وتأتي هذه المبادرة في سياق متنام لإعلان نهاية عصر “الأمن المستورد”، وتعكس تحولا في الرؤية الإقليمية من بديل الاعتماد على الحلول الخارجية بعد فشل التجربة الغربية في إرساء الاستقرار في أفغانستان، وسط مساعٍ جادة من الدول المجاورة لتقديم نموذج قائم على الحلول الامنية والتنموية الإقليمية.
الانتقال من “الأمن المستورد” الى “الأمن الذاتي الإقليمي”
وأكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن “أمن أفغانستان وتنميتها مرتبطان ارتباطا مباشرا بمصالح جميع جيرانها”، مشيرا الى ان تجربة الوجود العسكري الغربي (الناتو وأمريكا) لم تفشل في جلب الاستقرار فحسب، انما خلفت فراغا امنيا خطيرا بعد الخروج المفاجئ للقوات الأمريكية والناتو.
ورأى عراقجي ان هذا الفراغ الامني لا يمكن سده إلا عبر تعاون جماعي إقليمي،مؤكدا على انه يُنظر الآن الى الجيران كأطراف طبيعية وموثوقة لمعالجة الأزمات الأفغانية، انطلاقًا من الروابط التاريخية والاقتصادية والثقافية.
غياب طالبان رسالة مثيرة للتساؤلات
لكن الاجتماع شهد غيابا لافتا لوفد حكومة طالبان، رغم توجيه دعوة رسمية لها. وبرّرت كابل غيابها بأن علاقاتها الثنائية مع إيران “في أفضل حالاتها”، وهو موقف اعتبره مراقبون تفضيلا للانخراط الثنائي على المشاركة في الآليات الجماعية ما يطرح تساؤلات حول استعداد طالبان لتقبل قواعد الدبلوماسية الإقليمية.وبالتالي فإن غياب طالبان عن محفل يضم قوى كبرى مثل روسيا والصين يُضعف مصداقيتها كشريك إقليمي مسؤول.
إدارة التوترات على الحدود الشرقية
ويكتسب الاجتماع أهمية خاصة في ظل تصاعد التوترات بين أفغانستان وباكستان على خلفية الخلافات الحدودية والاتهامات المتبادلة بدعم الجماعات المسلحة. وقد شكل اللقاء منصة غير رسمية لتبادل وجهات النظر وتخفيف الاحتقان، خاصة مع حضور ممثل خاص لرئيس الوزراء الباكستاني.
وبدورها إيران، التي تستضيف ملايين اللاجئين الأفغانيين وتكافح التهريب والإرهاب، لا يمكنها أن تبقى محايدة تجاه أي تصعيد على حدودها الشرقية وتسعى لمنع تحويل الخلافات الحدودية الى حروب بالوكالة.
الاقتصاد كمحرك للأمن
وفي سياق متصل،ونظرا لان افغانستان تُعد حلقة وصل استراتيجية بين آسيا الوسطى والمياه الجنوبية عبر ايران، فقد ركّزت المناقشات على ربط الأمن بالتنمية الاقتصادية، حيث دعت إيران ودول آسيا الوسطى الى دمج أفغانستان في مشاريع البنية التحتية العابرة للحدود، مثل ممرات النقل والطاقة، مشترطة توافر بيئة أمنية مستقرة والتزام حكومة كابل بالتعهدات الدولية.
اختبار لمبدأ “الحلول الإقليمية للمشاكل الإقليمية”
ويرى محللون أن هذا الاجتماع يُعد خطوة عملية لتطبيق رؤية إيران الدبلوماسية القائمة على الحوار بدل المواجهة. وعلى الرغم من الخلافات مع جارتها افغانستان في قضايا مثل حقوق ايران المائية ، الا ان ايران تُظهر التزامها بالتعاون الإقليمي.
وأن غياب طالبان رغم أهميته لم يُضعف إرادة الجيران في التنسيق. بل على العكس، فقد أرسل الحضور القوي من الصين وروسيا وجمهوريات آسيا الوسطى رسالة اعتراف واضحة بدور إيران المحوري في ملف أفغانستان.
تحدي مُوجّه إلى طالبان
والآن، تبقى الكرة في ملعب كابل؛ إما أن تختار الاندماج في الفضاء الإقليمي وتنفتح على مسؤولياتها كطرف فاعل، أو تواصل مسار العزلة، مخاطرةً بخسارة الفرص الاقتصادية وزيادة التوترات الأمنية التي قد تهدد بقاء نظامها الهش.
المصدر: جريدة إيران،15 كانون الاول/ديسمبر 2025