موناسادات خواسته
في ذكرى ميلاد الإمام محمد بن علي الجواد(ع)، تاسع أئمة أهل البيت(ع) الذي يصادف غداً الأربعاء، نتأمل في سيرته العطرة التي تجسّد العلم والجود والرحمة. فقد عُرف الإمام الجواد(ع) بسعة عطائه وكرمه رغم صغر سنّه حين تولّى الإمامة، وكان مثالاً للعلم الراسخ والحكمة البالغة. وقد ورث عن والده الإمام علي بن موسى الرضا(ع)، المعروف بـ “الإمام الرؤوف”، صفات الرحمة والرأفة، فكان إمتداداً لنور أهل البيت(ع) في نشر القيم الإلهية بين الناس. وفي ذكرى ميلاده المبارك أجرينا حواراً مع الأستاذ الجامعي والباحث القرآني حجة الإسلام سيد محمدعلي أيازي، فيما يلي نصه:

كثرة العطاء والإحسان
بداية، تحدث حجة الإسلام “سيد محمدعلي أيازي” عن سبب تسمية الإمام محمدبن علي التقي، بالجواد، وقال: محمد بن علي بن موسى، المشهور بالإمام الجواد(ع) والإمام محمد التقي (195-220 هـ.ق)، هو الإمام التاسع. كنيته أبو جعفر،ولقبه الجواد وابن الرضا. لُقّب بالجواد لكثرة عطائه وإحسانه، وبروز هذه الصفة بين أبناء الأئمة والشيعة والموالين وحتى غير الشيعة. بعد إستشهاد والده الإمام الرضا(ع) سنة 203 هـ.ق، تولّى المرجعية الدينية للشيعة، وكان دوره في تلك المرحلة رعاية الشيعة والتواصل مع المجتمعات وهو في سنّ الشباب، ما أثار دهشة الجميع بعطائه ورعايته.
العلم الغزير وسرعة البديهة
وفيما يتعلق بأبرز الصفات عند الإمام الجواد(ع) قال الباحث القرآني: إضافة إلى الجود والسخاء، تميّز بالعلم الغزير، سرعة البديهة، والإحاطة بالمسائل العلمية والدينية. الخليفة المأمون، لما رأى شخصية الإمام العلمية وفضله وحكمته وأدبه وكمال عقله رغم صغر سنّه، زوّجه ابنته، وإن كان بعض المؤرخين يرون أن الزواج كان بدافع سياسي، كأن يسيطر المأمون على علاقة الإمام بالشيعة أو يظهر تعاطفه مع العلويين ليمنع ثورتهم. لكن لو لم يكن الإمام يتمتع بعلم وكمال عقل بارز، لما زوّجه ابنته وهو في سنّ صغيرة. وقد ذكر الشيخ المفيد أن هذا الزواج أثار اعتراض بعض المحيطين بالمأمون خوفاً من انتقال الخلافة من العباسيين إلى العلويين.
الحوار مع الأديان
أما حول ملامح عصر الإمام الجواد(ع) ودور إمامته في نشر المعارف الإسلامية، قال حجة الإسلام أيازي: كان عصره عصراً للحوار مع الأديان وعقد المناظرات. فقد ناظر الإمام الجواد(ع) أكثر من مرة بعض فقهاء البلاط العباسي،وكانت هذه المناظرات بطلب من المأمون أو المعتصم لإختبار الإمام الجواد(ع)، لكن نتائجها كانت تُدهش الحاضرين وتثير إعجابهم.
الأنشطة العلمية والثقافية
وفيما يتعلق بالأنشطة العلمية والثقافية التي قام بها الإمام الجواد(ع)، قال حجةالإسلام أيازي: أسّس الإمام الجواد(ع) حلقات علمية لإظهار أهليته العلمية ومرجعيته، وكان يجيب عن الشبهات. وقد وصفه كبار العلماء في عصره أو قريباً منه، مثل الجاحظ المعتزلي، بأنه عالم، زاهد، عابد، شجاع، كريم، وطاهر. كما كتب محمد بن طلحة الشافعي في القرن السابع الهجري القمري: “إن الإمام الجواد(ع) رغم صغر سنّه كان ذا مقام رفيع وسمعة عظيمة”(نصیبي شافعي، مطالب السؤول في مناقب آل الرسول، مؤسسه البلاغ، ص۳۰۳.).
نموذج عملي للحياة
وحول أفضل درس يعلّمنا إيّاه الإمام الجواد(ع)، قال الباحث القرآني: تتلخّص شخصيته في الصفات التي أشار إليها النبي (ص): كونوا دعاةً للناس بغير ألسنتكم. وهي الوقار، الشجاعة، التقوى، الإحسان، الوفاء، والجود. هذه الصفات تقدّم لنا نموذجاً عملياً للحياة، وتعلّم الناس كيف يتعاملون مع الآخرين، فيبنون أنفسهم على أساس الطهارة الأخلاقية ويبتعدون عن السلوكيات غير اللائقة.
أبرز النقاط في حياة الإمام الجواد(ع)
وأخيراً تحدث حجة الإسلام أيازي عن أبرز النقاط في حياة الإمام الجواد(ع)، قائلاً: هناك جانبين بارزين: أولاً تحمّل مسؤولية الإمامة وهو في سنّ الطفولة والشباب، وثانياً نهايته المظلومة حيث استشهد في عمر 25 سنة دون مرض سابق. استمرت إمامته 17 عاماً، في زمن المأمون والمعتصم العباسيين.
التحدي الأكبر كان صغر سنّه عند الإمامة (ثماني سنوات)، وقلة فترة ارتباطه بوالده، ولكن أغلب أصحاب الإمام الرضا(ع) قبلوا إمامته وفق وصية والده، ومنهم كبار الأصحاب مثل أحمد بن أبي نصر البزنطي وصفوان بن يحيى وعبدالعظيم الحسني(ع).