خاص للوفاق:

ما هي أهداف إسرائيل من المشروع الإبراهيمي؟.. يجب أن تستنفر الأمة !

الأهم هو اللعب على إيمان شعوب المنطقة، بتعميم ثقافة وحدة الأديان عبر تثبيت الفكرة الإبراهيمية. مما يجعل إسرائيل تظهر ككيان حقوقي ديني إيماني توحيدي متجانس مع الإسلام، لا بل له الأسبقية عليه من الناحية الإبراهيمية

2023-03-13

  بقلم الدكتور عباس مزهر

رئيس مركز الأبحاث والدراسات الأنتروستراتيجية

 

الإبراهيمية مصطلح ديني عقائدي يعود إلى النبي إبراهيم(ع)، وتمّ استخدامه في السياسة للدلالة على إتفاقيات السلام والتطبيع بين إسرائيل والدول العربية الراغبة بإقامة علاقات واسعة معها.

 

إسرائيل وإتفاقيات السلام

تُطلق تسمية الاتفاقيات الإبراهيمية على مجموعة من اتفاقيات السلام التي عُقِدت بين إسرائيل ودول عربية برعاية الولايات المتحدة.وقد استُخدم الاسم لأوّل مرة في بيان مشترك بين إسرائيل الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة، “في 13 أغسطس 0202”. وفيما بعد تمّ استخدامه لاحقًا للإشارة بشكل جماعي إلى اتفاقيات السلام الموقعة بين “إسرائيل والإمارات العربية المتحدة وبين إسرائيل والبحرين”.

لذلك سُمّيت اتفاقية السلام بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل رسميًّا باسم معاهدة “اتفاق إبراهيم للسلام”، كما أطلق هذا المسمّى على اتفاقية السلام الموقّعة بين البحرين وإسرائيل، وهما “الاتفاقان اللذان رعتهما الولايات المتحدة وأعلنت عنهما في 11 سبتمبر 2020”.

 

لماذا التسمية بإبراهيم(ع)؟

وقد نُسِبت الاتفاقيات الإسرائيلية العربية إلى النبي إبراهيم(ع)، المُلقّب بأبي الأنبياء، باعتباره شخصية إجماعية للأديان الثلاثة: اليهودية، والمسيحية، والإسلام. “وينتسب إليه اليهود من ولده إسحاق(ع)، بينما ينتسب إليه العرب بنبيّهم محمد(ص) عبر ولده إسماعيل، وينتسب إليه المسيح(ع) عبر أمّه مريم، وترجع إليه الديانات السماوية الثلاثة: اليهودية والمسيحية والإسلام، إذ تُسمى بالديانات الإبراهيمية”.

 

تأسيس دين جديد

ظهر مصطلح الدين الإبراهيمي في الخمسينيات من القرن الماضي، وانتشر استخدامه تدريجيًّا من خلال المنشورات الأولى التى نشرها الكاهن اللاهوتي يواكيم مبارك، تلميذ ماسينيون، حيث تحدث عن الدين الإبراهيمي بصيغة المفرد ليشير إلى الإسلام.

بعد ذلك، بين عامي 1930-1970، انتشر المصطلح بصيغة الجمع ليدلّ على الأديان الثلاثة التوحيدية، وليُنظر من خلال التسمية إلى إبراهيم(ع) على أنه الشخص الأول الذى بدأ بمعرفة الله دون تلقّي أيّ وحي خاص منه، إلى أن شاهد رؤيا تتمثّل بذبح ابنه قربانًا إلى الله، حيث أوحى إليه أنْ يستبدله بكبش فداء.

ولا زالت التسمية تستخدم اليوم ولكن لغايات براغماتية أكثر منها تاريخية، وذلك لتأكيد الروابط العميقة بين الأديان الثلاثة، وكذلك فى سياق الحوار بين الأديان. لكنّ التسميّة توّجت اليوم الاتفاقيات الإسرائيلية العربية برعاية أميريكية، فصار لها بُعدًا جيوسياسيًّا تتحدّد وفقه المصالح البرغماتية والسياسية والاستراتيجية للدول، بعد أنْ كان مسحورًا بالبُعد العقائدي الديني للشعوب.

ونلاحظ في الاتفاقيات الإبراهيمية وجود الثالوث الديني الإبراهيمي بين أطرافها: إسرائيل (اليهودية)، والولايات المتحدة الأميريكية (المسيحية)، والدول العربية (الإسلامية). وبذلك تمّ تسييس الإبراهيمية ليتمّ استخدامها في الهندسة الجيوستراتيجية والرؤى الجيوبوليتيكية في الشرق الأوسط.

 

مراكز ومؤسسات

ولتحقيق هذه الغاية تمّ إقامة مراكز ومؤسَّسات وبرامج “الدبلوماسية الروحية”، كالجمعيتَين اللتِين يقودهما طوني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق المعروف بولائه لـ”إسرائيل”، الأولى في أفريقيا والأخرى في الشرق الأوسط. وهاتان الجمعيتان تدربان الكوادر الشبابية للترويج لهذا المشروع.

