الخليج الفارسي أولى ببناء تحالفه… قبل أن يدفع ثمن خلافات الغرب

ثمّة حقيقة سياسية يتجاهلها كثيرون في عالمنا العربي: الغرب لا يتعامل مع إيران بوصفها “تهديداً وجودياً”، بل بوصفها “قضية مشتركة” تُخفي خلافاته الداخلية. ولو اختفى هذا الملفّ، لانفجرت التناقضات بين الولايات المتحدة وأوروبا، وبين أوروبا وروسيا، وحتى داخل أوروبا نفسها، بوتيرة أسرع بكثير.

 

د. بهمن أكبري

السؤال الذي يجب أن يطرحه الخليج الفارسي على نفسه اليوم هو:

إذا كان الغرب يستفيد من إبقاء المنطقة مشغولة بإيران، فلماذا نربط أمننا واستقرارنا باستراتيجيات لا تخدم إلا مصالح واشنطن وبروكسل؟

 

الخلافات الغربية أكبر من أن تُخفيها لغة “الاتحاد ضد إيران”

 

برغم ظاهر “التماسك الغربي”، إلا أنّ الوقائع تشير إلى عكس ذلك:

 

أمريكا وأوروبا تختلفان بعمق حول الصين، والطاقة، والتجارة.

 

أوروبا تعيش انقساماً داخلياً بين شرقها وغربها.

 

الخلاف الأمريكي–الأوروبي في ملفّ أوكرانيا يزداد اتساعاً.

 

العلاقات الأوروبية–الروسية في أسوأ مراحلها منذ الحرب الباردة.

 

هذه التناقضات لا تختفي… لكنها تُؤجَّل عبر خطاب واحد:

“الخطر الإيراني”.

 

إنه خطابٌ يوفّر للغرب “خصماً مشتركاً” يعيد إنتاج وحدته، حتى لو كانت هذه الوحدة شكلية.

 

من هو الخاسر الحقيقي؟ الخليج الفارسي أم الغرب؟

 

حين تنشغل دول الخليج الفارسي بصراعات تُدار من الخارج، يتحول أمنها إلى ورقة تفاوض بين القوى الكبرى، بينما:

 

أمريكا تركّز على الصين

 

أوروبا منشغلة بأوكرانيا

 

روسيا تعيد بناء أوراق قوتها

 

الصين توسّع نفوذها الاقتصادي

 

أما الخليج الفارسي فيدفع ثمن سياسات ليست من صنعه.

 

من هنا تأتي الضرورة الملحّة:

أمن منطقة الخليج الفارسي لا يُبنى عبر الآخرين، بل عبر أنفسنا.

 

الخليج الفارسي قادر على بناء توازن خاص… إذا لم يقع في فخّ “صراعات الوكالة”

 

إنّ القوى الإقليمية الكبرى – السعودية والإمارات وقطر والبحرين والكويت وعمان – تمتلك:

 

اقتصاداً عالمياً

 

موقعاً استراتيجياً

 

قدرة على المبادرة الدبلوماسية

 

نفوذاً في الطاقة والتجارة

 

شبكة علاقات متوازنة مع الشرق والغرب

 

لكن هذه القدرات لا تتحول إلى قوة فعلية إلا حين تُترجم إلى:

تحالف دول الخليج الفارسي متماسك يحمي مصالحه بنفسه، ويصوغ مقاربته الخاصة تجاه إيران، بدلاً من استيراد مقاربات الآخرين.

 

في نهاية المطاف، الصدام مع إيران قرار غربي… ولكن آثاره اقليمية.

ولذلك لا ينبغي أن يُترك أمن الخليج الفارسي رهينة أجندات لا تعبّر عنه.

 

الغرب لا يريد حلاً… يريد تأجيلاً

 

الواقع أنّ الغرب يستفيد من إبقاء التوتر قائماً:

 

لأنه يشغله عن خلافاته العميقة

 

لأنه يعزز مبيعات السلاح

 

لأنه يمنحه موطئ قدم دائم في المنطقة

 

لأنه يتيح له التأثير في قرار دول الخليج الفارسي

 

لكن الخليج الفارسي لا يحتاج إلى هذا “القلق المستورد”.

لدينا الإمكانات لصناعة نظام أمني بين دول الخليج الفارسي، يقوم على:

 

١. الحوار المباشر مع إيران

٢. إدارة الخلافات الإقليمية بآليات محلية

٣. بناء سياسة دفاعية مشتركة

٤. تنويع الشراكات مع الشرق والغرب دون ارتهان

٥. وضع المصالح منطقة الخليج الفارسي فوق أي أجندة دولية

 

الخلاصة: الخليج الفارسي أولاً… ثم العالم

 

في لحظة عالمية مضطربة، يبقى المبدأ الأهم: “التحالف بين دول الخليج الفرسي الداخلي هو خط الدفاع الأول،

ولا ينبغي للخليج الفارسي أن يكون ساحة تُدار فيها خلافات الآخرين.”

 

لقد آن الأوان أن تتحول دول الخليج الفارسي من «متلقٍّ للتهديدات» إلى صانع للتوازنات،

ومن تابعٍ لاستراتيجيات واشنطن وبروكسل إلى شريكٍ نِدّي يحدد مصالحه بنفسه.

 

الطريق يبدأ بخطوة واحدة:

وعيُ أن أمن الخليج الفارسي لا يُهدَّد من خارج المنطقة بقدر ما يُهدَّده الانقسام داخلها.

 

 

 

المصدر: الوفاق