جولة رئيس الجمهورية إلى قلب آسيا..

عزم حكومة «الوفاق الوطني» على التقارب مع الجيران

جرت جولة رئيس الجمهورية إلى كازاخستان وتركمانستان، البلدان المتوضّعتان في قلب آسيا، بناءً على سياسة توسيع العلاقات مع الدول الجارة؛ سياسة قد تغدو ترياقاً لعلاج أزمة العقوبات غير الشرعية وغير الإنسانية ضد الشعب الإيراني، وكما أكد الرئيس بزشكيان، فإن الماضي المجيد لدول المنطقة سيخلق مستقبلاً مشرقاً لها.

رئيس الجمهورية لدى عودته من هذه الجولة الإقليمية، ومع التأكيد على أن علاقاتنا مع الجيران تتعمق وتكتمل يوماً بعد يوم، قال: “نيتنا وهمّتنا تتمحور حول تطوير العلاقات مع دول المنطقة، وفي هذا السياق تم توقيع 14 وثيقة تعاون مشتركة مع كازاخستان وتم التوصل إلى تفاهمات جيدة، ستكون نتائجها الإيجابية لصالح إيران وكازاخستان وجميع دول المنطقة”. لاسيما أن توسيع العلاقات مع الجيران ودول المنطقة، هي إحدى المبادئ الأساسية في السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي رغم أنها كانت محل اهتمام في الحكومات السابقة أيضاً، إلا أنها منذ تولي الحكومة الرابعة عشرة، تم وضعها بشكل خاص على رأس جدول الأعمال.

 

في هذا السياق، يحتل تطوير التفاعلات مع دول آسيا الوسطى مكانة خاصة في السياسة الخارجية الإيرانية، حيث كانت العلاقات الثنائية بين إيران والدول الجارة والإقليمية دائماً قائمة، واستخدام إمكانيات هذه الدول وتوسيع مجالات التعاون، وزيادة حجم التبادلات، وتعزيز العلاقات الاقتصادية على جدول الأعمال، وبالتالي يمكن قراءة سفر رئيس الجمهورية إلى آسيا الوسطى في هذا الإطار نفسه.

 

خطوة حاسمة في طريق تعزيز التعاون الثنائي

 

صباح يوم الخميس المنصرم وبعد حفل الاستقبال الرسمي في قصر الرئاسة الكازاخستاني، وفي لقاء ثنائي مع نظيره، اعتبر الرئيس بزشكيان تعزيز العلاقات بين طهران وآستانا هام ومتنام في العديد من القضايا الإقليمية والعالمية، وأكد: “الدولتان تعاونتا جيداً في مجالات مختلفة سياسية واقتصادية وثقافية، ووصلتا إلى اتفاقيات قيمة أيضاً”.

 

وفي مؤتمر صحفي مشترك مع قاسم جومارت توكايف رئيس جمهورية كازاخستان، اعتبر السفر إلى هذا البلد خطوة حاسمة في طريق تعزيز التعاون الثنائي، وأكد: “كلا البلدين لديهما إرادة مشتركة وقوية لترقية مستوى العلاقات في جميع المجالات”.

 

إنشاء شبكة استثمار مستدامة بين إيران وكازاخستان

 

وفي اجتماع مشترك مع النشطاء الاقتصاديين الإيرانيين والكازاخستانيين، أعلن رئيس الجمهورية عن إنشاء شبكة استثمار مستدامة بين القطاعين الخاصين في إيران وهذا البلد، وقال: “تم إعداد خارطة طريق للعلاقات التجارية بين البلدين لترقية مستوى التجارة إلى سقف ثلاثة مليارات دولار وهي جاهزة للتنفيذ، ونأمل أن يستفيد الطرفان من قدرات القطاع الخاص أكثر من السابق”.

 

ومع الإشارة إلى العلاقات القريبة والمستدامة بين البلدين في منظمة شنغهاي للتعاون، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ومنظمة التعاون الإسلامي، وكذلك في مجال بحر قزوين، أعلن الرئيس بزشكيان “من الضروري مع استمرار هذا المسار، التركيز أكثر على تعزيز وتعميق التعاونات”.

 

كما وقع مسؤولو البلدين وبحضور رئيسيهما، 14 وثيقة ومذكرة تفاهم وتعاون في مجالات النقل والترانزيت، والتبادلات الثقافية، والمساعدة القانونية، والصحة والعلاج، والتفاعلات الدبلوماسية والإعلامية، وتم تبادل 8 وثائق منها بين الطرفين. كما وقع رئيس الجمهورية ورئيس جمهورية كازاخستان بياناً مشتركاً بين البلدين.

 

ماضٍ مجيد؛ مستقبل مشرق

 

في هذه الزيارة أيضاً، تم منح الدكتوراه الفخرية من جامعة نظرباييف الدولية لرئيس الجمهورية. وخلال كلمته أمام أساتذة وباحثين وطلاب هذه الجامعة، قال: “هذه الجامعة منذ سنوات طويلة تعد واحدة من أبرز المراكز العلمية في المنطقة في مجال العلوم الطبية، ولعبت دوراً هاماً في ترقية صحة شعب كازاخستان وتطوير المعرفة الطبية”.