أمريكا والمشروع الإبراهيمي

كما يدرس هذا الفكر في الجامعات الأميركية، ومنها جامعتا فرجينيا وبنسلفانيا. وعلى المستوى الحكومي أسَّست الإدارة الأميركية الديموقراطية إدارة خاصة في وزارة الخارجية منذ العام 2013، أي تحت رعاية هيلاري كلينتون، تحت عنوان “الحوار الاستراتيجي مع المجتمع المدني”، وتضم هذه الإدارة مئة شخصية، منها 50 دبلوماسياً و50 من الرؤساء الروحيين المؤثرين، المسلمين والمسيحيين واليهود، لتقديم المشورة للدبلوماسيين لتحقيق أهداف مشروع الدبلوماسية الروحية.

 

الدبلوماسية الروحية

رعاية “الدبلوماسية الروحية” من قبل المؤسَّسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، باعتبار أن “السلام الديني” يسمح بالتنمية المستدامة، ويقاوم الفقر في الدّول التي لا تمتلك التكنولوجيا الضروريّة للتنمية. كما انطلقت أيضاً مشاريع سياحيَّة تحت اسم “مسار إبراهيم” في الدول ذات الصلة، وهو عبارة عن مسارات تشكّل مقاطع لمسار واحد طويل، وهو مسار يزعم أن إبراهيم الخليل مشى فيه. ينطلق المسار من تركيا، وبعضهم يقول من العراق، ويمرّ في سوريا ولبنان وفلسطين، ليصل إلى مكة والمدينة المنورة، ففي الضفة الغربية، يُسمى مسار “إبراهيم الخليل”، وفي “إسرائيل” يسمى “مسار إبراهيم”، حتى أصبح جزءاً من هذه المسارات يستقطب السياحة الدولية بالفعل.

منهج الصهيونية الإسلامية

ومن المتوقّع أن ينتج عن “الدبلوماسية الروحية الإبراهيمية” منهج الصهيونية الإسلامية، على غرار الصهيونية المسيحية، حيث يدافع عن العلاقات الروحية الدبلوماسية مع إسرائيل، ويبرّر وجودها ويشرّع مشاركتها الحياة، خاصة في الدول التي عقدت الاتفاقيات الإبراهيمية معها.

هذا ما سيغيّر ثقافة المنطقة ويُعيد الزمن الاجتماعي فيها إلى الإبراهيمية التي لها الأسبقية على الأديان السماوية الثلاثة، حيث لا يوجد فيها إلا اليهودية. بمعنى آخر تهدف الإتفاقيات الإبراهيمية إلى تهويد الثقافة والإيديولوجيا وإلغاء خصوصية الأديان، وبالتالي تكريس قوة وسيطرة إسرائيل على المنطقة وتزايد نفوذها في العالم.

وهكذا نرى أنّ فكرة الاتفاقيات الإبراهيمية تنطلق من منشأ الميتولوجيا السياسية الإسرائيلية وتتوافق مع المنهج الميتوبوليتيكي الإسرائيلي، وتكرّس الوجود الإسرائيلي في المنطقة والعالم على مبدأ إبراهيمي يشرّع وجودها ويمنحها المبرّر التوسّعي على حساب جغرافيّات المنطقة العربية، مشفوعًا بالدبلوماسية الروحية المستوحاة من النزعة الإبراهيمية في العلاقات بين الدول التي تدين بالإسلام والمسيحية إضافة إلى اليهود.

 

رؤية إسرائيلية

وتسعى إسرائيل وفق رؤية جيوبوليتيكية عقائدية إلى تشكيل الدولة الفدرالية الموعودة مع الدول العربية من خلال الاتفاقيات الإبراهيمية، والتي أعدّتها وزارة الخارجية الأميريكية، بحيث تشمل الدول العربية الممتدّة من الفرات إلى النيل (مصر، الأردن، فلسطين، سوريا، لبنان، العراق)، وتتعدّاها إلى بلاد الحجاز (الأمارات العربية، السعودية، اليمن، قطر)، وبلاد الحبشة (السودان، جيبوتي، ليبيا)، والمغرب العربي (تونس، الجزائر، المغرب)، والتي يدّعي اليهود وجودًا تاريخيًّا لهم فيها. وهذا ما سيشكّل مشروع “الولايات الإبراهيمية المتحدة”، كفدرالية تقودها إسرائيل وتسيطر عليها، أي أنها أكثر اتساعاً حتى من “حدود النيل إلى الفرات”، على أن تكون القيادة الفدرالية لـ”إسرائيل”، وتكسب شرعية ذلك من امتلاكها التكنولوجيا الضرورية لاستخدامها في جهود تطوير الشرق الأوسط، وتساعدها في ذلك تركيا لقدرتها على استيعاب المعارضة الإسلامية الإخوانية، التي قد تعارض القيادة الإسرائيلية للمشروع. وقد أصدرت جامعة هارفرد وثيقة بهذا الخصوص سُمّيت “مسار إبراهيم” في العام 2013، وتبعتها جامعة فلوريدا، وتناولت وثيقتها مشروع “الاتحاد الفدرالي الإبراهيمي” في العام 2015.

