شخصيات بارزة تتحدث للوفاق عن ناصرا المستضعفين:

الشهيدان “سليماني” و”المهندس” كسرا وهم الهيمنة وأثبتا أن الأفكار لا تُغتال

خاص الوفاق: يُعدّ الفريق الشهيد الحاج قاسم سليماني، والشهيد الحاج أبو مهدي المهندس، من أبرز قادة المقاومة في العصر الحديث، فشكّلا معاً ثنائياً استثنائياً في تاريخ المقاومة المعاصرة، وأسّسا معاً مدرسة في الصمود والتضحية، جعلت من المقاومة مشروعاً يتجاوز حدود الأشخاص ليصبح ثقافة راسخة في وجدان الأمة. لقد تحوّلا إلى رمزين عالميين لمواجهة الإستكبار والدفاع عن قضايا الشعوب المظلومة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.

موناسادات خواسته

 

 

على أعتاب الذكرى السنوية السادسة لإستشهادهما، أجرينا حواراً مع شخصيات سياسية عربية بارزة، وهم: عضو مجلس الشورى اليمني الدكتور عمرو معديكرب حسين الهمداني، ووزير الشؤون البرلمانية الأسبق في تونس الدكتور خالد شوكات، والخبير والإعلامي اللبناني جهاد أيوب، حيث إستعرضوا الدور الريادي للشهيدين في إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للمقاومة، والإرث الفكري والأخلاقي الذي تركاه للأجيال، مؤكداً أن إغتيالهما لم يوقف مشروع المقاومة بل زادها رسوخاً وانتشاراً، وفيما يلي نص الحوارات:

 

كسر وهم الهيمنة المطلقة

 

بداية، كان الحديث عن دور قادة المقاومة كالشـهيد قاسم سليماني والشـهيد أبو مهدي المهندس في مواجهة الإستكبار العالمي، حيث قال الدكتور عمرو معديكرب حسين الهمداني: عند الحديث عن الشهيدين الحاج قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، فنحن لا نتحدث عن شخصيتين عسكريتين بالمعنى التقليدي، بل عن مشروعين قياديين أسهما في إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للمقاومة في المنطقة.

 

الفريق الشهيد قاسم سليماني مثّل العقل الإستراتيجي الذي أدرك مبكراً أن الإستكبار العالمي لا يُواجَه بالجيوش النظامية وحدها، بل ببناء شبكات مقاومة متجذّرة في مجتمعاتها، تمتلك شرعية شعبية، وقراراً مستقلاً، وعقيدة واضحة.

 

لقد عمل على تحويل المقاومة من حالة دفاعية مؤقتة إلى معادلة ردع إقليمي، قادرة على كبح التمدد الأميركي والصهيوني، وكشف حدود القوة العسكرية الغربية.

 

أما الشهيد أبو مهدي المهندس، فكان النموذج العملي للقائد الميداني الذي يجمع بين الصلابة والإدارة، وبين البصيرة السياسية والحضور الشعبي. وكان شريكاً في القرار، وقائداً بنى الثقة داخل بيئات معقدة، وأدار صراعاً مركباً ضد الإحتلال والإرهاب في آن واحد.

 

الدور الحقيقي لهذين القائدين تمثّل في كسر وهم “الهيمنة المطلقة”، وإثبات أن المنطقة ليست ساحة مفتوحة للإملاءات الخارجية، وأن الشعوب حين تمتلك قيادة صادقة يمكنها فرض معادلات جديدة، مهما اختل ميزان القوة العسكرية.

 

رؤية إستباقية واستشرافية محيّرة للأعداء

 

وفي نفس السياق يعتقد الدكتور خالد شوكات لقد لعب الشهيدان رحمهما الله دوراً طلائعياً في معركة المستضعفين في الأرض ضد قوى الهيمنة والإستكبار. وقال: كان للشهيد الحاج قاسم سليماني رؤية إستباقية واستشرافية محيّرة للأعداء، سواء من حيث التخطيط الإستراتيجي ممثلاً في قنوات الإتصال التي أقيمت بين ساحات المقاومة الممكنة المنتشرة في المنطقة، أو من حيث المفاجأة في التعبئة والإستعداد.

 

دور هندسي فائق الثبات

 

ومن جهته قال الإعلامي اللبناني الأستاذ جهاد أيوب: دور هؤلاء القادة كان دوراً هندسياً فائق الثبات، ومنهم كان الحسم في أن نكون أو لا نكون!

