يُعدّ غار ده شيخ واحداً من أروع الكهوف والمعالم السياحية في محافظة كهكيلويه وبويراحمد الواقعة جنوب غرب البلاد، يضم الغار سبع صالات ومسارات متشابكة، يأسر الأبصار بجماله المدهش ويثير الدهشة في نفوس زائريه، ظل مجهولاً لقرون حتى اكتشفه أحد الرعاة من أهالي القرية عام 2016م، ومنذ ذلك الحين أُجريت ثلاث مراحل من الاستكشاف على يد الباحثين وخبراء الكهوف.
تشير الدراسات الجيولوجية إلى أن تشكّله يعود إلى العصر الجيولوجي الثاني، وهو كهف كلسي طبيعي بالكامل. وعلى مدى آلاف السنين، ساهمت الأمطار في نحت فجوات داخلية تدفقت منها المياه، مشكلةً هوابط وممرات خلابة.
يُلقب الغار بـ«علي صدر 2» لما يحمله من فرادة، ومن غرائبه أنه دافئ في الشتاء ومنعش في الصيف، وهو سرّ لم يُكشف بعد. تقع فتحة الغار على ارتفاع 1670 متراً فوق سطح البحر، وهي ضيقة بحيث لا يمكن عبورها إلا جلوساً لمسافة خمسة إلى ستة أمتار. وفي بعض الممرات يبلغ ارتفاعه سبعة أمتار، حيث تتدلى الهوابط الكلسية بأشكال بديعة.
عندما يجفّ الماء الموجود في الحفر، ونظرًا لهشاشة الصخور الجبلية المكوّنة من الحجر الجيري، تقوم المياه بنقل الأملاح إلى داخل الممرات، وعلى مدى قرون تشكلّت هوابط كبيرة جدًا وممرات فريدة من نوعها. سقوط قطرات الماء من الهوابط يمنح جدران الكهف جمالًا ولمعانًا خاصًا، تدل الدراسات على استمرار نمو الهوابط، ما يجعل الكهف مساحةً حيةً تتوسع حتى اليوم، وتتراوح أعمدة الكهف بين متر واحد وخمسة عشر متراً ارتفاعاً.
ويُعدّ غار ده شيخ واحداً من نحو ستمائة كهف تم التعرف عليها في البلاد، وهو من أبرز المعالم السياحية في منطقة باتاوه. ومن حيث المساحة والعمق، فقد حاز حتى الآن المرتبة الثانية، إذ تُقدّر الدراسات عمقه بأكثر من ستة كيلومترات، وبسبب هذه المساحة الشاسعة لا تزال هناك أجزاء وممرات لم تُكتشف أو تُفتح بعد.
كما يُعدّ هذا الغار من الكهوف التي كشفت الدراسات الأثرية فيها عن وجود بقايا بشرية وحيوانية وفخارية، مما يدل على انتشار حياة الإنسان فيه منذ العصور الأولى للإسلام. وتشير المكتشفات من الفخار والعظام إلى تاريخ يمتدّ إلى نحو 135 مليون سنة، وهو ما يُظهر أن بعض البشر اختاروا هذا الكهف الضخم مأوى لهم في حقبٍ بعيدة من التاريخ. وعلى الرغم من أن عمر هذه الفخاريات لم يُحدّد بدقة بعد، فإن بعض الخبراء يرجعونها إلى ما قبل ظهور الإسلام. ووفقاً للدراسات الأثرية، فإن نمط الفخار يعود إلى العصرين الأخميني والساساني، كما أن تنوّع الفخار في غار ده شيخ يُبرز قِدم هذا الكهف التاريخي. أما غياب أي رسومات على جدران الغار فيُعدّ دليلاً على أن هذا المكان بقي على حاله ولم يُكتشف عبر القرون، محتفظاً بأسراره في أعماق الأرض.
