وقال عراقجي مخاطباً نظيره الروسي خلال اللقاء: لحسن الحظ لدينا مواقف مشتركة في قضايا مختلفة، وقد دعمنا بعضنا بعضاً دائماً. علاقاتنا تزداد تقارباً وترابطاً يوماً بعد يوم.
وخاطب عراقجي نظيره الروسي قائلاً: خلال السنة والنصف الماضية، إلتقى رئيسا البلدين خمس مرات مع بعضهما البعض. أنا وفخامتكم أيضاً التقينا بانتظام في موسكو وطهران ودول أخرى. وقال: اليوم لدينا فرصة لمراجعة تفاصيل العلاقات في وقت أطول وإجراء تنسيق أكثر. كما لدينا فرصة لتبادل الآراء حول القضايا الإقليمية والدولية.
وأردف عراقجي موضّحاً: نشكر ونقدر موقف روسيا في إدانة الهجوم الأمريكي الصهيوني على إيران وإعلان التضامن مع الشعب الإيراني، وأضاف: من الضروري أن نتشاور مع بعضنا البعض بشكل مناسب حول مستقبل هذه التطورات.
من جهته صرّح وزير الخارجية الروسي خلال اللقاء: إن أهم حدث في علاقاتنا هذا العام هو توقيع معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة وبدء تنفيذها. وأضاف: تعزّز معاهدة إيران-روسيا الوضع الخاص لتعاوننا، وترسم رؤيةً وتوجهاً لعشرين عاماً في جميع المجالات. وأشار لافروف إلى أنه يتم ولأول مرّة، توقيع برنامج المشاورات بين وزارتي الخارجية الروسية والإيرانية للفترة 2026-2028.
وأردف: إن الحوار بين وزارتي الخارجية الإيرانية والروسية بالغ الأهمية، ونجري مناقشات دورية.
*وثيقة تعاون بين وزارتي البلدين
عقب ذلك، وقّع وزيرا خارجية إيران وروسيا وثيقة برنامج التعاون بين وزارتي خارجية البلدين في ختام محادثاتهما في موسكو.
وتُحدّد هذه الوثيقة، التي وُضعت عقب تنفيذ المعاهدة الاستراتيجية الشاملة بين إيران وروسيا، برنامج المشاورات بين وزارتي خارجية البلدين للفترة من 2026 إلى 2028.
وبعد توقيع هذه الوثيقة، صرّح وزير الخارجية الإيراني قائلاً: شهدت العلاقات الثنائية بين إيران وروسيا تنامياً استثنائياً خلال السنوات القليلة الماضية، ولا سيما هذا العام مع توقيع المعاهدة الاستراتيجية الشاملة، حيث اكتسب التعاون زخماً أكبر. وقد دخلت هذه المعاهدة حيّز التنفيذ، ونحن نمضي قدماً وفقاً لرؤيتها.
وأشار عراقجي إلى أن الاتفاقية التي وقعناها تحدد خطة للمشاورات بين البلدين للفترة من 2026 إلى 2028، وستكون بمثابة خارطة طريق لتعاوننا خلال السنوات الثلاث المقبلة.
*إيران لم تُرسل أيّ رسالة لأمريكا
وفي مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الروسي نفى وزير الخارجية الإيراني بعض التكهنات بشأن محادثات طهران وواشنطن، قائلاً: لم تُرسل إيران أيّ رسالة إلى الجانب الأمريكي.
وأكّد عراقجي قائلاً: لم ننسحب من طاولة المفاوضات؛ بل إن الأمريكيين هم من خانوا الدبلوماسية بالهجوم العسكري على إيران في خضم المفاوضات. وأشار إلى أنه إذا صحّح الأمريكيون نهجهم وكانوا مستعدين للتفاوض من منطلق المساواة والاحترام المتبادل وعلى أساس المصالح المشتركة، فسوف نعيد النظر في هذه المسألة؛ بالطبع، لسنا مقتنعين بعد باستعدادهم لذلك.
وأشار عراقجي إلى أنه “استنادًا إلى الخبرة التي اكتسبناها خلال العام الماضي، فإن ما يقصدونه بالتفاوض هو فرض المواقف وإملاءها، بينما لا يمكن للتفاوض الحقيقي أن يجري إلا عندما يُصحّح الأمريكيون نهجهم ويكونوا على استعداد للتفاوض بنزاهة لتحقيق المصالح المشتركة.