 

القائد المناضل الشهيد سليماني تخطى إيران في زرع المقاومة التي اتسعت مساحتها لتشكل واقعاً في المنطقة، في الدولة المظلومة والمحتلة من الشيطان الأكثر وصولاً لإحتلال النفوس وخيرات أرضها…وهنا بيت القصيد!

 

القائد الفارس الشهيد أبو مهدي هو شريك وضوح الصورة، والسند الداعم لثبات المواقف، ومعه كان الخط سليماً، وهو من جعل للفكرة أن تنمو وتستمر!

 

* إرث فكري وأخلاقي وتنظيمي

 

أما حول الإرث الذي تركه الشهيدان للأجيال القادمة، وتأثيرهما، قال الدكتور الهمداني: إرث الشهيدين يتجاوز الإنجازات العسكرية أو الميدانية؛ إنه إرث فكري وأخلاقي وتنظيمي. أهم ما تركاه هو تحويل المقاومة إلى ثقافة مستدامة لا ترتبط بأسماء أو أشخاص، بل بمنهج واضح المعالم: استقلال القرار، أولوية السيادة، وربط السلاح بالقضية لا بالمصالح الضيقة.

 

للأجيال القادمة، قدّما نموذج القائد الذي يعيش بين الناس، لا فوقهم، والذي يرى في الشهادة ذروة الإلتزام لا نهايته.

 

وتابع عضو مجلس الشورى اليمني: اليوم، وبعد مرور السنوات على إستشهادهما، يتضح بجلاء أن تأثيرهما لم يتراجع، بل تعمّق. فبدل أن تتفكك قوى المقاومة، نراها أكثر تنظيماً، وأكثر وعياً، وأشد حضوراً في معادلات الصراع. هذا الاستمرار ليس مصادفة، بل نتيجة بنية صلبة أسّسها الشهيدان، جعلت المشروع أقوى من الأفراد، وأبقت البوصلة ثابتة مهما تغيّرت الظروف.

 

رمزان لأجيال الأمة المقاومة

 

وأبدى الدكتور شوكات رأيه في هذا المجال، قائلاً: هما رمزان لأجيال الأمة المقاومة بلا شك، تراثهما ينير درب كل من قرّر اتباع سبيل العزّة في مواجهة ثقافة الهوان والذلّة، وأكد الشهيدان بمواقفهما الثابتة ما بيّنه القرآن الكريم الذي قال: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَة” (البقرة/249).

 

التاريخ سيكتب إرث الشهيدين بالنور

 

وقال الأستاذ جهاد أيوب في هذا المجال: إرثهما كبير جداً، والتاريخ سيكتبه بالنور والذهب، هما ساهما في زراعة عنفوان الأمة، وعملا على الأرض والواقع، وتخطا العنصرية التي تزرعها أميركا وأذيالها ، وحاولا أن يتعاملا مع الواقع بحنكة كل منطقة وخصوصيتها وطبيعتها…لذلك نجحا في تقديم تجربة إسلامية نضالية عالمية ستدرس للأجيال القادمة…والزمن هو كفيل في أن ينالا حقهما عالمياً في العسكر وفي كيفية التصدي للمشاريع الشيطانية وفي أن يجعلا من النضال هدفاً انسانياً خارج المساحات الشخصانية الضيقة!

 

وفي ذكرى استشهادهما حول تأثيرهما قال أيوب: تأثيرهما زرع في ضلوع كل صاحب حق في أن يطالب بحقه، لا قولاً بل فعلاً وتخطيطاً وعملاً!

 

فعلاً حيث أدركا رسالة ثورة الجمهورية الإسلامية في مساندة ومساعدة كل مظلوم.

 

تخطيطاً، تجاوزا الفكر الضيق إلى الأوسع مع دراسة الإمكانيات البشرية وقوة التصدي، والأهم رسم خارطة الانطلاق والتنفيذ دون منه أو شوفانية، وهذا ما ثبت حضورهما، وانتشارهما كحركة مقاومة فاعلة وبقوة!

 

وعملاً..تم تنفيذ فكرة الدفاع عن الإنسان والوطن والمبادئ دون عشوائية، وخرج فعل الارتجال، وهذا اعطاهما تصالحاً مع الاخر المحتاج للدعم كي يطالب بحقوقه، وبالمقابل أخذ منهما صاحب القضية عزماً في النضال حيث صحح البوصلة، وفهم أن المقاومة تعطيه الأرض والعزة والبقاء!

