واحتشد أكثر من 50 ألفا في مدينة حيفا و3 أضعاف هذا العدد في ميدان رئيسي في تل أبيب، إضافة إلى الآلاف في مدن ومناطق مختلفة، ورفع المتظاهرون العلم الإسرائيلي وشعارات تتهم بنيامين نتنياهو وحلفاءه من اليمين المتطرف والعنصريين والمتدينين المتشددين بالانقلاب على القضاء والسلطة والنظام السياسي والسعي لتحويله إلى دكتاتورية تهدر حقوق المواطنين.
وفي سياق متصل، أصدر قائد الشرطة، المفتش العام يعقوب شبتاي، إعلانا نادرا بثه التلفزيون تراجع فيه عن خطط لنقل قائد شرطة تل أبيب إلى منصب آخر، وهي الخطوة التي خشي البعض أن تنذر بخطط لقمع أشد للاحتجاجات. وأكد شبتاي أنه لا يعتزم الاستقالة من منصبه وأنه باق على رأس عمله من أجل حماية مصلحة مواطني “إسرائيل”، حسب تعبيره.
وأضاف، في بيان، إنه أخطأ التقدير عندما أقال قائد شرطة منطقة تل أبيب بأمر من وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير الذي اتهمه بالفشل في قمع المظاهرات، مشيرا إلى أنه أدرك خطأه وأنه لن يرضخ لأي ضغوط سياسية. وحول هذا السياق، رأى سليم بريك الخبير في الشأن الإسرائيلي أن الأزمة الداخلية في “إسرائيل” تعكس الشرخ العميق بين قوى يمينية متشددة ومتطرفة وأخرى ليبرالية، فضلا عن الفاشية التي تتطور داخل المجتمع الإسرائيلي ودكتاتورية تمارسها حكومة بنيامين نتنياهو.
وأغلق متظاهرون إسرائيليون الطرق المؤدية إلى مطار بن غوريون في تل أبيب ضمن تحركات احتجاجية تحت عنوان “مقاومة الدكتاتورية” ترفض مشروع الحكومة لتعديل النظام القضائي، في سياق أزمة داخلية تتزامن مع تصعيد إسرائيلي دامٍ ضد الفلسطينيين، يتجاهل دعوات أميركية وغربية للتهدئة، صدر أحدثها عن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن خلال زيارة حالية لـ “إسرائيل”. وتحدث بريك، عن فاشية تتطور داخل المجتمع الإسرائيلي وتتأثر بالاحتلال، وعن شعبوية يمينية، بين اليهود المتدينين “الحريديم” الذين لا يريدون الديمقراطية وبين الصهيونية الدينية التي تريد السيطرة الإسرائيلية على كل شيء، مشيرا إلى قلق الإسرائيليين من الهجوم على مؤسسة القضاء، قائلا إن الدكتاتورية تبدأ بالهجوم على القضاء، وحدث ذلك في أوروبا الشرقية وفي تونس.
وكان نتنياهو اتهم المعارضة الإسرائيلية بالسعي للإطاحة بحكومته من خلال اعتماد أسلوب الفوضى. وهو اتهام رد عليه زعيم المعارضة يائير لبيد بأن وصف نتنياهو بالكاذب، والذي يترأس فريقا حكوميا يعمل على تحويل “إسرائيل” إلى دولة متطرفة وغير ديمقراطية. وتشهد “إسرائيل” منذ أكثر من شهرين مظاهرات متصاعدة أسبوعيا للضغط على الحكومة للتراجع عن خطط تقليص صلاحيات القضاء الإسرائيلي لصالح السلطتين التشريعية والتنفيذية. وفي المقابل، ربط مردخاي كيدار -وهو أستاذ العلوم السياسية في جامعة بار إيلان والباحث في شؤون الشرق الأوسط- الأزمة الداخلية في “إسرائيل” بما اعتبره تحركات اليسار الذي خسر الانتخابات للتحكم بمقاليد الدولة عبر منظومة القضاء.
وأضاف إن المتظاهرين في الشوارع هم النخبة التي خسرت الانتخابات مرة تلو الأخرى، وهي تحتج لأن السلطة تفلت من أيديها. مؤكدا أن هناك مشكلة توازن بين الكنيست والحكومة والمنظومة القضائية في “إسرائيل”.
ومن جهة أخرى، انتقد كيدار ما وصفها بالتدخلات الأميركية “السافرة” في الشؤون الداخلية لـ “إسرائيل”، متحدثا عن ضغوط تمارسها واشنطن على حكومة نتنياهو. غير أن بريك – وهو أيضا محاضر في العلوم السياسية من الناصرة- استبعد وجودَ ضغوط أميركية على حكومة نتنياهو، ورأى أنّ واشنطن تعطي مليارات الدولارات لـ “إسرائيل” وتحميها أمنيا واستراتيجيا، وتحميها من نفسها.
