واصلت الولايات المتحدة الأمريكية تصعيد تحركاتها العسكرية العدوانية في المحافظات المحتلة، تحت ذريعة مكافحة التهريب؛ وذلك تعزيزًا لمسار احتلال الأرض والاستحواذ على الثروات والسواحل، وهو ما كانت وسائل إعلام أمريكية قد أكدته بوضوح قبل أَيام؛ الأمر الذي يعيد إلى الواجهة إنذاراتِ وتحذيراتِ قائد الثورة الأخيرة، بشأن ضرورة خروج القوات الأجنبية. وقالت وسائل إعلام المرتزقة: إن وفدًا أمريكيا وصفته بـ “رفيعِ المستوى” يضم السفيرَ الأمريكي، ستيفن فاجن، وقائد الأسطول الأمريكي الخامس، الجنرال كوبر، وعدداً من المسؤولين الأمريكيين، زار محافظةَ المهرة المحتلة، والتقى بقيادة المرتزقة هناك.
وزعمت وسائل الإعلام أن اللقاءَ ناقش جهود مكافحة تهريب الأسلحة والمخدرات، وهو الشعار الذي ترفعه الولايات المتحدة الأمريكية؛ للتغطية على تحَركاتها العدوانية لاحتلال المحافظة والسيطرة عليها. وكان موقع “هاف بوست” الأمريكي أكد قبل أَيام أن الولايات المتحدة تتحَرك في مسار الاستيلاء على محافظة المهرة؛ لأغراض جيوسياسية ومطامع وأهداف اقتصادية طويلة الأمد، منها السيطرة على سواحل المحافظة وموانئها. وكشف الموقع أن جنودًا وخبراءَ عسكريين أمريكيين يترددون على المحافظة، ويتنقلون في كل أنحائها، بعيدًا عن أضواء الإعلام، مطالبًا الكونغرس بالتحقيق في الدور الذي تلعبه القوات الأمريكية داخل المحافظة البعيدة عن خطوط التماس.
وتصاعدت التحَركات الأمريكية العسكرية في محافظتَي المهرة وحضرموت بشكل ملحوظ ومستفز خلال الفترة الأخيرة، توازيًا مع مساعي الولايات المتحدة الأمريكية لإفشال جهود السلام، والالتفاف على مطالب الشعب اليمني وعلى متطلبات الحل، ومنها خروج القوات الأجنبية بشكل كامل من اليمن. وتمتلك القواتُ الأمريكية عدةَ قواعدَ عسكرية في المحافظتين، منها مطار الريان الدولي وميناء نشطون، ومواقعَ أُخرى. وكان قائدُ الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي أكد في خطابه الأخير، أن الولاياتِ المتحدةَ تسعى لإبقاءِ البلد تحت الاحتلال، وتعملُ على توسيع وجودها العسكري في المحافظات المحتلّة، تحت غطاء الوجود السعودي والأمريكي.
وأكد القائد استحالةَ القبول ببقاءِ أي منطقة في البلد تحت الاحتلال، مؤكداً ضرورة رحيل كل القوات الأمريكية والبريطانية والسعودية والإماراتية. وقوبلت تأكيدات قائد الثورة بتأييد شعبي واسع عبرت عنه المسيرات الجماهيرية الكبرى التي خرجت في ذكرى استشهاد الرئيس صالح الصماد، والتي رفعت شعارات: “ارحل يا محتل”، وأكدت تفويض القيادة باتخاذ كل الإجراءات الرادعة ضد القوات الغازية وضد تعنُّت تحالف العدوان ورعاته.
ولجأت الولايات المتحدة وبريطانيا خلال الفترة الأخيرة إلى نشر أخبار مزيفة عن ضبط شحنات أسلحة كانت في طريقها إلى اليمن، في محاولةٍ لتعزز دعاية “مكافحة التهريب” التي تسعى القواتُ الأمريكية والبريطانية لتكريسِها كغطاءٍ ومبرر لتثبيت وجودها في المحافظات المحتلّة وقبالة السواحل اليمنية، في سياق مساعي الاستيلاء على المواقع الاستراتيجية في البلد والهيمنة على خطوط الملاحة الدولية في المنطقة.
ومن شأن التصعيدِ الميداني الأمريكي أن يستدعي ردودَ فعل مشروعةً وحاسمةً من جانب صنعاء، وخصوصاً بعد التحذيرات والتأكيدات الأخيرة لقائد الثورة، والتي أكدت بما لا يدع مجالًا للشك حتميةَ تحرير كل أراضي الوطن، وإخراج كل القوات الأجنبية
الصراعات في المهرة
تسعى السعودية والإمارات للسيطرة على محافظة المهرة، بوابة اليمن الشرقية، والواقعة على الحدود مع سلطنة عمان لمطامع سياسية واقتصادية، حيث تشهد محافظة المهرة حراكا سعوديا نشطا على كل المستويات، بشكل يتجاوز ما كانت قد بدأته الإمارات قبل أشهر في تلك المحافظة التي لم تطلها نيران الحرب. كل التحركات للقوات السعودية في المهرة وسيطرتها على كل المنافذ البرية والبحرية بما فيها مطار الغيضة، ومنع الرحلات المدنية منذ أواخر العام الماضي، تشير إلى أن الرياض تنازع اليمن على السيادة الوطنية.
