د. بهمن أكبري
عضو لجنة حقوق الإنسان الإسلامية
تمهيد
وفي امتداد مقالاتنا السابقة حول حق سيادة الشعوب، وحق التنمية، والعلاقة الإشكالية بين حقوق الإنسان وبُنى الهيمنة الدولية، يمكن القول إن الملف النووي الإيراني لم يعد شأناً تقنياً أو أمنياً محضاً، بل تحوّل إلى نموذج كلاسيكي للصراع بين حقوق الأمم وإرادة القوى المهيمنة.
ويمكن مقاربة هذه الإشكالية عبر الوقوف عند عدد من القضايا المحورية:
أولاً: من «حقوق الإنسان الكلاسيكية» إلى «حقوق الإنسان التكنولوجية»
إحدى الثغرات البنيوية في الخطاب الغربي لحقوق الإنسان تتمثل في حصر هذه الحقوق في مجالات:
الحقوق المدنية، والحقوق السياسية، وأقصى ما يُمنح هو بعض الحقوق الاجتماعية.
في حين أن العالم المعاصر أفرز بعداً جديداً لا يقل أهمية، وهو حق الشعوب في التنمية العلمية والتكنولوجية بوصفه حقاً أساسياً من حقوق الإنسان الجماعية.
في هذا السياق، فإن: التكنولوجيا النووية السلمية، ودورة الوقود، وحق التخصيب ضمن إطار معاهدة عدم الانتشار (NPT)، لا تُعد امتيازات سياسية تُمنح أو تُسحب، بل حقوقاً قانونية أصيلة للشعوب.
ومن هنا، فإن تفعيل «السناب-باك» لا يُفهم إلا بوصفه محاولة لـ: سلب «حق تكنولوجي» مشروع بذريعة الحفاظ على «أمن انتقائي» أمن لا يُعرّف تعريفاً كونياً، بل يُصاغ وفق حسابات سياسية غير متوازنة.
ثانياً: الأمن الانتقائي وانهيار حياد مجلس الأمن سبق التأكيد في كتاباتنا على أن حقوق الإنسان تفقد جوهرها الأخلاقي متى ما تحولت إلى أداة سياسية، والأمر ذاته ينطبق تماماً على مفهوم «الأمن الدولي».
فالسلوك الأوروبي حيال إيران يكشف ازدواجية صارخة: امتلاك بعض الدول آلاف الرؤوس النووية لا يُعد تهديداً؛ خروج كيان الاحتلال الإسرائيلي عن منظومة الـNPT لا يُعد مشكلة؛ أما تطوير إيران لتكنولوجيا نووية محلية وسلمية فيُقدَّم كخطر عالمي.
هذه المعايير المزدوجة تُفرغ مجلس الأمن من حياده القانوني، وتحوله من مؤسسة معنية بحفظ السلم إلى أداة لممارسة القوة غير المتكافئة، وهو ما نبهت إليه الصين وروسيا بوضوح.
ثالثاً: «السناب-باك» بوصفه انتهاكاً مركباً لحقوق الإنسان قد يبدو «السناب-باك» في ظاهره إجراءً قانونياً، غير أن آثاره الواقعية تمسّ صميم حقوق الإنسان:
إعادة فرض العقوبات ⟶ إضعاف الاقتصاد الوطني
إضعاف الاقتصاد ⟶ الإضرار بالمعيشة العامة
الإضرار بالمعيشة ⟶ انتهاك الحقوق الاجتماعية والإنسانية
وعليه، فإن «السناب-باك» لا يستهدف الدولة فحسب، بل يُمارس ضغطاً بنيوياً على المجتمع بأسره، وهو بُعد يجري تجاهله عمداً في الخطاب الغربي لحقوق الإنسان.
رابعاً: أوروبا وأزمة المصداقية الأخلاقية
من الثوابت النقدية في كتاباتنا تشخيص أزمة الازدواجية الأخلاقية في السياسة الدولية، ويشكّل ملف «السناب-باك» مثالاً جلياً على هذه الأزمة:
أوروبا تدّعي دعم الدبلوماسية، لكنها في الوقت ذاته تلوّح بآليات قسرية؛ تتحدث عن الحوار، بينما تمارس خطاب الإكراه والضغط.
وهذا ليس دبلوماسية، بل فرض إرادة سياسية تحت غطاء الحوار.
خامساً: الموقف الإيراني وإعادة تعريف «المقاومة القانونية»
في امتداد تحليل مفهوم «المقاومة القانونية» في مواجهة النظام الدولي غير العادل، يمكن توصيف الموقف الرسمي الإيراني تجاه «السناب-باك» على ثلاثة مستويات مترابطة:
1. المستوى القانوني
التأكيد على: انتهاء المفاعيل العملية للقرار 2231؛ وعدم امتلاك مجلس الأمن صلاحية إحياء آلية منقضية الأساس.
2. المستوى السياسي
التمييز الواضح بين: التفاوض الطوعي، والتنازل تحت الضغط.
3. المستوى الهوياتي–الحضاري
الإصرار على أن: الاستقلال العلمي والتكنولوجي جزء من الكرامة الوطنية والهوية الحضارية.
وعليه، فإن التخصيب لا يُختزل في كونه نشاطاً تقنياً، بل يُمثّل رمزاً لحق الأمة في اتخاذ قرارها السيادي المستقل.
خاتمة: من قضية إيران إلى أزمة النظام العالمي
لا ينبغي النظر إلى «السناب-باك» بوصفه شأناً إيرانياً فحسب، بل باعتباره مدخلاً لسؤال أعمق:
هل ما زال النظام الدولي قائماً على مبدأ المساواة بين الأمم، أم أنه انزلق إلى ساحة تُفرض فيها إرادة الأقوياء؟
وفي هذا الإطار، فإن معارضة الصين وروسيا لتفعيل «السناب-باك» لا تعبّر عن اصطفاف سياسي ضيق، بل عن دفاع مبدئي عن قاعدة أساسية مفادها:
القانون لا يجوز أن يكون تابعاً للقوة، ومجلس الأمن لا ينبغي أن يتحول إلى أداة ضغط سياسي.
الخلاصة
في وضعه الراهن، لم يعد «السناب-باك» أداةً لحفظ السلم، بل مؤشراً على أزمة مشروعية النظام الدولي.
أما الموقف الإيراني، إذا قُرئ قراءة دقيقة، فليس تحدياً للمجتمع الدولي، بل احتجاجاً قانونياً لشعبٍ على تمييز بنيوي ممنهج.
وفي عالم تُعرّف فيه حقوق الإنسان، والتنمية، والأمن تعريفاً انتقائياً، فإن التمسك بالحق ذاته يصبح شكلاً من أشكال المقاومة الأخلاقية والعقلانية.
