الصين تستبدل سباق التسلح النووي بالذكاء الاصطناعي لمواجهة الهيمنة الأميركية

الصين تستبدل سباق التسلح النووي بالذكاء الاصطناعي لمواجهة الهيمنة الأميركية

أعلنت الصين في أحدث كتاب أبيض حول سياستها النووية أنّها لا تسعى إلى الدخول في سباق تسلح نووي، مؤكدةً معارضتها لنشر الولايات المتحدة صواريخ هجومية في آسيا. الوثيقة الجديدة، التي تحمل عنوان «ضبط الأسلحة ونزع السلاح ومنع الانتشار في الصين في العصر الجديد»، تُمثل تحديثًا للنسخة الصادرة عام 2005، وتشير إلى أنّ تطوير القدرات الصاروخية وأنظمة الدفاع في الصين يهدف حصراً إلى حماية السيادة وضمان الأمن وردع الحرب، وليس موجهاً ضد دولة بعينها، رغم تعقيدات البيئة الأمنية واتساع الرقعة الجغرافية للبلاد.

 

وفي ظل التنافس على شكل النظام الدولي المقبل، اختارت بكين مسارًا خاصًا لصعودها العالمي يقوم على تجاوز الاحتكار الأميركي، خصوصًا في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. فبينما تدرك القيادة الصينية أنّ الدخول في سباق نووي لن يمنحها تفوقًا على واشنطن التي تمتلك آلاف الرؤوس النووية وخبرة طويلة في هذا المجال، ترى أنّ الاستثمار في التكنولوجيا يمثل بديلاً أكثر فاعلية لتغيير موازين القوى.

 

وقد أثارت الخطوات الأميركية الأخيرة، ومنها منح كوريا الجنوبية موافقة على تطوير غواصات هجومية تعمل بالطاقة النووية وتزويدها بيورانيوم عالي التخصيب بعد لقاء رئيس وزرائها دونالد ترامب، اعتراض بكين. ورأى السفير الصيني في سيول، داي بينغ، أنّ هذه الخطوة تهدد النظام العالمي لمنع الانتشار النووي وتزعزع استقرار شبه الجزيرة الكورية. ومع ذلك، لم تتراجع الصين عن هدفها في منافسة واشنطن، بل واصلت تطوير مقاربتها القائمة على الاقتصاد والتكنولوجيا.

 

وتبرز النماذج الصينية في الذكاء الاصطناعي، مثل «R-1» من شركة ديب سيك و«Kimi    K2»، كمؤشرات على هذا التحول. فهذه النماذج لا تحمل آثارًا اقتصادية فحسب، بل سياسية أيضًا، إذ تتيح للمستخدمين تطوير أنظمة محلية مخصّصة، ما يُعزز نفوذ الصين عبر تنمية رصيدها من «القوة الناعمة». ومع تجاوز عدد مستخدمي «ديب سيك» 97 مليونًا بحلول أبريل/ نيسان الماضي، ووجود أكثر من 500 نسخة مطوّرة من نموذج «R-1» مع 2.5 مليون عملية تحميل خلال شهر واحد، أصبح التوسع التقني الصيني واقعًا يصعب تجاهله.

 

وتُعرّف القوة الناعمة بأنها القدرة على التأثير عبر القيم والأفكار والتكنولوجيا، على عكس القوة الصلبة القائمة على التهديد العسكري. وإذا كانت الولايات المتحدة قد استفادت من هذه القوة خلال الحرب الباردة عبر الاقتصاد والتعليم والهجرة، فإن الصين اليوم تسعى لترسيخ حضورها العالمي عبر الذكاء الاصطناعي والرقائق الإلكترونية، باعتبارها أدوات أسرع وأكثر تأثيرًا من التوسع العسكري المباشر.

 

وبينما تنشغل واشنطن بجبهات متعددة، من الحرب الروسية الأوكرانية إلى التوترات في الشرق الأوسط والبحر الكاريبي، تواصل بكين تسريع خطواتها نحو التفوق التكنولوجي، في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة أزمات مالية متكررة. ومع تحوّل الذكاء الاصطناعي والشرائح الإلكترونية إلى جوهر المنافسة الدولية، يظل السؤال مطروحًا: هل تدخل الصين مرحلة إزاحة الولايات المتحدة عن قمة النظام العالمي، أم أنّ واشنطن ستلجأ إلى سياسة احتواء جديدة قد تشعل التصعيد في تايوان ودول الطوق؟

المصدر: العهد