 

الإغتيال إعتراف غير معلن بالعجز

 

وفيما يتعلق بلجوء الأمبريالية العالمية لإغتيال قادة المقاومة، قال عضو مجلس الشورى اليمني: الإغتيال هو إعتراف غير معلن بالعجز. عندما تعجز الإمبريالية عن فرض إرادتها عبر الحروب، أو العقوبات، أو الحصار السياسي، تلجأ إلى استهداف العقول التي تدير الصراع. قادة المقاومة يشكّلون خطراً حقيقياً ليس فقط لأنهم يحملون السلاح، بل لأنهم يفككون الخطاب الإمبريالي، ويفضحون زيفه، ويمنحون الشعوب بديلاً واقعياً عن الخضوع.

 

من هنا، كان اغتيال الشهيدين محاولة لكسر الروح المعنوية، وإرسال رسالة ترهيب لكل من يفكر بالسير في هذا الطريق.

 

لكن هل نجحت هذه الاستراتيجية؟ الواقع يقول العكس تماماً. فبدل أن تتوقف المقاومة، توسعت. وبدل أن تخبو الفكرة، ازدادت حضوراً.

 

الإغتيال كشف الوجه الحقيقي للولايات المتحدة الأمريكية، وأثبت أنها لا تحترم قانوناً دولياً ولا سيادة دول، وهو ما زاد من نقمة الشعوب عليها، وعمّق الشرخ بينها وبين حلفائها.

 

الأخطر على المشروع الإمبريالي أن المقاومة اليوم لم تعد متمركزة في نقطة واحدة، بل أصبحت موزّعة ومتعددة الأشكال، ما يجعل إستهدافها مستحيلاً بالوسائل التقليدية.

 

فكرة لا تموت

 

ومن جهته قال الوزير التونسي الأسبق: تظن هذه الأمبريالية أن المقاومة هي مشروع شخصي ربما، أو إن إغتيال القادة سيجفّف المنابع، وهي مخطئة في تقديرها يقيناً، لأن الشهيدين وكذلك قادة المقاومة هم زرّاع لفكرة لا تموت وحاجة لم تقضى بعد، فالأمر على أهمية الأشخاص يتعلّق بأمة ذات رسالة تأبى الخضوع، وقضية شعب إغتصبت أرضه واحتلت مقدّساته، شعب مظلوم.. “ولا بد للظلم أن ينجلي.. ولا بد للقيد أن ينكسر”، مثلما قال شاعر تونس الخضراء “أبو القاسم الشابي”.

 

في حياةالشهيدين تصحيح للمسار والمسيرة

 

ويعتقد الخبير اللبناني أنه من الطبيعي أن تصنع الأمبريالية العالمية فعل إغتيال من يعيق مشروعها الإستعماري، ويقول: فذاك المشروع مبني على قتل الإنسان، تشويه الدين، وسرقة عقول البشر، وتزوير الحقائق، وجعل المواطن جاهلاً بما تملكه أرضه من خيرات تشكل هدفاً للغرب، وجاهلاً أيضاً للطاقة والقوة التي يمتلكها كي يتصدى لمشاريع تجعله عبداً…من هنا كان الاغتيال لهؤلاء القادة، لقد اعاق الشهيدين سليماني والمهندس تحقيق أهداف الامبريالية العالمية في منطقتنا وبلادنا، لذلك أخذوا قرار الاغتيال بالإجماع حتى لا يعيق اهدافهم الشيطانية احد!

 

والخطر الأكثر ضرراً لمشاريع استغلال الشعوب وقتلها ينبع في بقاء حياة الشهيدين سليماني والمهندس، ففي حياتهما تصحيح المسار والمسيرة، ولجم ما هو يثبت المحتل، ويبدله برسالة الله.. والامبريالية لا تؤمن بالله بل بمصالحها، بينما الشهيدين سليماني والمهندس والخط الذي إنطلقا منه يؤمن بالخالق والإنسان والأرض والنضال من أجلهم.. وهنا الهدف الأساسي لإغتيالهما!

 

إغتيال القادة لن يوقف المقاومة

 

وردّاً على سؤال: حصل العدو على أهدافه في وقف المقاومة بعد اغتيالهما؟، قال أيوب: المقاومة رد فعل مشرع من الله، وقوة يساندها الرحمن، ويساعدها في تقبل الشهداء فيها ومنها.. من هنا نحسم ونجزم أن إغتيال الشهداء سليماني والمهندس والسيد نصرالله وكل قائد في المقاومة لن يوقف فعل المقاومة، بل يعيق استمرارية فعل المقاومة لمرحلة قصيرة لكنه لن ولم يحدث فعل إلغاء سبب وهدف المقاومة.. ما يميز مقاومة هذه الشمس أنها تزداد قوة كلما سقط لها الشهداء.. وفي سقوط الشهداء القادة تتضح المفاهيم والقيم والحقائق أكثر عند الشعوب الحرة!

