اجتماع طهران لدول الجوار الأفغاني..

إرساء التقارب الإقليمي بعيداً عن التدخل الأجنبي

الوفاق- بمبادرة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبهدف تعزيز الحوار الإقليمي البنّاء بعيداً عن التدخلات الأجنبية، انعقد في العاصمة طهران أول اجتماع للممثلين الخاصين لدول جوار أفغانستان تحت عنوان "مراجعة التطورات في أفغانستان"، بحضور الممثلين الخاصين لدول باكستان وروسيا والصين وطاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان، ويُعتبر هذا الإجتماع الأول من نوعه لجيران أفغانستان. وإنطلق بكلمة من قبل وزير الخارجية السيد عباس عراقجي.

قبل هذا الإجتماع المفصلي، كان هناك مسار آخر على مستوى وزراء خارجية دول جوار أفغانستان بالإضافة إلى روسيا، وكان قد إنطلق منذ نحو عامين ولم يستمر حتى الآن، ويمكن القول بوضوح إنه “دخل في غيبوبة”.

 

مستوى المشاركين في إجتماع طهران يُظهر أهميته؛ لا سيما أن كل من روسيا وأوزبكستان مشاركتان على مستوى ممثلي رئيس الجمهورية، وباكستان على مستوى ممثل رئيس الوزراء، والدول الأخرى على مستوى ممثلي وزارة الخارجية.

 

الحوار وتبادل الآراء حول التطورات المتعلقة بأفغانستان، في وقت بلغ فيه التوتر بين أفغانستان وباكستان أعلى مستوياته في السنوات الأخيرة، وبحسب تعبير “شهباز شريف” رئيس وزراء باكستان، فإن وقف إطلاق النار بين البلدين هش جداً، وإن لم يكن هذا المحور الوحيد للاجتماع، إلاّ أنه أهم محور لمباحثات المسؤولين من الدول المشاركة.

 

مبادرة إيرانية بعد فشل المبادرات القطرية والتركية والسعودية

 

لا تزال دول المنطقة والدول الغربية تختلف اختلافاً شاسعاً حول نوع الحكم في أفغانستان وعلاقاتها مع الحكومة القائمة في كابول، وهذه الخلافات إلى جانب النظرة الأمنية السائدة تجعل الوصول إلى صيغة صحيحة لحلّ المشكلات المرتبطة بأفغانستان أمراً شائكاً.

 

الاشتباكات والتوتّرات المتفرقة مع باكستان في الأسابيع والأشهر الأخيرة فاقمت هذه الصعوبة وحوّلت أفغانستان إلى عقدة جيوسياسية إقليمية. عقدة يتطلّب فكّها أولاً إنهاء الاشتباك العسكري مع إسلام آباد. فشل جولتين من المفاوضات بين ممثلي باكستان وأفغانستان بوساطة قطر وتركيا والسعودية في الأشهر الأخيرة يدلّ على تعقيد التوتر والعلاقات بين إسلام آباد وكابول. منذ بداية تصاعد هذا النزاع القديم بين البلدين، سعت طهران إلى منع توسّعه وتفاقمه.

 

خلال الأسابيع الماضية، أجرت السلطات الإيرانية مشاورات واسعة مع مسؤولي البلدين، وحذّرت طهران في كل حوار ولقاء من تبعات أي انعدام أمن في المنطقة، وحثّت الطرفين على الحوار للوصول إلى حل منطقي.

 

رغم أن اجتماع طهران بحضور دول جوار أفغانستان والدول الإقليمية لا يُعتبر اجتماعاً وساطياً، وأن إيران رغم كل جهودها لتخفيف التوترات ليست وسيطاً رسمياً بين الطرفين، إلاّ أن مثل هذا الاجتماع للمشاورات المتعددة الأطراف بهدف تقليل احتمال تصعيد الاشتباك بين البلدين لا غنى عنه. حضور الممثلين الخاصين للصين وروسيا في شؤون أفغانستان معاً في اجتماع طهران يُعتبر مهماً، لأن الصين أجرت مشاورات واسعة واستشارات منتظمة مع الممثلين الخاصين لباكستان حول التطورات الأمنية في المنطقة، خاصة التهديدات الناجمة عن الجماعات الإرهابية المتمركزة في أراضي أفغانستان، وهو ما يمكن أن يساهم في توضيح نظرة باكستان ويُرشد إلى الوصول إلى صيغة سلمية.