ووفق وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، فإن وزير الدفاع الأميركي أوستن أكد لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو” متانة الشراكة الإستراتيجية بين الجانبين”، وأعرب عن رغبة واشنطن في تعميقها؛ كما أكد أوستن في لقائه نتنياهو على التزام بلاده الصارم بأمن “إسرائيل” وتفوقها العسكري النوعي وتجدر الإشارة إلى أن الأراضي المحتلة شهدت في الأسابيع الأخيرة مظاهرات حاشدة ضد سياسات الحكومة اليمينية المتطرفة لنتنياهو لإصلاح النظام القضائي لهذا النظام، حيث جرت هذه المظاهرات في مدينة القدس المحتلة وأمام الكنيست (البرلمان) للنظام الصهيوني. وفي القدس اصطف معارضو سياسات نتنياهو أمام مجموعة من المستوطنين يدعمون سياساته وهددوا بعضهم البعض.
وأمام الكنيست، اجتمع عشرات الآلاف من المعارضين لسياسات مجلس الوزراء لنتنياهو لإجراء إصلاحات في النظام القضائي وهتفوا ضده. وحاول المتظاهرون عبور السياج الذي أقامته قوات الأمن التابعة للنظام الصهيوني والدخول إلى مبنى الكنيست، عندما اشتبكت الشرطة معهم. وتزامن وجود هؤلاء الصهاينة أمام الكنيست مع مراجعة مشروع قانون الإصلاح القضائي الذي أرسلته حكومة نتنياهو إلى الكنيست.
ووقعت هذه المظاهرات في ظل صراع عنيف بين الائتلاف الوزاري اليميني المتطرف برئاسة نتنياهو والفصيل المعارض برئاسة رئيس الوزراء السابق يائير لابيد. وينظر قادة معارضة النظام الصهيوني في الإصلاحات القضائية لحكومة نتنياهو لإضعاف النظام القضائي ومحاولة نتنياهو منع محاكمته في ثلاث قضايا فساد ورشوة، وقد أثاروا منذ فترة طويلة نقطة أن هذه الإجراءات لمجلس الوزراء سيجعل النظام الصهيوني ذلك سيؤدي إلى الصراع والحرب الأهلية والانهيار التدريجي. وتناقلت وسائل الإعلام الصهيونية الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية المتردية في هذا النظام الغاصب.
وحسب صحيفة “غلوبس” الاقتصادية (الصهيونية)، “أينما نظرت، أصبحت الشوارع والتقاطعات والمنطقة الواقعة أمام “الكنيست” تعَبر عن الغضب الإسرائيلي. ويوم الاثنين، ترك حوالي 300 ألف إسرائيلي وظائفهم وسكنهم في مدن أخرى وتوجهوا إلى مبنى الكنيست للتعبير عن احتجاجهم أمام النواب في الوقت نفسه الذي يناقش فيه البرلمان عملية الإصلاحات القضائية”.
ووفقًا لموقع “كالوليست” الاقتصادي، إن “الانقلاب السياسي المدمر الذي تنفذه حكومة نتنياهو قد وحد جميع الاقتصاديين من مختلف المدارس الفكرية ولقد حذر كبار خبراء صندوق النقد الدولي، والمستشارين الاقتصاديين للقادة الأمريكيين، والشخصيات المؤثرة في البنك الدولي، وكبار أساتذة الاقتصاد في هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وشخصيات أخرى موجودة في مراكز صنع القرار المهمة والمؤسسات المالية الكبيرة وأسواق رأس المال والشركات الدولية، من أن هروب رأس المال وارتفاع التضخم سيقوض الإنتاج الإسرائيلي.
وأعلنت يديعوت أحرونوت عن اجتماع متوتر في وزارة المالية الإسرائيلية وقالت: “ذهب جميع مديري البنوك الإسرائيلية إلى مكتب وزير المالية، سموت ريتش، في 25 شباط / فبراير للتحذير بلغة واضحة وحادة من أن برنامج الحكومة للتغييرات القضائية سوف يؤثر على الاقتصاد الإسرائيلي وقال مديرو البنوك إن شرخًا رهيبًا ظهر في المجتمع الإسرائيلي، وهو تهديد مباشر للوجود والاقتصاد، وإن العديد من رؤوس الأموال تغادر “إسرائيل” بالفعل.