موسكو تفرض السلام تحت النار.. أوكرانيا بين الاستسلام والصفقة الترامبية

المفاوضات تحت النار تكشف أنّ روسيا تدخل من موقع المنتصر، والأسابيع المقبلة ستُحدد إن كانت انتصاراتها العسكرية ستتحول إلى مكاسب سياسية دائمة

منذ اندلاع الحرب الروسية–الأوكرانية عام 2022، ظلّت الأزمة تتأرجح بين الميدان العسكري والمفاوضات السياسية. ومع نهاية 2025، دخلت مرحلة جديدة من التعقيد: الاتهامات الروسية لكييف باستهداف مقر إقامة الرئيس فلاديمير بوتين، لقاء ترامب وزيلينسكي في فلوريدا، والمكالمات المباشرة بين ترامب وبوتين. هذه الأحداث تكشف أنّ الصراع تجاوز حدود أوكرانيا ليصبح اختباراً لإرادة موسكو في فرض حقائقها على الأرض، ولقدرة واشنطن على هندسة تسوية ترضي حلفاءها.

 

الاتهامات الروسية.. الدفاع عن السيادة في مواجهة الدعاية الأوكرانية

 

إعلان لافروف أنّ أوكرانيا أطلقت 91 مسيّرة على مقر بوتين لم يكن مجرد واقعة أمنية، بل رسالة بأنّ موسكو تواجه حرباً شاملة تستهدف رموزها السيادية. روسيا وصفت الحادثة بـ«الإرهابية»، معتبرةً أنّ أي تسوية لا يمكن أن تقوم على أساس من الأكاذيب أو استهداف رأس الدولة.

 

في المقابل، نفى زيلينسكي الاتهامات واعتبرها دعاية روسية. لكن موسكو ترى أنّ هذا النفي يعكس استراتيجية أوكرانية مألوفة: إنكار كل ما يفضح تورطها. بالنسبة لروسيا، هذه الاتهامات تؤكد أنّها تواجه خصماً لا يتورع عن استهداف المدنيين والبنية التحتية، وأنّ ردها دفاع مشروع عن السيادة.

 

مكالمات ترامب–بوتين..الإيجابية الشكلية والواقعية الروسية

 

إعلان البيت الأبيض عن مكالمة «إيجابية» بين ترامب وبوتين يعكس رغبة أميركية في إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة. لكن موسكو ترى أنّ هذه الإيجابية شكلية، إذ رفض بوتين وقف إطلاق النار وأكد أنّ ضم الأراضي دستورياً غير قابل للنقاش.

 

هذا الموقف ليس تعنتاً بل واقعية سياسية: روسيا لن تتخلى عن أراضٍ دفعت ثمن السيطرة عليها بالدم والموارد. ترامب، الذي يسوّق نفسه كصانع صفقات، يجد نفسه أمام رئيس روسي متمسك بمكاسب ميدانية ورئيس أوكراني يرفض الاعتراف بالواقع. النتيجة: موسكو الطرف الأكثر وضوحاً، تضع شروطها صراحة، فيما واشنطن وكييف تتحدثان عن «إيجابية» لا وجود لها.

 

قمّة فلوريدا.. الضمانات الأمنية مقابل عقدة الأراضي

 

اللقاء بين ترامب وزيلينسكي أظهر توافقاً حول الضمانات الأمنية، لكنه تعثّر أمام مسألة الأراضي. روسيا تسيطر على 20% من مساحة أوكرانيا وتعتبرها جزءاً من سيادتها، وأي حديث عن انسحاب غير واقعي.

 

زيلينسكي يسعى لضمانات أمنية تحاكي المادة الخامسة من ميثاق الناتو، لكن موسكو ترى فيها محاولة لتطويقها عسكرياً. رفض روسيا لهذه الضمانات ليس رفضاً للسلام، بل رفض لمحاولة تحويل أوكرانيا إلى قاعدة متقدمة ضدها. بالنسبة لموسكو، أي تسوية يجب أن تقوم على احترام سيادتها لا على فرض التزامات أمنية غربية.

 

مقترحات زيلينسكي.. حلول نظرية أمام واقع ميداني

 

زيلينسكي طرح خيار منطقة اقتصادية حرة أو منزوعة السلاح في دونباس، لكن موسكو اعتبرت هذه المقترحات غير واقعية. القوات الروسية تسيطر فعلياً على الإقليم وتعتبره جزءاً من أراضيها.

 

من وجهة نظر روسيا، هذه المقترحات مجرد محاولة لكسب الوقت أو لإظهار مرونة أمام واشنطن، لكنها لا تعكس الحقائق الميدانية. أي انسحاب متبادل سيُفسَّر كتراجع، وهو ما يتناقض مع رواية موسكو عن الانتصار العسكري.

 

الميدان الروسي.. تكريس الحقائق بالقوة

 

إعلان غيراسيموف أنّ القوات الروسية سيطرت على آلاف الكيلومترات ومئات البلدات رسالة سياسية بقدر ما هي عسكرية. موسكو تقول إنّها تنتصر على الأرض، وإنّ أي مفاوضات يجب أن تنطلق من هذا الواقع.

الهجمات الجوية على البُنية التحتية للطاقة في أوكرانيا، والتي أدت إلى انقطاع الكهرباء والتدفئة، تؤكد أنّ روسيا قادرة على شلّ الحياة اليومية، ما يمنحها أوراق ضغط قوية. بالنسبة لموسكو، الميدان يُحدد شروط التفاوض، لا العكس.

 

واشنطن وأوروبا بين الطموح والحذر

إدارة ترامب تسعى لفرض تسوية عبر ضمانات أمنية واقتصادية لأوكرانيا، لكن موسكو ترى أنّ هذه المحاولة نسخة جديدة من «صفقة القرن»، مؤكدةً أنّها قوة عظمى لا يمكن الضغط عليها وأن أي محاولة لتطويقها محكوم عليها بالفشل. في المقابل، أوروبا رحّبت بحذر بمحادثات فلوريدا، مدركةً أنّ روسيا طرف لا يمكن تجاوزه، وأن أي التزام أمني جديد قد يضعها في مواجهة مباشرة معها، وهو ما تخشى تبعاته في ظل أزمات الطاقة واللاجئين التي تثقل كاهلها.

 

موسكو والصفقة «الترامبية».. بين الواقع والهيمنة

 

في أواخر 2025، تحوّلت الأزمة الأوكرانية إلى اختبار سياسي عالمي. واشنطن تسعى لتسوية عبر ضمانات أمنية واقتصادية، لكن موسكو تراها محاولة لتطويقها وإعادة إنتاج نموذج «صفقة القرن». روسيا تؤكد أنّ رفضها ليس رفضاً للسلام بل رفض لهيمنة جديدة، متمسكة بالسيادة والواقع الميداني الذي فرضته بالقوة. أوروبا، المثقلة بأزمات الطاقة واللاجئين، اكتفت بالترحيب الحذر، مدركةً أنّ أي اتفاق لن ينجح دون موافقة موسكو. المفاوضات تحت النار تكشف أنّ روسيا تدخل من موقع المنتصر، والأسابيع المقبلة ستُحدد إن كانت انتصاراتها العسكرية ستتحول إلى مكاسب سياسية دائمة.

المصدر: الوفاق