 

ترحيب باكستاني

 

في هذا الاجتماع، وبحسب تصريح «حافظ ضياء أحمد تكل» رئيس الإعلام والعلاقات العامة في وزارة خارجية طالبان، لا يشارك أي مسؤول من أفغانستان، وتفضل طالبان متابعة تفاعلاتها الإقليمية عبر المنظمات الإقليمية والصيغ والآليات الثنائية. أما «طاهر حسين أندرابي» المتحدث باسم وزارة خارجية باكستان فقد قال “إن إسلام آباد ترحب بوساطة إيران، وترى طهران حتى في موقع أفضل لهذا الدور”.

 

جذور التوتر بين أفغانستان وباكستان قديمة وبعضها أيديولوجي، لكن محاوره الرئيسية تشمل التحديات الحدودية غير المحلولة (خاصة خط ديورند)، وعدم الثقة المتبادل بين طالبان والسلطات الباكستانية، ووجود وتأثير قوى خارجية وجماعات غير حكومية، وأخيراً المنافسات الاقتصادية للأيدي الدخيلة في المنطقة التي لا تسمح للبلدين بتذوق طعم الاستقرار والسلام، فتتكرّر إثر ذلك التوترات في فترات متعاقبة. يبدو أن هذه التوترات الجذرية لن تقل إلاّ بحلّ أساسي للمشكلات الحدودية والوصول إلى نظرة مشتركة في توفير الأمن.

 

أهمية أمن دول الجوار الشرقية لطهران

 

ولابد من الإشارة وسط هذه التطوّرات الى أن الحدود الشرقية لإيران، حتى لو لم يكن فيها توتر أو نزاع عسكري، كانت دائماً لـ “أسباب تاريخية” وأخرى أمنية من بينها مسألة “تهريب المخدرات” والمسائل الاقتصادية وحتى الثقافية منطقة تغصّ بالتحديات ومصدر تهديد. مع ما سلف ذكره، من الطبيعي أن ترفض طهران أي انعدام أمن غير متوقع، خاصة من النوع العسكري بالقرب من حدودها الشرقية.

 

في خضمّ التوتّر العسكري المحدود بين اسلام آباد وكابول الذي شهدته الأشهر الأخيرة، توقّفت التفاعلات الاقتصادية البالغة ملياري دولار بين باكستان وأفغانستان، مما ألحق ضرراً بالاقتصاد الأفغاني غير القوي، الأمر الذي أفضى الى حدوث موجة أكبر من اللاجئين نحو حدود إيران. حالياً، لا توجد في أفغانستان حكومة مركزية قوية بمعايير دولية، مما يصعب على طهران إدارة التحديات مع طالبان، ويبدو أن إيران تدرس المسارات المتاحة للتواصل المنطقي مع هذه الحكومة.

 

أي انعدام أمن في الحدود الشرقية غير مقبول لطهران التي سعت في الأسابيع الأخيرة إلى استئناف خط الشحن ITI، ويضع هذا اجتماعات الأسابيع الأخيرة لاستكمال وتوسيع خطوط الاتصال بين أوروبا وآسيا الوسطى تحت الخطر. من جهة أخرى، هناك ملفات مفتوحة بين إيران وأفغانستان مثل حقوق المياه والمهاجرين يجب حلها بأكثر الطرق منطقية في ظل الأمن. كما أن طهران ترى أي انعدام أمن في المنطقة يعني وجود قوى خارج المنطقة وتعارضه. أحد أهم دوافع طهران في عقد الاجتماعات المتعددة الأطراف الإقليمية هو خلق تقارب بين الدول لدرء التدخّلات الأجنبية.

 

الجيران الحلّ الأمثل والأكثر موثوقية

 

في السياق، قال عراقجي في كلمة له خلال الاجتماع: لا يمكن لأي وصفة عابرة للأقاليم أن تحلّ المشاكل والأزمات الإقليمية، ولن تُفضي الوصفات المستوردة والقرارات العابرة للأقاليم إلى الاستقرار في أيّ بلد.

