رحلة المسرح الإيراني تمتد من إرهاصات التنوير في القرن التاسع عشر إلى احتفالات اليوم التي تكرّم روّاده وتكشف عن حيويته المتجددة.
اختُتمت الدورة الحادية عشرة لإختيار أفضل أعمال الأدب المسرحي في إيران، بالتزامن مع يوم الكاتب المسرحي، في بيت الفنانين الإيرانيين بحضور شخصيات بارزة من الوسط المسرحي والثقافي. الحفل الذي أُقيم مساء الجمعة 26 ديسمبر تخلله عرض مقطع مصوّر عن نشاطات رابطة كتاب ومترجمي المسرح، كما أُحيت فيه ذكرى ميلاد بهرام بيضائي ووفاة أكبر رادي. وبهذه المناسبة نقدّم نبذة عن تاريخ كتابة المسرحية في إيران، ثم نذكر ما جرى في حفل الإختتام.
تاريخ كتابة المسرحية
تاريخ كتابة المسرحية المعاصرة في إيران بدأ مع ميرزا فتحعلي آخوندزاده في القرن التاسع عشر، الذي قدّم نصوصاً اجتماعية وانتقادية أبرزها مكتوبات. تلاه ميرزا آقا تبريزي الذي كتب أولى المسرحيات بالفارسية ناقداً البنية الاجتماعية. ومع تأسيس دار الفنون، إنطلقت حركة الترجمة، ومنها أعمال موليير، ما ساعد على ترسيخ المسرح. في عصر المشروطية، ازدهرت الحركة المسرحية وأسست المسرح الوطني عبر كتاب ومخرجين بارزين.
في عهد رضا شاه المقبور، ساهم التركيز على القومية في تطوير المسرح المحلي وظهور كتاب مثل صادق هدايت ورضا كمال شهرزاد، بينما عبدالحسين نوشين قام بنقل خبرات المسرح الغربي بين 1941 و1953، وشهد المسرح طفرة مع افتتاح المسارح في المدن الكبرى، لكنه بعد انقلاب 1953م، دخل المسرح مرحلة مظلمة من القمع والرقابة. لاحقاً، ظهر جيل جديد من الكتّاب مثل نصيريان وسرخيسيان، الذين مهدوا الطريق لعمالقة المسرح الإيراني مثل ساعدي ورادي وبيضائي، الذين ركّزوا على تحليل الإنسان وقضايا وجودية أكثر عمقاً.
ليلة الكاتب المسرحي
أُقيمت للمرة الثانية «ليلة الكاتب المسرحي» التي بدأت العام الماضي، في طهران، وفرشيد قلي بور، مقدّم الحفل وعضو مجلس إدارة الرابطة في هذا الحفل، أكد على أن هذا الحدث يُعد من أهم نشاطات الرابطة، مشيراً إلى إضافة أقسام جديدة هذا العام مثل مسرح الدمى، الأطفال والناشئة، والأكاديمية، بهدف توسيع نطاق المشاركة.
حيوية الأدب المسرحي الإيراني
وفي نفس السياق «آرام محضري»، رئيس مجلس إدارة الرابطة، أعلن عن خطة لإنشاء بنك للنصوص المسرحية وتسجيل حقوقها القانونية، مؤكداً أن الهدف هو تعزيز التعاون والدعم المتبادل بين الأعضاء.
وأوضح رحيم رشيديتبار، أمين الدورة، أن الدعوة للمشاركة واجهت تحديات بسبب الحرب الصهيونية المفروضة، والأوضاع غير الطبيعية، لكن المفاجأة كانت في إقبال الكتّاب والمترجمين على إرسال أعمالهم، ما يعكس حيوية الأدب المسرحي الإيراني. وأكد أن الأعمال المشاركة تناولت قضايا فردية واجتماعية متنوعة، وأن لجان التحكيم عملت بدقة واحترام لتعدد الرؤى، مع الحرص على العدالة والشفافية.
أما سيد حسن حسيني، الأمين التنفيذي لقسم الأكاديمية، فقد أشار إلى أن ۴۵ حكماً من أعضاء الرابطة قد شاركوا في تقييم ۷۷ عملاً مسرحياً، وذلك بعد ترميز النصوص لإخفاء هوية الكتّاب وضمان استقلالية التحكيم. ورأى أن هذه التجربة، رغم حاجتها إلى تطوير، فأنها تمثل نموذجاً نقابياً جديداً يقوم على المعرفة والمشاركة الجماعية، ويمكن أن يصبح رصيداً ثميناً لمستقبل الأدب المسرحي الإيراني.
تكريم الفائزين
وفي الختام تم تكريم مجموعة من الكتّاب والمترجمين للنصوص المسرحية في أقسام متعددة. ففي قسم الأطفال والناشئة فاز سجاد طهماسبي، وفي قسم مسرح الدمى نالت شيلان صلاح وروزبه حسيني الجوائز. وفي قسم النصوص المترجمة حصل مقداد جاويدسباقيان على الجائزة الكبرى، بينما نال رضا بهكام جائزة قسم النصوص المؤلفة المطبوعة. أما في قسم الأعمال المنفذة في السنة الماضية فقد فاز كهبد تاراج، وفي قسم الأكاديمية فاز ميلاد حسيني. كما تم تكريم داوود كيانيان وشهرام زركر بجوائز خاصة تقديراً لمسيرتهما المميزة. الحدث أبرز تنوع النصوص المسرحية وأهمية دعم الإنتاج المحلي والمترجم.
الماضي العريق والحاضر المتجدد
إن الدورة الحادية عشرة لإختيار أفضل أعمال الأدب المسرحي في إيران لم تكن مجرد إحتفال عابر، بل محطة تؤكد أن المسرح الإيراني ما زال ينبض بالحياة ويواصل مسيرته بين الماضي العريق والحاضر المتجدد.