقية في الأسرة من معاشرة ووئام.

 

 

ولنذكر اليابان مثلا؛ فرغم التطور الحاصل فيها لا تزال هنالك صفة يتوارثها الأجيال وهي ضرورة احترام الكبير في السن حيث لم يتركوا هذه القيمة الأخلاقية منذ القدم ولا يختلف جيل عن جيل في تطبيق هذه السنة الحسنة، مما يدل على إمكانية حفظ المبادئ وأن اختلاف الأجيال أو التطور لا ينافي القيم الأخلاقية.

 

 

وهنا يمكن ذكر مثال عن العالم الرقمي وكيفية تكييفها مع الحياة العامة: مشاركة اللعب في (الروبلوكس Roblox) أصبحت طريق التعارف الواقعي للأطفال بعد المدرسة، بل تبادل أسماء الحسابات وتوزيعها على الصف هو امتداد لفسحة اللعب، مما اضطرّ بعض الدول لحظرها أو اضطر الآباء للمشاركة معهم في لعبهم وإيضاح طرق السلامة والتربية بصورة حديثة تناسب الوضع الفعلي الواقعي اليوم، فالتوجيه الأسري أصبح يشمل كيفية اللعب والتفاعل الآمن والتربية أصبحت تشمل أبجديات دخول عالم الديجيتال، مثالها: عدم إضافة الغرباء، عدم مشاركة الاسم والعنوان، عدم التحدث بالكاميرا، عدم تصديق أي شيء تقريبا دون مناقشة، وإرسال المقاطع لأولياء الأمر ونقدها..

 

 

وأيضا اللعب بشروط؛ مثل:

 

 

جعل لغة التواصل التخاطب بداية بالكتابة لتطوير مهارات الكتابة والإملاء بمختلف اللغات ثم يمكن فتح باب المحادثات الصوتية بعد إتقان المهارات الكتابية.

 

 

وأيضا يمكن للأسرة التلاقي ومشاركة الأهداف عبر تطبيقات أسرية لتعلم اللغات معا مثلا أو تنمية نسبة الذكاء وتبادل الألغاز والمعلومات بصورة ترفيهية دون ضغط أو منافسة تحمل ضغطا نفسيا، بل جعل الهدف المشاركة والاستفادة كأساس بدلا من إضاعة الوقت في اللعب العشوائي دون هدف.

 

 

شراء بطاقات الألعاب كنوع من التحفيز عند إنجاز الطفل بدل الحلويات..

 

 

وضع الحدود: أوقات روتينية لوقت اللعب والنوم، وعدم اللعب وقت الأكل والجلوس الصحي ونحوه..

 

 

فدور الأسرة هنا هو التوجيه والمراقبة الصامتة وضع حدود للحد من الخطر من عدة أبعاد، وقد يكون بعضها جديدا حسب الإعلانات ونحوها من مؤثرات عارضة أو مقصودة من الإيدلوجية المتحكمة في الإعلام.

 

 

مثلا: يقول بعض استشاريي الأسرة أن طفلا قرر أن ينتحر وقالها لأهله من حسن الحظ، أو لوجود الأسرة معه وفتح باب المناقشة والحديث عما يشاهدون مما جعل الطفل يبدي سبب رغبته بالانتحار، وملخص ذلك مشاهدة الأفلام الغريبة عن ثقافة المجتمع العربي والتي تؤمن بفكرة التناسخ وانتقال الروح من جسد إلى آخر، فهناك الطفل يريد ان يموت متعمدا ليكون له جسد حيوان او حجر يحب تجربته كونها سلسلة لا تنتهي..

 

 

وواقعا؛ إن بعض الإعلانات عن التناسخ مرت بجهازي من قبل أمام الأطفال، فكانت فرصة لتعليمهم عن أن الحياة عوالم ذكرها القرآن وفصّلها الإسلام، وليس هناك تناسخ فوضع القيمة العقائدية وغرسها في الأطفال ولو متأخرا بعد وصول الإعلان هو نوع من التربية القائمة على النقد والتحليل والدليل..

 

 

إذ أن وضع القدوة للطفل كمثل أعلى هم آل بيت العصمة كفيل بحمايتهم وهدايتهم من جميع النواحي وتسليح الأطفال والكبار بالعقائد والفقه هو واجب عيني لحمايتهم من تيار عالم الديجيتال..

 

 

وفيما يرتبط بالدروس التي يمكن استفادتها من حديث الكساء الشريف فهنالك عدة دروس نذكر منها درسين مهمين:

 

 

أولا: نرى أن الصديقة الطاهرة سلام الله عليها هي المحور في هذا الحدث المبارك وحينما يجيب الباري تعالى على سؤال أمين الوحي عليه السلام حينما سأل: “ومن تحت الكساء؟”، فيشير تعالى إلى هذا المحور: “هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها”، مما يدل على شدة أهمية دور الأم والزوجة والبنت في الأسرة الصالحة وكون المرأة هي ركيزة المجتمع وأساسه وما الرجال إلا البناء الذي يرتفع أو ينهار وفقا لنوع النساء في الأسرة.

 

 

والدرس الثاني الذي نستلهمه من هذا الحديث الشريف: هو الأسوة والبشارة النهائية في هذا الحدث والتجمع المبارك كما جاء على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله في معرض رد على سؤال أمير المؤمنين عليه السلام حينما سأل: “يارسول الله أخبرني ما لجلوسنا هذا تحت الكساء من الفضل عند الله؟”، فأجابه صلى الله عليه وآله: “يا علي! والذي بعثني بالحق نبيا واصطفاني بالرسالة نجيا ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض وفيه جمع من شيعتنا ومحبينا وفيهم مهموم إلا وفرج الله همه، ولا مغموم إلا وكشف الله غمه، ولا طالب حاجةٍ إلا وقضى الله حاجته..”؛ هذه البشائر جاءت نتيجة التجمع المتماسك للأسرة الصالحة وتمسكهم بالقيم الأخلاقية..

 

 

المصدر: وکالات