إصدار كتاب «بهزاد، أبرز رسّامي المنمنمات الإيرانيين»

فن المنمنمات الإيراني.. مرآة التاريخ وروح الثقافة

يُمثل تاريخ المنمنمات في إيران مساراً غنياً ورحلة طويلة من الإبداع، تؤكد مكانة إيران كأحد أعظم مراكز الفن الإسلامي عبر العصور.

فن المنمنمات في إيران سجل بصري حي، يجسد التاريخ والروح الثقافية، ويعكس تفاعل الفن مع الدين والحياة اليومية.

 

صدر حديثاً عن دار نشر «كارنامه»، كتاب «بهزاد، سرآمد نكاركران ایران» أي «بهزاد، أبرز رسّامي المنمنمات الإيرانيين»، وهو عمل بحثي ضخم أنجزه الراحل عبادالله بهاري بعد أكثر من ثلاثة عقود من الدراسة حول أعمال كمال الدين بهزاد، أحد أبرز فناني المنمنمات في تاريخ الفن الإسلامي.

 

هذا الإصدار الفارسي المستقل، الذي يضم 320 صفحة ملونة و160 منمنمة موثقة، يُعد مناسبة مهمة للعودة إلى تاريخ فن المنمنمات في إيران واستعراض مساره عبر العصور .بهذه المناسبة نتطرق في هذا المقال إلى تاريخ فن المنمنمات في إيران بصورة موجزة.

 

تاريخ فن المنمنمات في إيران

يُعد فن المنمنمات في إيران مرآةً لتاريخها الثقافي، إذ تجاوز حدود الزخرفة ليصبح سجلًا بصريًا يعكس روح العصر. تمتد جذوره إلى الحضارات الإيلامية والاخمينية والساسانية، حيث زُخرفت الجدران والأواني بمشاهد دينية وملكية. ومع دخول الإسلام، برز فن الخط والتذهيب قبل أن يزدهر التصوير في المخطوطات.

 

في العصر السلجوقي اتسم بالبساطة، بينما شهد الإيلخاني تلاقحًا مع الفنون الصينية وإنتاج أعمال ضخمة. أما مدارس شيراز وتبريز فقد مهّدت لعصر تيموري ذهبي في هرات مع كمال الدين بهزاد. وفي العصر الصفوي بلغ الفن ذروة مجده، فيما أدخل القاجاريون تأثيرات أوروبية مع استمرار الفن الشعبي.

 

الجذور قبل الإسلام

يعود فن التصوير في إيران إلى ما قبل الحقبة الإسلامية، حيث ظهرت النقوش في الحضارات الإيلامية والأخمينية والساسانية. كانت هذه الأعمال وسيلة لتوثيق الطقوس الدينية والانتصارات العسكرية، كما في نقوش تخت جمشيد وطاق بستان التي أبرزت عظمة الملوك وقوة الدولة. هذا الإرث البصري مهّد الطريق لتطور المنمنمات لاحقاً.

 

بدايات العصر الإسلامي

مع دخول الإسلام، واجه الفنانون قيوداً على تصوير الكائنات الحية، فاتجهوا إلى الخط والتذهيب. لكن سرعان ما عاد التصوير ليزدهر في المخطوطات العلمية والأدبية. برزت مدرسة بغداد، حيث ساهم الفنانون الإيرانيون في تطوير أسلوب بسيط وخطي، ثم ظهر أسلوب خراسان الذي شكّل جسراً بين الفنون القديمة والمنمنمات الإسلامية.

 

العصر السلجوقي والإيلخاني

في العصر السلجوقي، ارتبط فن المنمنمات بالكتاب المصوّر، وتميز بالبساطة والحيوية. أما الإيلخانيون فقد أدخلوا عناصر صينية وآسيوية، مما أضفى تنوعاً على الألوان والفضاءات. من أبرز إنجازاتهم شاهنامه دموت وجامع‌التواریخ، اللذان جمعا بين التاريخ المحلي والعالمي.

 

المدارس الإقليمية والتيمورية

بعد الإيلخانيين ظهرت مدارس محلية في شيراز وتبريز؛ امتاز فن شيراز بالبساطة والألوان المشرقة، بينما اتسمت أعمال تبريز بالدقة والتنظيم. وفي العصر التيموري، بلغت المنمنمات ذروة الإبداع في هرات، بقيادة كمال الدين بهزاد الذي جسّد الحياة اليومية والقصص البطولية والعاطفية بمهارة فائقة.

 

العصر الصفوي

مع الصفويين ازدهرت المنمنمات بدعم الملوك، خاصةً في تبريز وأصفهان. تميزت أعمال هذا العصر بالثراء البصري والدقة، وأبرزها شاهنامه شاه طهماسب. لاحقاً أسس رضا عباسي مدرسة أصفهان، التي ركزت على المشاهد الفردية والشاعرية، مع استخدام الضوء واللون بأسلوبٍ رقيق.

 

العصر القاجاري

في الحقبة القاجارية تأثر الفن بالأساليب الأوروبية مثل المنظور والظل، لكنه لم يفقد هويته. وبرز فن القهوة‌خانه الشعبي، الذي جسّد الملحمة والشعائر الدينية على لوحات كبيرة، مما جعله وسيلة لنقل الثقافة إلى عامة الناس.

 

رحلة طويلة من الإبداع

يُمثل تاريخ المنمنمات في إيران مساراً غنياً ورحلة طويلة من الإبداع، تبدأ من النقوش الحجرية القديمة وصولاً إلى المدارس الصفوية والقاجارية. هذا الفن لم يكن مجرد زخرفة، بل سجل حيّ لتاريخ الأمة، يعكس تفاعلها مع الدين والسياسة والثقافة، ويؤكد مكانة إيران كأحد أعظم مراكز الفن الإسلامي عبر العصور.

 

 

 

المصدر: الوفاق