أول خطوة باتجاه بناء هوية الإنسان ما تُؤديه الأسرة في سبيل تربية الأطفال على مُحددات الأخلاق والقيم والعادات التي تحكم المجتمع الذي يَنشطون فيه، مع تحذيره من تَخَطِّي هذه المُحددات وإيضاح العواقب التي تترتب على ذلك، وبذا يَلتزم الإنسان منذ صِغَرِهِ بما يُحدِّد هويته، وبالتالي يُكمل حياته وفق هذه الخطوط…
ليس لديهم ملامح واضحة لشخصياتهم، يَتأثرون بمَنْ حولهم إلى الحد الذي يجعلهم يُصبحون نُسَخاً كربونية منهم، يُحاولون تقليد كل جديد بصرف النظر عن كونه مُناسباً لأعمارهم وبيئاتهم وتربيتهم وقِيمِهم، لا يمتلكون أهدافاً واقعية لحياتهم سواء على المدى القريب أو البعيد، يعيشون في حالة من التِّيه والخَدَر الذي يجعلهم لا يعرفون إلى أين سيذهبون، لا يمتلكون معايير ومقاييس يَتَعاملون على أساسها. مِثلُ هؤلاء الشباب هم شباب بلا هوية. فما هي الهوية؟ ومَنْ المسؤول عن زرع الهوية في الإنسان؟
ما هو مفهوم الهوية؟
تُعَدُّ الهوية من أهم المفاهيم التي تُحدد موقف الفرد من نفسه ومن العالم المُحيط به. ومع التغيرات الكبيرة التي يشهدها العالم الحديث، خاصة في مجال القيم والتكنولوجيا والثقافة، أصبحت مسألة هوية الشباب واحدة من أبرز القضايا الاجتماعية والنفسية التي تستحق اهتماماً علمياً وتطبيقياً.
كما أنَّ الهوية ليست مُجرد اسم أو انتماء جغرافي، بل هي مجموعة المعتقدات والمفاهيم والقيم التي تُشكِّل شخصية الفرد وتَربِطُه بمُجتمعه وتاريخه. تشمل الهوية عدة أبعاد تتداخل مع بعضها لتُشكِّل صورة واضحة عن الشخص وموقعه في الحياة.
تُشير الأبحاث إلى أن أكثر من 60% من الشباب في الدول العربية يشعرون بعدم الاستقرار في انتمائهم الثقافي، وهذا يحدث بسبب التأثير المُتواصل بين القيم المحلية والتأثيرات الغربية والعالمية. لذلك، فإن مسألة فقدان الهوية لدى الشباب تُعَدُّ موضوعاً مُهماً يحتاج إلى تحليل عميق في السياقات الاجتماعية الخليجية والعربية والعالمية.
من الواقع: الكثير من الشباب المُقرَّبين حين نسألهم لماذا يريدون تحقيق أمر ما في حياتهم مِثل شراء هذا النوع من السيارة، يقول إنها جميلة وقريبة منه نفسياً، بينما الحقيقة أنه يريد عبر اقتنائها أن يقول: “أنا مُهِم” أو “أنا أمتلك مِثل سيارة فلان المشهور”، وإن كانت غير مُناسبة له ولظرفه المادي أو مُتطلبات عائلته. وهذا بالضبط هو الركض وراء الوَهْم والذي يُعبِّر عن ضياع الهوية.
في الدين الإسلامي، تَتَمَثَّل الهوية في تفاعل بين الإيمان والأعمال الجيدة، وهي تَظهر من خلال الانتماء إلى الأمة الإسلامية. ومن المُهم الالتزام بالعقيدة وأداء العبادات، بالإضافة إلى التمسك بالأخلاق الإسلامية والمبادئ الإنسانية، كذلك يجب احترام التنوع الثقافي ضمن إطار الوحدة في الإيمان.
مما يجب الالتفات إليه أن في السابق لم يكن الأمر كما هو في وقتنا الحالي. ولعل هذه الظاهرة هي إحدى الأوجه السيئة للانفتاح غير المُراقَب على العالم الخارجي، سيما مع كون أغلب الشباب لا يزالون في مرحلة المراهقة مما يجعلهم عُرضة لـتَحَكُّم عواطفهم بدلاً من عقولهم، وبالتالي ضَعْف المُصَدّات الفكرية والنفسية لهم مما يُسهِم في سهولة اختراقها وتوجيهها بما يُراد للشباب أن يكونوا.
كيف يَبني الإنسان هويته؟
أول خطوة باتجاه بناء هوية الإنسان ما تُؤديه الأسرة في سبيل تربية الأطفال على مُحددات الأخلاق والقيم والعادات التي تحكم المجتمع الذي يَنشطون فيه، مع تحذيره من تَخَطِّي هذه المُحددات وإيضاح العواقب التي تترتب على ذلك، وبذا يَلتزم الإنسان منذ صِغَرِهِ بما يُحدِّد هويته، وبالتالي يُكمل حياته وفق هذه الخطوط.
كما على المؤسسات التربوية أن تُسهم في غَرْس هوية الإنسان عبر إيصال الرسائل التربوية للمُتَعَلِّمين، سيما في مرحلة الطفولة في المدارس الابتدائية وحتى المدارس الثانوية، إذ إن ما تُقَدِّمُه المؤسسات التربوية في الغالب يعتبره الإنسان ركائز لا يمكن تَخَطِّيها أو تجاهلها، وبذا تَتَشكَّل هوية الأبناء وفق هذه العملية.
وعلى وسائل الإعلام أن تَتَبنَّى وتَطرح خطاباً توعوياً لبيان أهمية الهوية المُعتدلة بالنسبة للإنسان، حيث تَطرح الأفكار الصحية لتشكيل الهوية الإنسانية التي تُناسب قِيَمَ المجتمع.
وعلى الدولة أن تُراقب وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي التي تَبُثُّ قِيَماً مُنافية لأخلاقيات مُجتمعنا وتَمْنَعَها، لئلا يتأثر بها الناشئة، وبالتالي يُقَلِّدُونَها فتَضيع هُوياتُهم الأصلية. وبذا يمكن أن يَبني الإنسان هويته بعيداً عن التجاذبات والصراعات المُحيطة.