نظّم قسم اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة بغداد ورشة علمية بعنوان «مصحف المشهد الرضوي.. تاريخه وخصائصه»، ركّزت على دراسة واحد من أهم المخطوطات القرآنية المبكرة المكتوبة بالخط الحجازي والعائدة إلى القرن الأول الهجري. قدّم الدكتور عماد هلالي والدكتور مرتضى كريمي عرضاً شاملاً لتاريخ المصحف، الذي يُعدّ أكمل مجموعة محفوظة من أوراق القرآن بنسبة تتجاوز 95% من النص.
تناولت الورشة بُنية المخطوطة المادية، ونتائج اختبارات الكربون المشع التي تُثبت قِدمها، إضافةً إلى خصائصها النصية والفنية مثل غرائب الرسم واختلاف القراءات. وبهذه المناسبة نتطرق إلى نبذة عن تاريخ كتابة القرآن الكريم في إيران.
تاريخ كتابة القرآن في إيران
يُعدّ تاريخ كتابة القرآن الكريم في إيران جزءاً مهماً من المسار العام لتدوين المصحف في العالم الإسلامي، إذ لعبت المراكز العلمية في خراسان والري ونيشابور وقم المقدسة دوراً بارزاً في حفظ النص القرآني وتطوير فنون كتابته منذ القرون الأولى للهجرة.
التأثر بالمراكز الأولى للكتابة
في القرن الهجري الأول، كانت المدينة والكوفة والبصرة المراكز الأساسية لكتابة المصاحف. ومع توسّع الدولة الإسلامية، إنتقلت المصاحف إلى خراسان، حيث إستقر عدد من القرّاء والمقرئين الذين حملوا معهم تقاليد الرسم والضبط. وقد ساعد هذا الإنتقال على إنتشار المصاحف الحجازية والكوفيّة في إيران، مما جعلها جزءاً من التراث القرآني المحلي.
من القرن الثاني إلى الرابع الهجري، أصبحت خراسان مركزاً مهماً للعلوم الإسلامية، وبرزت فيها مدارس للقراءة والضبط. وظهرت مصاحف مكتوبة بخطوط محلية متأثرة بالخط الكوفي، ثم لاحقاً بالخط المحقّق والريحاني. وقد ساهمت هذه البيئة العلمية في إنتاج مصاحف عالية الجودة، بعضها ما يزال محفوظاً في مكتبات إيران الكبرى.
مصحف المشهد الرضوي
يمثل مصحف المشهد الرضوي واحداً من أندر الشواهد المادية على تاريخ تدوين القرآن في إيران والعالم الإسلامي، إذ يتألف من 252 ورقة بالخط الحجازي تعود للقرن الأول الهجري وفق اختبارات الكربون المشع. ويُعدّ أكمل مصحف شبه كامل من تلك الحقبة، إذ يحفظ أكثر من 95% من النص القرآني. تكشف خصائصه الكتابية عن مرحلة مبكرة جداً سبقت استقرار الرسم العثماني، ما يمنحه قيمة علمية إستثنائية في دراسة تطور كتابة المصحف.
تشير الأدلة التاريخية إلى أن المصحف كُتب في المدينة أو الكوفة، ثم إنتقل لاحقاً إلى خراسان، حيث تداولته أيدي العلماء والمقرئين في نيشابور. وفي القرن الخامس الهجري، تم وقف المصحف على حرم الإمام الرضا(ع)، وظل محفوظاً هناك منذ ذلك الحين في مجلدين يحملان الرقمين 18 و4116.
أُعيد نشر المصحف بصيغة فاكسميلية حديثة، مع تحقيق علمي موسّع، وتسليط الضوء على قيمته الفريدة في دراسة تاريخ النص القرآني. فهو يقدّم مادة خاماً نادرة للباحثين في مجالات الرسم العثماني، وتطور القراءات، وتاريخ الضبط، وتقاليد الكتابة في القرن الأول الهجري.
حلقة مركزية في فهم تاريخ كتابة القرآن
يُمثل مصحف المشهد الرضوي حلقة مركزية في فهم تاريخ كتابة القرآن، ليس في إيران فحسب، بل في العالم الإسلامي كله. فهو شاهد حيّ على المراحل الأولى لتدوين المصحف، وعلى انتقاله من مراكز الكتابة الأولى إلى خراسان، حيث أصبح جزءاً من التراث القرآني الإيراني الذي استمر في الازدهار عبر القرون.