وأكد بالقول: ما عجز الأمريكيون عن تحقيقه في العمليات العسكرية، لن يتمكّنوا من تحقيقه على طاولة المفاوضات أيضا. يجب أن تقوم طاولة المفاوضات على التوازن والاحترام والمصالح المشتركة.
وأوضح عراقجي: إن سياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية واضحة؛ فالدول الأوروبية الثلاث الأخرى ليست لديها القدرة على التفاوض، وقد فقدت الترويكا الأوروبية (ألمانيا وبريطانيا وفرنسا) عمليا آخر أدواتها وقدراتها التفاوضية بتفعيلها غير القانوني لآلية الزناد؛ لذلك، لا ترى إيران أي سبب للتحدث مجددًا مع هذه الدول الثلاث.
وأضاف: نعتقد أنهم لم يكونوا يملكون الحق في استخدام آلية إعادة فرض العقوبات. موقف روسيا هو نفسه؛ عمليا، لم يحدث شيء سوى أنهم فقدوا آخر أدواتهم؛ لذا، لا جدوى ولا مبرر لإجراء حوار مع الجانب الأوروبي بشأن القضية النووية”. وقد أُلغي اتفاق القاهرة من وجهة نظر إيران.
وردًا على سؤال آخر حول آفاق التعاون بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد قصف المنشآت النووية الإيرانية من قبل أمريكا والكيان الصهيوني، قال وزير الخارجية: على الرغم من التزام إيران بتعهداتها في إطار معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، إلا أنها تؤكّد أن الهجمات الأخيرة على المنشآت النووية قد غيّرت الواقع على الأرض، وأن الوكالة تفتقر إلى البروتوكولات اللازمة لتفتيش المراكز التي تعرضت للهجوم.
وفي إشارة إلى حديثه مع رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية، قال: “سألت السيد غروسي عما إذا كانت الوكالة الدولية لديها بروتوكول لتفتيش المنشآت النووية الإيرانية التي تعرضت للهجوم؟” أجاب غروسي: لا.
وأوضح عراقجي: إلى حين تحديد أطر جديدة للتعامل مع التهديدات الأمنية، لا مجال للتفتيش.
وقال وزير الخارجية: نحن ملتزمون بتعهداتنا، ولكن بالنظر إلى التجارب الأخيرة ووفقاً لقرار مجلس الشورى الاسلامي، فإن البت في طلبات الوكالة سيكون من مسؤولية المجلس الأعلى للأمن القومي وحده.
وفي رده على سؤال آخر، أشار وزير الخارجية الإيراني إلى أن روسيا لطالما أكدت ودعمت حق إيران في الملف النووي وحقها في التخصيب.
وفي إشارة إلى التعاون بين طهران وموسكو في المجال النووي، بما في ذلك محطة بوشهر النووية، قال: “إضافةً إلى ذلك، لعبت روسيا دورًا إيجابيًا وبنّاءً في مفاوضات الاتفاق النووي، وكان لها دورٌ فعّال”. وأضاف: اتخذت روسيا أيضًا موقفًا بنّاءً وقانونيًا وحاسمًا في مجلس الأمن بشأن الأعمال غير القانونية للترويكا الأوروبية، فضلًا عن الهجمات الأمريكية والصهيونية على إيران. وأكد عراقجي: نشكر موسكو على هذه المواقف، ونثق بروسيا وحسن نيتها، وسنرحّب بها كلما استطاعت أن تلعب دورًا إيجابيًا في هذه القضية وغيرها.
ورداً على سؤال حول ما إذا كان قد ناقش قضايا القوقاز وآسيا الوسطى خلال محادثاته مع نظيره الروسي، قال وزير الخارجية: “أجرينا مشاورات مثمرة للغاية في هذا الشأن. مواقفنا واضحة تماماً. تؤمن الجمهورية الإسلامية الإيرانية بأن أمن واستقرار منطقتي القوقاز وآسيا الوسطى يجب أن تضمنه دول المنطقة نفسها”.
وأكد عراقجي: “إيران تعارض بشكل قاطع وجود أي قوات أجنبية في منطقة القوقاز، وقد أُعلن هذا الموقف لجيرانها وشركائها الإقليميين”.
*ملف مبادلة الغاز
وفي كلمة له في جامعة «ميغيمو» الروسية قال سيد عباس عراقجي، في حديث أمام الطلاب الروس: إن طهران وموسكو تعملان على نقل الغاز الروسي إلى إيران للاستهلاك الداخلي، إلى جانب التعاون في مجال مبادلة الغاز.
