وفي هذا السياق، أوضح خبير في النقل العابر أنه في الوقت الذي أدت فيه التوترات الجيوسياسية إلى إعادة رسم مسارات التجارة التقليدية، يتشكل تحالف جديد بين إيران والهند وروسيا ودول آسيا الوسطى.
مضيفاً: يُعدّ ميناء جابهار محور هذه الكتلة الناشئة، وهو البوابة القادرة على تحويل إيران إلى شريان التجارة الرئيسي في أوراسيا.
وأردف: تكشف التطورات الأخيرة في السياسات التجارية والعابرة في آسيا عن تشكيل نظام جديد، لا يقع محوره في أقصى الشرق ولا في أوروبا، بل في الممرات الوسطى لأوراسيا، ويُشكّل ميناء جابهار اليوم نقطة التقاء مصالح أربعة لاعبين رئيسيين: إيران والهند وروسيا ودول آسيا الوسطى.
تمديد إعفاء الميناء من العقوبات
وقال محمد مهدي كريمي قهي: بحسب تقارير وسائل الإعلام الاقتصادية الهندية، تمكّنت نيودلهي من تمديد إعفاء ميناء جابهار لأشهر إضافية من العقوبات الأمريكية، وهو إجراء يُثبّت فعلياً الوجود الهندي في هذا الميناء ويبقي قنوات التعاون الإقليمي متعدد الأطراف مفتوحة.
وأضاف: منذ عام 2016 وحتى الآن، جرى تطوير جابهار في إطار الاتفاق الثلاثي بين إيران والهند وأفغانستان. وتابع: بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات، استمرت أنشطة الهند في جابهار بفضل إعفاء خاص؛ وهو امتياز تم تمديده الآن لستة أشهر أخرى، مما يتيح لنيودلهي متابعة مشاريعها في إطار عقد الاستثمار العشري للميناء.
ربط الهند بآسيا الوسطى وروسيا
وأكد كريمي قهي إن هذا الميناء ليس فقط ممراً لإيصال المساعدات الإنسانية الهندية إلى أفغانستان، بل إنه يؤدي دوراً محورياً في المخطط الأوسع لربط الهند بآسيا الوسطى وروسيا، كما تسعى أوزبكستان وقازاخستان وطاجيكستان إلى الاستفادة من مسار جابهار لتقليل اعتمادها على شبكة النقل الخاضعة لسيطرة الصين.
وأشار كريمي قهي إلى أن طهران استضافت الشهر الماضي اجتماعاً ثلاثياً بين إيران والهند وأوزبكستان، يُعدّ الخطوة الرسمية الأولى لتنسيق العمليات في استثمار طاقات جابهار وممر الشمال-الجنوب.
وأضاف: بحسب تقرير “إيكونومي نيوز”، يُعدّ هذا الممر -بربط موانئ جنوب إيران بروسيا وأوروبا- بديلاً عن قناة السويس ومبادرة الصين “حزام واحد – طريق واحد”.
كتلة تجارية أوراسية محورها إيران
وأفاد الخبير في النقل العابر بأنه في الوقت نفسه، تسعى روسيا –بعد حرب أوكرانيا وعقوبات الغرب– إلى مسارات نقل بديلة، وتمدّ طريقها عبر شبكة سكك الحديد في قازاخستان وأوزبكستان حتى ميناء جابهار، هذا التوجه يُمهّد عملياً لتشكيل كتلة تجارية أوراسية محورها إيران.
وأشار كريمي قهي إلى السياسة البحرية الجديدة للهند، وقال: على المستوى الكلي، تسعى السياسة البحرية الجديدة لهذا البلد تحت عنوان “ماهاساغار” ومشروع “ساغارمالا 2.0” إلى تطوير الموانئ والمسارات البحرية الإقليمية، ويمكن لهذه السياسة، بالتناغم مع مصالح إيران وروسيا، أن تُرسّخ موقع طهران في النظام الاقتصادي الناشئ.
وأضاف كريمي قهي: يجب على إيران تحديد موقعها في هذه الكتلة الجديدة بوتيرة أسرع، ففي ظل سعي دول المنطقة إلى إعادة رسم مسارات تجارية مستقلة عن الغرب والشرق، يمكن لجابهار أن يكون حلقة الربط التي ترفع إيران من لاعب عبور محلي إلى محور استراتيجي أوراسي.
وختم الخبير في مجال النقل العابر قائلاً: يبدو أن تشكيل “كتلة جابهار التجارية” لم يعد سيناريو محتملاً؛ بل واقعاً قيد التحقق، واقع إذا لم تدركه إيران في وقته، فستفوت فرصة تاريخية لقيادة النظام التجاري الإقليمي الجديد.