بناءُ ائتلافٍ اقليمي جديد في ضوء محادثات طهران: ضرورةُ الاتِّكال على الذات وعدم الوقوع مجدداً في فخّ الوعود الغربية

مع استئناف اللقاءات بين إيران والسعودية، وبمناسبة انطلاق جولة جديدة من الحوار الثنائي برعايةٍ وحضورٍ فاعل للصين في طهران، تبدو منطقة الخليج الفارسي أمام لحظةٍ مفصلية تعيد رسم خرائط التوازنات والتحالفات. فهذه المحادثات ليست مجرّد قناة تفاهمٍ بين دولتين كبيرتين في الإقليم؛ بل إشارة أوسع إلى تحوّلٍ عالمي يفرض على دول الخليج الفارسي إعادة التفكير في مصادر أمنها واستقرارها.

 

 

د. بهمن أكبري

لقد أثبتت التجارب السابقة، على مدى عقود، أن الاتّكال على الوعود الأوروبية والأمريكية لم يقدّم للأمن لدول الخليج الفارسي

ما كان يُنتظر منه؛ بل خلق في كثير من الأحيان فراغات استراتيجية وارتباكات سياسية، وجعل المنطقة تُدار بمنطق الأزمات لا بمنطق المصالح. القوى الغربية تنظر إلى أمن الخليج الفارسي بعيون مصالحها اللحظية، لا بعيون استقرار طويل المدى.

 

في المقابل، يرسّخ الحضور الصيني المتزايد في الخليج الفارسي ــ من الوساطة بين طهران والرياض إلى المشاريع الاقتصادية العملاقة ــ حقيقةَ أن النظام الدولي يتّجه نحو تعددية قطبية، وأن موقع دول الخليج الفارسي في هذا النظام سيُحدَّد بمدى قدرتها على بناء تكتلٍ إقليمي قوي، لا بمدى اعتمادها على حماياتٍ بعيدة ومتغيّرة.

 

وفي هذا السياق، يمكن لمحادثات طهران أن تشكّل فرصةً تاريخية لإعادة ترتيب بيت دول الخليج الفارسي على أساس رؤية جماعية جديدة:

رؤيةٍ تقوم على الحوار، وتوازن المصالح، وتخفيف التوتّرات، وبناء الثقة، وتأسيس بنية أمنية مشتركة تعبّر عن احتياجات المنطقة لا عن رغبات القوى الكبرى.

 

الخلافات موجودة، وبعضها قديم ومعقّد، لكنها ليست مانعاً أمام بناء نظامٍ إقليمي قادر على حماية مصالح الجميع. أمّا الخطر الحقيقي فهو في إضاعة فرصة التحوّل العالمي الراهن، وترك مستقبل الخليج الفارسي يُصاغ ــ مرّة أخرى ــ في عواصم بعيدة.

 

إنّ الواجب اليوم واضح:

عدم الوقوع في فخّ الوعود الغربية،

عدم السماح لأوروبا أو الولايات المتحدة باستغلال التوتّرات،

وتوجيه الطاقات نحو بناء ائتلافٍ بين دول الخليج الفارسي يعزّز الاستقلال الاستراتيجي ويرسّخ الاستقرار الإقليمي.

 

إنّ ما يجري في طهران ليس مجرّد حدثٍ ديبلوماسي؛ بل نافذة على مستقبلٍ جديد.

مستقبلٌ إمّا تبنيه دول الخليج الفارسي بإرادتها،

وإمّا ستترك مرّة أخرى لغيرها أن يكتب ملامحه.

 

والقرار اليوم، أكثر من أيّ وقتٍ مضى، قرارٌ لدول الخليج الفارسي بامتياز.

المصدر: الوفاق