السيدة فاطمة الزهراء(س) هي سيدة نساء العالمين، وابنة النبي محمد(ص)، التي ارتبط إسمها بالطهر والكرامة والفضائل السامية. عُرفت بعبادتها العميقة، علمها الغزير، عطفها على الفقراء، وصبرها في مواجهة الشدائد، حتى أصبحت أنموذجاً خالداً للمرأة المسلمة ومثالاً يُحتذى في الجمع بين الإيمان والعمل، وبين المسؤولية الأُسرية والرسالة الاجتماعية.
في إيران، يُحتفل بميلادها المبارك باعتباره يوم المرأة ويوم الأم، حيث تُكرَّم النساء والأمهات تقديراً لدورهن في بناء الأُسرة والمجتمع. هذه المناسبة لا تقتصر على الطابع الديني، بل تحمل أبعاداً ثقافية واجتماعية، إذ تُقام فعاليات تكريمية وبرامج فنية وثقافية تُبرز مكانة المرأة في الحضارة الإسلامية.
وبهذه المناسبة، نُسلَّط الضوء على بعض البرامج الثقافية في هذا المجال وكذلك بعض الأعمال الفنية واللوحات التي تناولت شخصية السيدة فاطمة الزهراء(س)، حيث سعى الفنانون إلى تجسيد صورتها الروحية والإنسانية عبر الخط والرسم والزخرفة، لتبقى رمزاً حياً في الذاكرة البصرية والثقافية. هذه الأعمال تُظهر كيف أن الفن يسهم في تخليد سيرتها ونقل رسالتها إلى الأجيال الجديدة، لتظلّ المرأة والأم في المجتمع الإيراني امتداداً لقيمها ومثالها الرفيع.
«كوثر»
لوحة «كوثر» أو «الشفاعـة» تُعد من أعظم أعمال الفنان الإيراني محمود فرشجيان، أنجزه عام 2007م، بعد ستة أشهر من العمل، ويُعرض اليوم في متحف العتبة الرضوية المقدسة. تُجسد اللوحة مكانة السيدة فاطمة الزهراء(س) كرمز أبدي في الدين؛ حيث تظهر في محور العمل، يدها مرفوعة إلى السماء طلباً من الله، ويدها الأخرى ممتدة نحو المعذبين في النار رمزاً للشفاعـة. خلفها ثلاث نساء مقدسات: السيدة مريم، السيدة خديجة، وآسية زوجة فرعون، بأيدٍ مرفوعة نحو السماء. هذا العمل يعكس رحمة الزهراء ومقامها الروحي، ويُعد تجسيداً بصرياً عميقاً للثقافة الإسلامية.
كما أن هناك أيضاً لوحة أخرى بنفس الإسم للفنان الراحل حبيب الله صادقي والتي تم رسمها بتقنية الزيت على القماش.
«سبب الخلقة»
حسن روحالأمین، الفنان الإيراني المعروف بأعماله الدينية والطقسية، قدّم في ليلة ميلاد السيدة فاطمة الزهراء(س) لوحة بعنوان «بهانه خلقت» أي «سبب الخلقة». هذا العمل يُجسد لحظة ولادة السيدة الزهراء(س)، حيث تظهر في حضن النبي محمد (ص)، في مشهد يفيض بالروحانية والعاطفة، كما تم عرض اللوحة في العاصمة الفرنسية باريس أيضاً.
روحالأمین الذي كرّس العديد من أعماله لتصوير أهل البيت(ع)، أراد عبر هذه اللوحة أن يُبرز المقام السامي للسيدة فاطمة الزهراء(س) باعتبارها محوراً أساسياً في العقيدة الإسلامية، رمزاً لمكانتها الفريدة في عالم الإسلام.
اللوحة لا تقتصر على البُعد الفني، بل تحمل رسالة دينية عميقة، تؤكد أن ميلاد السيدة فاطمة الزهراء(س) يُمثل حدثاً كونياً يربط بين الرحمة الإلهية والإنسانية، ويجعلها أنموذجاً خالداً للأمومة والقداسة في الثقافة الإسلامية.
«نحو الملكوت»
أبدع الفنان الإيراني مهدي فرخي، من مركز الفنون التشكيلية في “حوزه هنري”، عمل فني بعنوان «سمت الملكوت» بمناسبة ميلاد السيدة فاطمة الزهراء(س) وتكريم مقام الأم. اللوحة، المنفذة بتقنية الأكريليك وبأبعاد 100×150 سم، تُظهر السيدة الزهراء(س) في مشهد روحاني حيث تتحول أجنحة الملائكة إلى خيمة تغطيها، في إشارة إلى مكانتها السماوية. يتدفق الماء من الأعلى إلى الأسفل كرمز لحوض الكوثر، ممتزجاً بأجنحة الملائكة ليعكس طبيعة وجودها المقدس. أمامها خمس زهرات نرجس، ترمز إلى أصحاب الكساء الخمسة، مما يمنح العمل عمقاً دينياً ورمزياً.
هذا العمل، الذي يأتي بعد لوحة فرخي السابقة «كوثر آفرينش»، يُجسد رؤية فنية تجمع بين الرموز القرآنية والروحية ليُبرز مقام السيدة فاطمة الزهراء(س) كأم، قدوة، ورمز للرحمة الإلهية.
برامج ثقافية
بمناسبة ميلاد السيدة فاطمة الزهراء(س)، أكدت ريحانة سلامي، رئيسة اللجنة المركزية لإحياء يوم المرأة والأم في مؤتمرها الصحفي يوم الثلاثاء الماضي على أن سيرة الزهراء(س) تُمثل النموذج الثالث للمرأة المسلمة؛ نموذج عالمي يمنح المرأة هويتها المستقلة بعيداً عن النظرتين الغربية والشرقية، ويجعلها محوراً في بناء الأُسرة والمجتمع. وأوضحت أن الزهراء(س)، الملقبة بـ«أُم أبيها»، جمعت بين أدوار البنت والزوجة والأم، لتكون قدوة للنساء عبر التاريخ، مشيرةً إلى أن هذا النموذج يظهر أيضاً في شخصيات مثل السيدة زينب والمعصومة وأم البنين سلام الله عليهم.
كما أعلنت هيئة التنسيق للدعايات الإسلامية عن إقامة احتفالات ميلاد السيدة الزهراء(س) في ملعب الشهيد شيرودي وحرم الإمام الخميني(رض) بطهران، داعيةً الشعب للمشاركة الواسعة تكريماً لدور النساء في صون الهوية الثقافية. وفي السياق نفسه، يُقام معرض «في إطار الجنة» في أكاديمية الفنون بطهران، بمشاركة أكثر من ألف عمل فني حول مكانة المرأة والأم، ويستمر من 11 حتى 24 ديسمبر.