 

وأضاف وزير الخارجية: استناداً إلى التجربة، يمكن أن يكون الجيران الحل الأمثل والأكثر موثوقية، ولهذا السبب، لطالما أكدت الجمهورية الإسلامية الإيرانية على أهمية دور الجيران في كل مبادرة تتعلق بأفغانستان. وقال: إن مشاركتكم في هذا الاجتماع دليل واضح على عزمنا المشترك على تعزيز السلام والاستقرار والازدهار في المنطقة. إن أفغانستان أرض وشعب نبيل يتمتّع بقدرات لا مثيل لها، وقد لعبت دوراً محورياً بين المناطق المجاورة عبر التاريخ ولديها إمكانيات هائلة في المجالات الاقتصادية والإنسانية والنقل والطبيعية.

 

وأضاف عراقجي: إن الموقع الجيواقتصادي لأفغانستان يضعها في قلب شبكات الاتصال في آسيا الوسطى وغرب آسيا وجنوب آسيا. ولذلك، فإن استقرار أفغانستان وتنميتها ليسا مجرّد ضرورة إنسانية، بل هما أيضاً ضرورة استراتيجية للمنطقة بأسرها.

 

أهمية التقارب وتحسين الأوضاع العامة للمنطقة

 

وتابع قائلاً: لقد أظهرت تجربة العقود القليلة الماضية بوضوح أن الأمن والتنمية والازدهار في أفغانستان مرتبطة ارتباطاً مباشراً بمصالح جميع الدول المجاورة؛ لذلك، ليس من المبالغة القول، كما قال إقبال لاهوري، الشاعر الباكستاني الناطق بالفارسية، إن مستقبل منطقتنا المشترك مرتبط بمستقبل أفغانستان.

 

وتابع قائلاً: يهدف هذا الاجتماع إلى التشاور والنقاش مع دول المنطقة حول إحدى أهم القضايا فيها وهو يُعقد لأول مرة على هذا المستوى. ومن الطبيعي أن يكون التركيز على أهمية التقارب وتحسين الأوضاع العامة للمنطقة في مواجهة التحديات القائمة محور اهتمام الدول المشاركة في هذا الاجتماع.

 

وأضاف: إن إرساء الاستقرار والأمن في المنطقة، والعمل على دمج أفغانستان في العمليات السياسية والاقتصادية للمنطقة والاهتمام بالالتزام والمسؤولية الجماعية وفي نهاية المطاف بناء الثقة في العلاقات بين مختلف البلدان بناءً على سلوك هذه البلدان، هي من بين القضايا التي يمكن أن تكون بناءة في تشكيل توافق عام في المنطقة.

 

إيران تؤكد دائماً على مركزية دور الجيران في أي مبادرة

 

وتابع عراقجي قائلاً: “يمكن أن يكون الجيران الحل الأمثل والأكثر موثوقية. وعليه، لطالما أكدت الجمهورية الإسلامية الإيرانية على مركزية دور الجيران في كل مبادرة تتعلق بأفغانستان وتؤمن بأن الدول المجاورة التي تربطها بأفغانستان علاقات تاريخية وثقافية وإنسانية واقتصادية عميقة يجب أن تلعب دوراً أساسياً في تيسير عمليات التعاون”.

 

وأضاف: “إن إنشاء آليات حوار منتظمة بين دول الجوار الأفغانية ضرورة استراتيجية؛ فهذه الاجتماعات توفر فرصة لتنسيق السياسات والبرامج الاقتصادية والحدودية والإنسانية وتعزيز التفاهم المتبادل وتقارب وجهات النظر بين دول المنطقة.

 

وتابع قائلاً: “يُعدّ تعزيز التفاعل والتقارب بين دول المنطقة عاملاً أساسياً لتحقيق سلام دائم واستقرار طويل الأمد وهو أمر بالغ الأهمية ويمكن أن يُشكّل أساساً للتنسيق الاستراتيجي والاستخدام الأمثل للقدرات المشتركة.

 

واکد: تقف منطقتنا على أعتاب تطورات اقتصادية هامة، بدءاً من توسيع الممرات الاقتصادية وصولاً إلى إنشاء محاور جديدة للطاقة والتجارة واليوم، نحن على مفترق طرق قد يكون بداية مرحلة جديدة في التعاون الإقليمي.”

 

المصدر: الوفاق