 

إسرائيل ودول الخليج الفارسي

وقد تمخضّت الاتفاقيات الإبراهيمية بين إسرائيل ودول الخليج الفارسي عن منطلق وحدة التهديد أو التحدي المتمثل في دولة إيران، إضافةً إلى الفصائل الفلسطينية المُسَلَّحة التي يصنِّفها طرفا الاتفاق ضمن مُسَمَّى “جماعات إرهابية”، وكذلك النظام السوري الذي يشكل رأس حربة محور المقاومة ضد إسرائيل، وتحالفه مع تنظيم حزب الله اللبناني وأنشطته العسكرية في لبنان وسوريا والعراق واليمن، والتمدد التركي الذي يمثل رافِدًا وحليفًا لانتشار الإسلام السُّنِّي المعتدل الذي يُعَدُّ عَدُوًّا لهما.

ومن منطلق وحدة التحدي يكون الاتفاق أو “التحالف” فرصة لتجسيد الأهداف المتقاربة. ونظرًا لخصوصية البيئة العربية التي تَشَكَّل وعـيُها الجَمْعِيُّ على العداء العميق لإسرائيل باعتبارها كيانًا محتلًّا للأراضي الفلسطينية، فإنَّ إقناع الشركاء بسلامة الخيار يفترض الترويج لأهداف سامية من قبيل إحلال السلام في الشرق الأوسط، وإنقاذ الأراضي الفلسطينية من خطر الضم، وتحقيق السعادة للشعب العربي من خلال الرَّخاء المُزمَع تحقيقه من هذا الاتفاق.

والأهم هو اللعب على إيمان شعوب المنطقة، بتعميم ثقافة وحدة الأديان عبر تثبيت الفكرة الإبراهيمية. مما يجعل إسرائيل تظهر ككيان حقوقي ديني إيماني توحيدي متجانس مع الإسلام، لا بل له الأسبقية عليه من الناحية الإبراهيمية. فإذا تعزّز المفهوم الإبراهيمي في المنطقة سوف يتكرّس معه وعد الله لإبراهيم بمنحه أرض فلسطين، وبذلك تقتنع شعوب المنطقة بهذا الحقّ اليهودي، تزامنًا مع الترويج لفكرة أبناء العمومة بين اليهود والعرب.

 

ظواهر و بواطن المشروع

 

تبدو الاتفاقية في ظاهرها خادمة للقضية الفلسطينية، باعتبار فلسطين طرفًا في الصراع الممتد في الشرق الأوسط؛ كما تبدو داعمة لمساعي السلام الإقليمي.

وقد لاقت ترحيبًا من الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، الذي عَدَّها خطوة تاريخية تُسهِمُ في تعزيز السلام والأمن في الشرق الأوسط، فيما اعتبرتها كُلٌّ من بريطانيا وفرنسا دفعة ضرورية لتحقيق السلام على ألَّا يستمرَّ ضَمُّ الأراضي في الضفة الغربية. إلَّا أنَّ الاتفاقية في باطنها تحمل مشروع تصفية القضية الفلسطينية، وخنق المجال الحيوي لإيران، وإجهاض مشروع الإسلام الإخواني من البوابة التركية، وهذا سيؤدّي إلى تعميق الصراع الذي سينفجر تهديدًا لأمن المنطقة برمتها، خاصة مع رفض دول محور المقاومة للاتفاقيات الإبراهيمية ومواجهتها.

خاصةً أنّها ستبرّر الوجود الإسرائيلي في المنطقة، وتُنهي كل مفاعيل القضية الفلسطينية المركزية للمسلمين والعرب، حيث تقرّر “أن يأخذ الفلسطينيون المقترحات ويوافقون على القدوم إلى طاولة المفاوضات، أو الصمت والتوقف عن الشكوى”، وفي ذلك إِقرارٌ ضِمنِيٌّ بأنَّ استمرار الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين لم يَعُدْ عقبة ضد التطبيع، ولا ضد عقد الاتفاقيات الإبراهيمية.

لذلك يجب أن تستنفر الأمّة جمعاء لمواجهة هذا المخطّط الصهيوني، الذي يهدف إلى تدمير الإسلام وكل الديانات الأخرى، وجعل الفكر اليهودي والصهيوني هو المسيطر على المنطقة وشعوبها.

 

                             

المصدر: الوفاق/ خاص

الاخبار ذات الصلة