رسالة صداقة وسلام إلى العالم

السجاد الإيراني.. ذاكرة حضارة ومرآة هوية

الوفاق: فنّ نسج السجاد في إيران ليس مجرد فنّ، بل هو رمزٌ للتاريخ والثقافة والذوق الإيراني، وظلّ أحد أثمن تراث هذا البلد لامعاً ومشهوراً.

في زمن تتسارع فيه الصناعات الحديثة، يبقى السجاد الإيراني شاهداً على أن الفن الأصيل لا يشيخ. فهو ليس مجرد سجاد يزيّن البيوت، بل وثيقة حضارية تُقرأ كما تُقرأ المخطوطات القديمة. وبين خيوط الحرير والصوف، تتجلى قصة أمةٍ صاغت هويتها بالصبر والإبداع، وجعلت من السجاد سفيراً دائماً لها في العالم.

 

فن حياكة السجاد

يُعدّ فنّ نسج السجاد في إيران واحداً من أقدم وأعرق الفنون اليدوية في إيران، إذ يعود تاريخه إلى آلاف السنين. وهو رمزٌ للذوق والأناقة والثقافة الإيرانية، ولكل منطقة من البلاد تصاميمها ونقوشها الخاصة بها. فمن سجاد التركمان إلى  كاشان وأصفهان، لكل منها أسلوبه الخاص الذي يعكس هوية تلك المنطقة، وقد حاز السجاد الإيراني شهرةً عالمية بفضل تعقيد تصاميمه ودقة نسجه.

 

رسالة صداقة وسلام إلى العالم

 

في إطار كأس العالم 2026، قدّم الفنان الإيراني فريدون نقي‌لو من مدينة خوي، عملاً فنياً استثنائياً، سجادةً دائرية  من الحرير الطبيعي بأبعاد متر واحد، تضم 76 لوناً وتعرض خرائط القارات وشعارات السلام والفيفا، وأعلام 48 دولة مشاركة. هذا العمل، الذي رُفع عنه الستار بحضور مسؤولين ثقافيين ومحافظ آذربايجان الغربية، يُعد أكثر من مجرد فن؛ إنه رسالة عالمية للسلام والصداقة عبر الرياضة والفن. نقي‌لو، الذي سبق أن أهدى أعمالاً مشابهة لمناسبات رياضية كبرى، أراد أن يؤكد أن كرة القدم ليست ساحة تنافس فحسب، بل جسر للتواصل بين الشعوب. هذه السجادة تُجسد وحدة العالم، حيث كل عقدة قسمٌ بالسلام، وكل لون صرخة أمل، وكل نقش دعوة إلى الأخوة الإنسانية. بهذه المناسبة نتطرق في هذا المقال إلى فن حياكة السجاد الإيراني.

 

المواد المستخدمة

تتنوع المواد الأولية المستخدمة في نسج السجاد الإيراني بين الصوف والحرير والقطن، ولكل منها أثرٌ مباشر على جودة السجادة ومتانتها. أمّا في الصباغة، فيستخدم النساجون الألوان الطبيعية مثل النيلة والفوة، مما يضفي على السجاد جمالاً وأصالة.

بشكلٍ عام، لا يقتصر فنّ نسج السجاد الإيراني على إنتاج السجاد فقط، بل هو كنزُ من القصص والأساطير والثقافة المحلية منسوج في كل عقدة من عقد السجادة. لذلك تحوّل هذا الفنّ إلى أحد أبرز مفاخر إيران الثقافية والفنية، وحفظه ونقله إلى الأجيال القادمة يحظى بأهمية بالغة.

 

تصاميم ونقوش السجاد الإيراني

تتميز تصاميم السجاد الإيراني بتنوعٍ كبير، ولكل منطقة من البلاد أسلوبها ونقوشها الخاصة. فمثلاً، تتميز سجاد كاشان بنقوش الزهور والأغصان، بينما يعتمد سجاد التركمان على الأنماط الهندسية. أمّا سجاد أصفهان فيُعرف بتعقيد نقوشه وألوانه الهادئة. وغالباً ما تُستمد التصاميم الإيرانية من الطبيعة والثقافة والمعتقدات القديمة، وكل تصميم يروي قصةً خاصة.

 

أنواع السجاد الإيراني وخصائصه

ينقسم السجاد الإيراني إلى فئات عديدة، ولكل نوع خصائص فريدة. من أشهر أنواعه:

– سجاد تبريز: يشتهر بكثافة نسجه وتصاميمه الهندسية والزهرية. يستخدم ألواناً متنوعة ويُناسب المساحات الفخمة.

– سجاد أصفهان: يتميز بالرقة والدقة في التصميم، ويستخدم النقوش الإسلامية (الأسليمي) وتصاميم الزهور والأغصان. يتمتع بجمالٍ خاص بفضل استخدام الحرير والألوان الطبيعية.

– سجاد كاشان: يُعرف بنقوشه الزهرية وألوانه الدافئة والمتنوعة، وهو من أكثر أنواع السجاد الإيراني شعبية وله محبون كثر في العالم.

-سجاد نائين: يجمع بين البساطة والجمال بأنماطه الهندسية وألوانه الترابية الهادئة، ويُناسب الديكورات الكلاسيكية البسيطة.

-سجاد التركمان: يتميز بالأنماط الهندسية وتكرار النقوش المحددة، ويُنتج في شمال شرق إيران، ويعكس ثقافة التركمان الخاصة.

 

السجاد الإيراني في الأدب والفن

احتل فنّ حياكة ونسج السجاد مكانةً خاصة ًفي الأدب والفن الإيراني. منذ القدم، اعتبره الشعراء والكتّاب الإيرانيون رمزاً للفن والجمال الإيراني، وأشاروا إلى جماله وألوانه في أعمالهم. كما استلهم الرسامون والمصورون الإيرانيون نقوشه في الكثير من لوحاتهم، واستخدموه عنصراً زخرفياً ورمزياً.

نجد إشارات إلى فنّ نسج السجاد في شعر حافظ وسعدي ومولانا، مما يدل على قيمته وأهميته في التاريخ والثقافة الإيرانية. كذلك، تحرص الأفلام والمسلسلات التاريخية الإيرانية على إظهار مراحل نسج السجاد لتعريف الأجيال الجديدة بهذا الإرث الثقافي وإبراز أهميته في الحياة اليومية للإيرانيين.

 

رمزٌ للهوية والتاريخ

يُعتبر فنّ نسج السجاد في إيران رمزاً للهوية والتاريخ لهذا البلد. إن فنّ نسج السجاد في إيران ليس مجرد فنّ، بل هو رمزٌ للتاريخ والثقافة والذوق الإيراني، وظلّ أحد أثمن تراث هذا البلد لامعاً ومشهوراً.

المصدر: الوفاق