 

كما زار رئيس الجمهورية، على هامش اللقاء الثنائي مع نظيره القزاقستاني، معرض الوثائق التاريخية الإيرانية حول آسيا الوسطى، ومنطقة سيرداريا العامة، وخانات كازاخستان.

 

لنقتلع جذور عدم الاستقرار

 

لكن مدينة أستانا لم تكن نهاية سفر رئيس الجمهورية إلى آسيا الوسطى؛ فقد توجه الرئيس بزشكيان عقب ذلك إلى تركمانستان وعاصمتها عشق آباد، وحضر المؤتمر الدولي للسلام والثقة، وألقى كلمة فيه. كما أجرى رئيس الجمهورية لقاءات مع «سردار بردي محمدوف» رئيس جمهورية هذا البلد.

 

وفي كلمته في المؤتمر الدولي للسلام والثقة، اعتبر الرئيس بزشكيان الدعم السياسي والعسكري غير المشروط من القوى المدعية لحقوق الإنسان للكيان الصهيوني، والشرعية الجائرة الممنوحة للصهاينة، مصدراً للعديد من الحروب والظلم في غرب آسيا، وقال: “اليوم أكثر من أي وقت مضى، نحن بحاجة إلى إعادة التفكير في مفهوم السلام؛ السلام لا يتحقق عبر زيادة الميزانيات العسكرية، ولا من خلال التحالفات الصلبة والدبلوماسية الاستعراضية، بل من خلال المواجهة واقتلاع جذور عدم الاستقرار”. وأضاف: “عندما يُستثنى فاعل واحد (الكيان الصهيوني) من الرقابة الدولية، تتعمق جذور الظلم، وتتلاشى جذور السلام المستدام”.

 

ازدحام دبلوماسي في عشق آباد

 

كما أجرى رئيس الجمهورية في عشق آباد لقاءات أيضاً مع قادة الدول الأخرى الحاضرة في الجلسة الدولية للسلام، من بينهم «نيو ساو» رئيس وزراء ميانمار، و«عبداللطيف رشيد» رئيس جمهورية العراق، و«شهباز شريف» رئيس وزراء باكستان، و«فلاديمير بوتين» رئيس جمهورية روسيا.

 

رئيس الجمهورية في لقائه مع نظيره الروسي، مع التأكيد على عزم طهران على تنفيذ «اتفاق التعاون الشامل الاستراتيجي» بين البلدين، قال: “نحن مصممون على تنفيذ هذا الاتفاق على أرض الواقع. في مجال الممر أيضاً، سيتم توفير الظروف الكاملة لتنفيذ هذا المشروع من جانب إيران بحلول نهاية العام، وبالتالي نتوقع من الجانب الروسي أيضاً تسريع وإنهاء عملية تنفيذ هذه الاتفاقيات”. في هذا اللقاء، وصف فلاديمير بوتين توقيع اتفاق التعاون الشامل الاستراتيجي بين البلدين بأنه نقطة تحول في العلاقات الثنائية، وقال: “طهران وموسكو في القضايا الدولية الحساسة، بما في ذلك الموضوع النووي الإيراني، على اتصال وثيق ومتقارب مع بعضهما البعض، ونحن ندعم إيران”.

 

اختلاف في الرأي حول طول سكة حديد رشت-آستارا

 

وفي اجتماع رئيس الجمهورية مع نظيره الروسي، كان هناك اختلاف في الرأي أيضاً بشأن طول سكة حديد رشت-آستارا؛ حيث أعلن الرئيس بزشكيان أن طول هذه السكة الحديدية يزيد عن 100 كيلومتر، وحاول بوتين تصحيح هذا القول وذكره بـ93 كيلومتراً. ومع ذلك، تمسك الدكتور بزشكيان برأيه وقال: “لا، أنا أتابع هذا الموضوع كل أسبوع، وهذا المسار بالضبط 106 كيلومترات”.

 

رئيس الجمهورية وفي تقريره النهائي عن نتائج جولته، أشار إلى لقاءاته مع قادة روسيا وباكستان والعراق وميانمار، وإلى حوارات قصيرة على هامش الاجتماع مع رؤساء جمهوريات أوزبكستان وقرغيزستان وطاجيكستان، وأكد: “في مثل هذه الجولات الإقليمية تتاح فرص جيدة للقاءات الدبلوماسية التي في الظروف العادية يجب إجراء عشرات الجولات لتحقيقها. هذه الجولة أيضاً أسفرت عن نتائج جيدة في مجال تعزيز علاقات الجوار”.

 

مع سفر رئيس الجمهورية لمدة ثلاثة أيام إلى دول كازاخستان وتركمانستان في قلب آسيا، والمشاورات الفعالة من أجل السلام والتعاون، تم طيّ صفحة أخرى من كتاب دبلوماسية حكومة الوفاق الوطني للتطوير وتعزيز العلاقات مع الدول الأخرى.

 

المصدر: الوفاق