أستاذ الأدب الفارسي للوفاق:

رودكي.. صوت الماضي الذي يبقى مفهوماً في الحاضر

خاص الوفاق: آذر: إهتم رودكي بأدق التفاصيل في الأدب التعليمي، وما زالت نصائحه نافعة حتى اليوم.

موناسادات خواسته

 

بمناسبة يوم إحياء ذكرى الشاعر الإيراني الكبير رودكي، الذي يصادف غداً الخميس، أجرينا حواراً مع الدكتور إسماعيل آذر، الشاعر وأستاذ الأدب الفارسي، الذي تحدث عن مكانة  أبي عبدلله جعفر بن محمد رودكي في تاريخ الشعر الفارسي وسبب تسميته بـ «أب الشعر الفارسي»، وفيما يلي نص الحوار:

 

 

 أب الشعر الفارسي

 

بدايةً، تحدث الدكتور آذر عن سبب هذه التسمية، قائلاً: للإجابة على هذا السؤال ينبغي أن نقارن رودكي بأب الشعر الإنجليزي «جيفري تشوسر»، مع أن رودكي عاش قبل تشوسر بثلاثة قرون، إلا أن هناك فارقاً مهماً: جميع آثار تشوسر محفوظة، بينما ضاع الكثير من أشعار رودكي مع الزمن. الشعر الفارسي يبدأ فعلياً مع رودكي السمرقندي، لأنه أول من جعل القصائد والغزليات شائعة في اللغة الفارسية. قبل رودكي كان هناك شعر، لكن الشعر الجاد بدأ معه.

 

رودكي عاش في القرن الثالث الهجري، والعجيب أن بعد مرور ألف عام ما زال الشاب اليوم يفهم شعره، بينما يحتاج الإنجليزي المعاصر إلى ترجمة لفهم شعر أبيه الأدبي أي شعر تشوسر. كذلك، اهتم رودكي بأدالتفاصيل في الأدب التعليمي، وما زالت نصائحه نافعة حتى اليوم.

 

من أبياته الشهيرة:

 

«هر که ناموخت از كُذشت روزكار، ناموزد ز هیج آموزكار» أي «من لم يتعلم من مرور الأيام.. فلن يتعلم من أي معلّم»، أو «هيج شادي نیست اندر این جهان، برتر از دیدار روي دوستان.. هیج تلخي نیست بر دل تلخ‌تر، از فراق دوستان بُر هنر» أي «لا فرح في هذا العالم أعظم من لقاء الأصدقاء.. ولا مرارة أشد من فراق الأصدقاء ذوو الفنون».

 

انظروا، إنّ ما يقوله رودكي يمكن أن يكون اليوم أيضاً عوناً ومساعدةً لقارئه. على سبيل المثال، تأملوا هذا البيت:  «زمانه كُفت مرا، خشم خویش دار نكاه.. که را نه زبان در بند است، باي دربند است» أي «قال لي الزمان: احفظ غضبك.. فمن لم تُقيَّد لسانه، قُيِّدت قدماه في السجن». أي إن لم يعرف المرء ما يقول، ولم يكن لسانه منضبطاً بعقله، فقد يُقيد بالسجن.

 

وفي بيت آخر يقول: «زمانه جون نِكري همه سر به سر پند است.. به روز نیک کسان گفت تا تو غم نخوری.. بسا کسا که به روز تو آرزومند است» أي «إذا نظرتَ إلى الزمان وجدته كله عبرة… في يوم سرور الآخرين قال لك: لا تحزن، فكم من الناس يتمنون أن يكون يومك يومهم».

 

هذه الأبيات التي قيلت قبل ألف عام ما زالت تحمل حكماً نافعة، وعندما يتحدث رودكي عن الموت يدخل شعره في فضاء فلسفي عميق. ومن ديوانه الذي بقي منه نحو 15% فقط، كل ما وصلنا جدير بالإهتمام. كان شاعر البلاط في عهد نوح بن نصر الساماني، وكان معززاً هناك. وهو أيضاً أول من كتب الترنيمة الفارسية مثل قوله: «بوي جوي موليان آيد همي.. ياد يار مهربان آيد همي» أي «رائحة نهر مولیان تهِب.. وذكر الحبيب الحنون يعود».

 

وكان رودكي يعزف على العود وينشد، وكذلك ينظّم الألحان، كما نظم جزءاً من كتاب «كليلة ودمنة» شعراً. ومع كل هذه المواهب والمعارف التي إمتلكها، ترك لنا إرثاً غنياً. والأهم من ذلك أنّ أشعار رودكي، على خلاف ما هو الحال مع الإنجليز الذين لا يفهمون لغة أسلافهم قبل سبعمئة عام مثل «شكسبير»، إلا عبر متخصصين، فإنّ الشخص الذي لغته الفارسية اليوم، حتى لو لم يدرس الأدب في الجامعة، يستطيع أن يفهم كلام رودكي بسهولة،وكأنّه يخاطبه مباشرة في هذا العصر.

 

 

إنتشار اللغة الفارسية

 

وعن انتشار اللغة الفارسية في بلدان كثيرة  ودور الشعراء الإيرانيون في ذلك، قال آذر: هذا أمر طبيعي، فبفضل الفكر العميق الكامن في الشعر الفارسي استطاعت اللغة أن تجد مكانها. أُنظروا مثلاً إلى أندريه دوريه الذي ترجم أشعار سعدي عام 1634م،  وكيف كان لذلك تأثير واسع في أوروبا حتى أن رئيس فرنسا كارنو في عام 1887م اتخذ اسم «سعدي» لقباً له وأصبح إسمه «سعدي كارنو» ، ثم طُبعت هذه الأشعار بلغاتٍ مختلفة. هذا يوضح كيف أن شعراء كبار مثل رودكي وسعدي ساهموا في نشر الفارسية عالمياً.

 

 

المصدر: الوفاق/ خاص