 

القدرة على العمل بصمت

 

وفيما يتعلق بالميزة الرئيسية التي جمعت الشهيدين، قال عضو مجلس الشورى اليمني: الميزة الأهم التي جمعت الشهيدين هي الإخلاص الكامل للقضية مع وعي استراتيجي عميق.

 

لم يكونا قادة اندفاعيين، ولا منظّرين بعيدين عن الواقع، بل جمعا بين الإيمان والفهم، وبين الجرأة والحساب الدقيق.

 

كلاهما فهم أن المقاومة ليست مغامرة، بل مسؤولية تاريخية، وأن أي خطأ يُدفع ثمنه من دماء الناس. لذلك كان قرارهما دائماً محسوباً، ومتصلاً بالناس وهمومهم، لا مفصولاً عنهم.

 

كما تميّزا بالقدرة على العمل بصمت، بعيداً عن الإعلام والضجيج، وهو ما يجعل حضورهما أكبر بعد الاستشهاد، لأن الناس اكتشفت حجم ما كان يُدار خلف الكواليس.

 

وأخيراً قال الدتور الهمداني: في ذكرى استشهاد الشهيدين، نؤكد أن مشروع المقاومة لم يُبنَ على أشخاص، بل على وعي وتراكم وتجربة.

 

ومن موقعنا في اليمن، نرى بوضوح أن ما يجمعنا مع إيران وحزب الله ليس تحالف ظرفي، بل التقاء على خيار سيادي حر، يرفض الوصاية ويؤمن بحق الشعوب في تقرير مصيرها. قد تُغتال الأجساد، لكن الأفكار حين تتجذّر لا تُقتل.

 

وما زرعه الشهيدان اليوم يتحول إلى واقع سياسي وعسكري وأخلاقي، يفرض نفسه على المنطقة، ويكتب فصلاً جديداً من تاريخ الصراع، عنوانه: أن زمن الإستكبار بلا كلفة قد إنتهى.

 

عزّة الأمة في مقاومتها

أما الدكتور شوكات قال في هذا المجال: الشهيدان إختارهما الله شهداء لما يعلم من يقين وخير ونقاء وإخلاص فيهما، فالله هو من يتخيّر الشهداء، وذاكرة الأمة ستظل مخلصة لذكراهما لما عرفا عنهما من ثبات ووفاء للأمة ولقضيتها المركزية فلسطين.

 

وأخيراً نقول أن عزّة الأمة في مقاومتها، وأن صلة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالقضية الفلسطينية هي صلة بنيوية ورباط وثيق، وأن جمهور المسلمين ممتن لقادة الأمة ولقادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية ممّن حافظوا على جذوة الأمل في أن الإسلام قادر على هزيمة الإستكبار.

 

ثورة اعتمدت على النهج الرباني

 

وصرّح الخبير اللبناني في هذا المجال: هذا السؤال يتطلب محاضرة كاملة وطويلة ولن نعطيهما حقهما.. لذلك اختزل القول بأنهما أبناء ثورة اعتمدت على النهج الرباني، واحترام الإنسان، وجعل القيم الاخلاقية فعل مقاوم وليس فعلاً تنظيرياً من أجل المكاسب الشخصية ومن أجل المصالح الاقتصادية لدول استعمارية ناقصة الإنسانية والدين ولديها الخطط والعقل الشيطانية!

 

وينهي كلامه الأستاذ جهاد أيوب، قائلاً: ما قام به الشهيد سليماني ليس عابراً، بل دخل العتمة من أجل النور، غامر بروحه كي يؤمن الاستقرار للأرواح المعذبة، ووقف على أرض ثورة ثابتة في الدفاع عن المظلوم، والأهم في حركة الشهيد سليماني إنها تنبع من لجم المشاريع الصهيواميركية في المنطقة دون استغلال إنسان وخيرات أرض المنطقة.. هذا الفارق الأساسي في فهم مقاومة الشهيد سليماني ومقاومة منطقتنا.

 

وما قام به الشهيد المهندس يندرج تحت فهم دور الإنسان إن ظلم وسلبت مقومات وجوده، ولذلك كان السند والجسر والوطن، ودوره أن يشارك في زرع المواجهة دون خوف وكلل!

 

شهداء المقاومة أمة حاكت المخاطر كي يحيى الإنسان، ومن أجل بزوج فجر جديد لا تشوبه شائبة!

 

المصدر: الوفاق/ خاص