الاخبار الواردة من اليمن عن مصادر محلية تفيد بأن قوى تحالف العدوان نشرت أمس الاثنين، قوات جديدة في محافظة المهرة، بالتزامن مع بدء تحركات واسعة للتنقيب عن النفط واستغلال ثروات المحافظة الاستراتيجية. واشارت المصادر إلى أن قوى تحالف العدوان نشرت أكثر من 200 من عناصرها بينهم مجندون سعوديون وإماراتيون، بالقرب من مطار الغيضة، موضحة أن العناصر المنتشرة ترافقها عشرات المدرعات والأطقم العسكرية.
في السياق ذاته، توعد الشيخ علي الحريزي، رئيس لجنة اعتصام المهرة، بإسقاط المؤامرات الإماراتية، ومساعيها للاستحواذ على ميناء قشن، مؤكدا أن مخططات التحالف الرامية لاستهداف المحافظة ما زالت مستمرة. تزامن ذلك مع تحركات مكثفة للتحالف تهدف لاستكمال السيطرة على المحافظة بشكل كلي. قبل اسبوعين، غرقت المهرة في الظلام لاربعة ايام متتالية حيث شهدت مديريات محافظة المهرة، شرق اليمن، لليوم الرابع على التوالي انقطاعا كاملا للتيار الكهربائي، فيما أكدت مصادر محلية أن محطة توليد الكهرباء خرجت عن الخدمة بشكل نهائي، في مدينة الغيضة، المركز الإداري للمحافظة، وعدد من المديريات، بسبب نفاد الوقود.
الخصائص الجغرافية لمحافظة المهرة
تعد المهرة ثاني أكبر محافظة في الیمن، حیث تحدها من الشرق عمان، ومن الشمال المملكة العربية السعودية، ومن الغرب محافظة حضرموت، ومن الجنوب بحر العرب. محافظة المهرة هي أطول محافظة ساحلیة في اليمن ويبلغ طول ساحلها 560 كم، وأما في الجزء الشرقي منها، فهناك صحراء واسعة غير مأهولة وسلسلة من الجبال المرتفعة.
وفي عام 2017 قدّر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن عدد سكان المحافظة يبلغ 150 ألف نسمة. وبالنظر إلى عدد النازحين الداخلیین، تشير التقديرات الحالية إلى أن عدد سكان المهرة يبلغ حوالي 650 ألف نسمة. في حین يعتمد اقتصاد المهرة في الغالب على صناعة صید الأسماك والزراعة وتربية الحيوانات والإيرادات الجمركية، والتي یتم الحصول علیها عبر المعابر الحدودية لهذه المحافظة مع عمان. کانت محافظة المهرة تعد ملكية مستقلة قبل طرد القوات البريطانية منها في عام 1967، وکان لدیها علاقات تاريخية واسعة بالنظام الملكي العماني.
لدی سكان منطقة “حوف”، الواقعة على طول ساحل جنوب شرقی البلاد، علاقات قبلية مع محافظة ظفار العمانیة، والعديد من العائلات لديهم جنسية مزدوجة ومناطق سکنیة على جانبي الحدود. ويتألف سكان المهرة بشكل رئيسي من القبائل، ویطلق علی هذه القبائل مجتمعة اسم “المهري”. يعيش معظم السکان المهریین خارج المقاطعة في عمان. لدی أهالي المهرة ومحافظة ظفار في عمان إضافة إلى الحدود المشتركة، العلاقات القبلية واللغوية والعادات والتقاليد والأطعمة الشعبية.
التنافس الجيوسياسي بين عمان والمملكة العربية السعودية على النفوذ في المهرة
كانت عمان تنظر باهتمام إلی محافظة المهرة، من بوابة المجال الأهم للأمن القومي لها منذ السبعينيات. في حین کنت انتفاضة ظفار (1962-1976) في عمان، حدثًا مهمًا في تاريخ البلاد حیث تبين لعمان أهمية المهرة.
وفي سیاق متصل، قام السلطان قابوس، سلطان عمان الراحل، بوضع سياسات لتحسين العلاقات مع سكان المهرة وإقامة نفوذ في المحافظة. وفي هذا السیاق، إضافة إلى منح الجنسية العمانية للعديد من المهور المقيمين في عمان، وفرت مسقط لهم أيضًا الحق في السفر والعمل مجانًا في البلاد. نتيجة لذلك، تنازلت بعض أسر المهرة عن الجنسية اليمنية، وخاصة لأطفالهم المولودين في عمان.
أصبحت المملكة العربية السعودية في العقود الأخيرة، لاعبًا ومنافسًا أجنبيًا لمحاولة عمان كسب النفوذ في محافظة المهرة، ويرجع سبب ذلک أساسًا إلى الموقع الجغرافي السياسي المهم للمحافظة على البحر. في حین واصل السعوديون جهودهم على مدى عقود، لبناء خط أنابيب نفط عبر نهر المهرة إلى بحر العرب وذلک لتقليل اعتمادهم على مضيق هرمز.