وأضاف: إن أحد أبرز مجالات التعاون بين إيران وروسيا يتمثّل في قطاع الطاقة، مُشيراً إلى وجود مبادرات ومشاريع مُتعدّدة بين الجانبين، تتعلّق بكيفية مواجهة العقوبات، وتعزيز التعاون في مجالات نقل الغاز والنفط وتسويق النفط.
وأكد عراقجي: نسعى إلى نقل الغاز الروسي إلى إيران لاستخدامه داخل البلاد، كما نعمل في الوقت نفسه على مشاريع مبادلة الغاز. وتابع وزير الخارجية أن روسيا قامت بإنشاء أول محطة نووية لإيران في بوشهر، مضيفاً أن المفاوضات جارية حالياً بشأن المراحل الأخرى من هذا المشروع.
*لقاء عراقجي مع رئيس جامعة ميغيمو
وعلى هامش زيارته، إلتقى عراقجي في الجامعة مع “أناتولي توركونوف”، رئيس جامعة «ميغيمو»، وعدد من مدراء الأقسام المختلفة، حيث جرى تبادل وجهات النظر حول سُبل تعزيز التعاون.
وخلال اللقاء، أشار وزير الخارجية إلى العلاقات الجيدة بين إيران وروسيا في المجالات السياسية والاقتصادية، مُؤكّداً أهمية استثمار هذه العلاقات بوصفها أرضية مناسبة لتعزيز التعاون والتبادل في المجالات العلمية والثقافية والأكاديمية.
كما إلتقى عراقجي، مساء الثلاثاء، مع “ليونيد سلوتسكي” رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما الروسي ومجموعة من نواب المجلس ومستشاريهم، وتبادل وجهات النظر حول العلاقات الثنائية بين إيران وروسيا، ووجهات نظر الجمهورية الإسلامية الإيرانية وروسيا الاتحادية بشأن التوجهات الراهنة في العلاقات الدولية.
*شراكة استراتيجية في مسار نظام دولي جديد
الى ذلك، وصف عراقجي، في مقال له نُشر في صحيفة كوميرسانت، التعاون بين طهران وموسكو بأنه شراكة استراتيجية في مسار النظام الدولي الجديد المُتعدّد الأطراف.
وجاء في مقال عراقجي: علاقات إيران وروسيا علاقات عميقة الجذور، مُتعدّدة المستويات، ومبنية على فهم مشترك للتغييرات العميقة في النظام الدولي؛ علاقات ليست مبنية على اعتبارات مُؤقّتة، بل ناشئة عن روابط تاريخية وجيوسياسية ومصالح دائمة للشعبين. هذه العلاقات، عبر الزمن وفي مواجهة التطورات المعقدة الإقليمية والعالمية، وصلت إلى مستوى من النضج والثقة المتبادلة والنظرة المستقبلية، يمكن اليوم اعتباره نموذجاً لشراكة مسؤولة ومستدامة في النظام الدولي.
وأردف عراقجي: التطورات السريعة الإقليمية والعالمية، وتوسع دور إيران وروسيا في المعادلات الدولية، وتصاعد التحديات الناتجة عن الأحادية والضغوط السياسية والعقوبات غير القانونية وغير الإنسانية، جعلت ضرورة ترقية هذا الإطار التعاوني أكثر وضوحاً من أي وقت مضى. في هذا السياق التاريخي والاستراتيجي، تشكلت “معاهدة الشراكة الشاملة الاستراتيجية بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والاتحاد الروسي”؛ معاهدة رفعت مستوى علاقات البلدين إلى مرحلة نوعية أعلى، وكخريطة طريق شاملة وطويلة الأمد ومستقبلية، ترسم آفاقاً مشرقة للتعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والدفاعية والطاقة والعلمية والتكنولوجية والثقافية والسياحية والاستثمارية.
وأوضح عراقجي قائلاً: اليوم، تعتمد إيران وروسيا على الشراكة الاستراتيجية، والتجربة التاريخية المشتركة، وإدراك مسؤوليتهما تجاه مستقبل النظام الدولي، في طريق بناء نظام يحل فيه التعاون محل الهيمنة، والحوار محل الضغط، والاحترام محل فرض السياسات. وفي هذا السياق، فإن «معاهدة الشراكة الشاملة الاستراتيجية» ليست مجرد وثيقة لتنظيم العلاقات الثنائية، بل إطار لمشاركة فعالة من البلدين في تشكيل نظام متعدد الأطراف عادل ومتوازن؛ نظام سيكون في صالح الشعوب، والاستقرار الإقليمي، والعدالة العالمية.