لكنّ كسر الجمود بقي محدودًا طالما أنّه لم يترجم حلحلة على مستوى الملف الرئاسي، الذي بقي عالقًا مكانه، باعتبار أنّ دعم بري ونصر الله لفرنجية لم يكن كافيًا ليصبح فوز الأخير في الجيب، ولا سيما أنه لم يستطع حتى الآن تأمين أكثرية الأصوات المطلقة ولا ميثاقية نصاب الثلثين، كما أنّ هذا الدعم لم ينعكس تحريرًا للبرلمان، عبر دعوته إلى الالتئام من جديد، ربما بانتظار نضوج بعض المعطيات والظروف.
مع ذلك، فقد فتح قرار الثنائي الشيعي الباب واسعًا أمام نقاش آفاق الاستحقاق الرئاسي في ضوء المتغيّرات التي طرأت عليه، بدءًا من محاولة استنباط الأسباب التي دفعت بري ونصر الله إلى حسم موقفهما، بعد الكثير من التريث والارتباك، وصولاً إلى موقف فرنجية نفسه، الذي قيل إنّه لم يكن محبّذًا لدخول البازار في هذا الشكل، وقبل أن يعلن ترشيحه لنفسه، تفاديًا لتوصيفه بـمرشح حزب الله وحركة أمل، وهو ما حصل.
لكن، أبعد من كلّ هذه النقاشات، ثمّة علامات استفهام تُطرَح عن مقاربة القوى المعارضة لترشيح فرنجية، أقلّه حتى الآن، وخططها للمواجهة، فهل حسمت قوى المعارضة مثلاً أمر تعطيل أيّ جلسة يمكن أن تدعى إليها، بعد تسمية فرنجية؟ وكيف يقرأ التيار الوطني الحر إطلاق حزب الله تحديدًا، عبر أمينه العام، لـمعركة فرنجية، رغم كل شيء؟ وهل يمهّد إعلان الثنائي لـتقاطع الضرورة بين التيار وخصومه؟!.
بالنسبة إلى المعارضة، فالموقف من تسمية فرنجية يبدو، حتى الآن، واضحًا وضبابيًا في آن واحد، فعلى الرغم من اتفاق مختلف مكوّناتها، على وجوب مواجهة مثل هذا الترشيح، إلا أنّها تختلف على التكتيك على ما يبدو، في ضوء إعلان قوى أساسيّة كـالكتائب والقوات اللبنانية نيّتها الاقتداء بـحزب الله عبر تعطيل جلسات الانتخاب، في حين ترى قوى أخرى أنّ التعطيل لا يمكن أن يكون الحلّ، بل من شأنه تكريس بدعة غير ديمقراطية.
فرغم أنّ بعض النواب المصنّفين تغييريين مثلاً، أبدوا حماسة لفكرة التعطيل لمنع وصول فرنجية إلى بعبدا، انطلاقًا من مبدأ مواجهة حزب الله بأساليبه، ثمّة من يرى أنّ موقف نواب التغيير تحديدًا لا يبدو سهلاً، خصوصًا أنّ نائبين منهم معتصمان في مجلس النواب منذ أسابيع طويلة، من أجل الحثّ على عقد جلسات انتخابية مفتوحة، فكيف سيبرّران، مع المتضامنين معهما، تعطيل أيّ جلسة يدعو إليها رئيس المجلس، إذا كان هذا هو مطلبهما الأساسي؟.
في المقابل، ثمّة نقزة داخل قوى المعارضة من موقف الحزب التقدمي الاشتراكي الذي لا يتردّد بعض داعمي فرنجية في تصنيفه ضمن الكتلة التي ستصبّ أصواتها لصالحه، رغم أنّ اللقاء الديمقراطي يؤكد حتى الآن تموضعه في خانة المعارضة، علمًا أنّ موقف رئيس الحزب النائب السابق وليد جنبلاط المتضامن مع بري، في ذروة السجال بين الأخير ومرشح المعارضة النائب ميشال معوض، أثار الكثير من الريبة والاستغراب.
في مطلق الأحوال، فإنّ قوى المعارضة تبدو مطمئنّة حتى الآن بأنّ رئاسة فرنجية مستحيلة، ولو أنّ حزب الله لا يعرف المستحيل، كما يقول بعض المحسوبين عليها، ولذلك فإنّ مكوّناتها الأساسية لا تزال في مرحلة درس الخيارات، لأنّ تعطيل أيّ جلسة في المدى المنظور قد لا يكون ضروريًا، طالما أنّ فرنجية لم ينجح في تأمين ما يكفي من الأصوات لفوزه، حتى لو توافر نصاب الثلثين الذي يتمسّك به بري في الدورتين الأولى والثانية.
ولا يبدو موقف التيار الوطني الحر مختلفًا، فهو يتّفق مع المعارضة على أنّ حظوظ فرنجية لم ترتفع بعد تسمية الثنائي الشيعي له، بل لعلّها انخفضت إلى المستوى الأدنى، وفقًا لبعض القياديّين العونيين، ممّن يلفتون إلى الفيتو المسيحي المرفوع بوجه رئيس تيار المردة،والذي يقيّده ويكبّله إلى حدّ بعيد، علمًا أنّ عتب هؤلاء لا يزال مركّزًا على “حزب الله، بإصراره على دعم فرنجية، رغم معارضة التيار الواضحة.
ومع أنّ أيّ رد مباشر لم يصدر عن رئيس التيار الوزير السابق جبران باسيل، أو غيره من قياديي التيار، على خطاب الأمين العام لـحزب اللهالسيد حسن نصر الله، إلا أنّ العارفين يؤكدون أنّ التيار الذي لم يتفاجأ بموقف الحزب، والممتعض منه في الوقت نفسه، لا يبدو قَلِقًا، بل هو يتعامل مع هذا الدعم بموضوعية وواقعية، ويعتبر أنّه قد يكون بمثابة رمي للكرة في ملعب فرنجية، الذي سيكون عليه الانسحاب عاجلاً أم آجلاً.
ومع أنّ مثل هذا الرهان قد لا يكون في مكانه، برأي العارفين، استنادًا إلى تجربة 2014، حين دعم حزب الله الرئيس السابق ميشال عون، من دون أن يتراجع، حتى أوصله بالفعل إلى بعبدا عام 2016، يرى كثير من العونيين أنّ السيناريو لا يمكن أن يُستنسَخ مع فرنجية، وأنّ ما حصل قد يكون فرصة للانتقال عاجلاً أم آجلاً إلى الخطة باء وقوامها البحث عن اسم ثالث، بعيدًا عن اسمي فرنجية وقائد الجيش جوزاف عون، وبطبيعة الحال بعيدًا عن معوض.
ورغم التقارب الواضح في موقفي المعارضة والتيار، فإنّ الأكيد كما يقول العارفون، أنّ أيّ تنسيق مشترك لن يحصل في المدى المنظور بين الجانبين، فـالقوات متمسّكة برفضها تلقف اليد الممدودة لباسيل، إلا في حال تبنّى الأخير مرشحها الرئاسيّ، وهو طرح لا يمكن أن يجد قبولاً لدى رئيس التيار الوطني الحر، ليبقى الثابت أنّ لزخمالذي تركته تسمية فرنجية على الملف الرئاسي لم يكن كافيًا، بل لعلّه انتهى في أرضه، إن جاز التعبير!.