ففي طريق عودته من الصين في زيارة أجراها كانت قد انضمت معه فيها رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أنه يتوجب على أوروبا أن تقلل من اعتمادها على الدولار الأميركي خارج “الحدود الإقليمية”. وخلال مقابلة مع صحيفة “بوليتيكو”، وعدد من الصحفيين الفرنسيين على متن طائرته عائداً من زيارة للصين، قال ماكرون إنه “يتعين على أوروبا تقليل اعتمادها على الولايات المتحدة”.
*رسالة أوروبية
إلاّ أن رسالة الوحدة التي أراد الأوروبيون بعثها من خلال زيارة ماكرون و فون دير لاين حول الوحدة الاوروبية في الموقف ازاء التطورات العالمية، سرعان ما تم تقويضها من الجانب الصيني بعد المسؤولين، من خلال الترتيبات والمراسيم التي احتفت بزيارة ماكرون، مقابل استبعاد فون دير لاين من حضور العديد من المناسبات المهمة.
ويشير خبراء إلى أن اختيار مدينة قوانغتشو التي عمل فيها والد شي كمسؤول كبير، كانت “لفتة شخصية” من الزعيم الصيني تجاه ماكرون الطامح إلى الحفاظ على مصالح بلاده الاقتصادية والتجارية مع الصين.
وفي السياق، لفت ماكرون إلى أن أوروبا زادت من اعتمادها على الولايات المتحدة في مجال الأسلحة والطاقة أيضاً، وبالتالي يتوجب على أوروبا الآن التركيز على تعزيز الصناعات الدفاعية الأوروبية.
*نهاية عصر الهيمنة الأمريكية
وكانت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية قد نشرت في تقرير لها أنّ معظم دول العالم حالياً تتجه إلى التخلي عن الدولار، وأنّ واشنطن هي التي دفعت بنفسها إلى هذا الوضع من خلال استخدام عملتها كأداة للضغط السياسي.
وكان قد اختتم ماكرون، الجمعة، زيارة الدولة التي قام بها إلى الصين بتناول الشاي مع نظيره شي جين بينغ، في مدينة قوانغتشو، بعد ثلاث أيام من اللقاءات والمباحثات بين مسؤولي البلدين، وبحث خلالها تعزيز العلاقات في كافة المجالات في حين تم تجنّب الخوض في موضوع الحرب الاوكرانية وهو ما تبين في البيان الختامي الذي تمخضت عنه اجتماعات شي وماكرون.
*رغبة أوروبية للتحرّر
يبدو أن هناك حاجة أوروبية واضحة إلى القيام بدور أكثر استباقية في إطار حلف “الناتو”، للحفاظ على الأمن الأوروبي وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة.
موقع “سي جي تي إن” الصيني نشر مقالاً يتحدّث فيه عن طموحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى تحقيق استقلال استراتيجي أوروبي أكبر، ويتحدث عن الوضع الاقتصادي الأوروبي “السيء للغاية”.
وجاء في المقال:قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، للصحفيين في الأسبوع الماضي، إن أوروبا بحاجة إلى القيام بدور أكثر استباقية في إطار حلف “الناتو”، للحفاظ على أمنها وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة. وقوبل قوله ببعض الشكوك بين الحلفاء، حيث رأى بعضهم المقترح بمثابة خيانة للعلاقة ببين ضفتي الأطلسي.
دعوة ماكرون إلى “الحكم الذاتي الاستراتيجي” لأوروبا، تضاعفت بسبب توتر العلاقات مع واشنطن خلال سنوات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي اتبع استراتيجية “أميركا أولا”، التي أشعرت الحلفاء أنهم تركوا في العراء، ومطالبون بزيادة إنفاقهم الدفاعي، والتوقف عن الاعتماد على المساعدات الأمنية من واشنطن.
*دوافع عدّة
لا ريب أن توجهات ترامب كانت عدوانية بحق الحلفاء في “القارة العجوز”. و قللت من أهمية انحياز أوروبا، إلى جانب الولايات المتحدة، في التأثير العالمي العام للأخيرة. وشكّلت سياسات ترامب، إهانة شديدة للقادة الأوروبيين. وعلى ما يبدو أن الأمور لم تتغير في عهد الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، مما حدى بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى اتخاذ خطوات أكثر استباقية في الحكم الذاتي الاستراتيجي. خاصة بعد الانسحاب الأميركي الفاشل من أفغانستان، والاتفاق الأمني “أوكوس”، الذي طعن بالمصالح الفرنسية بعمق.
*إطار دفاعي أوروبي مشترك
استخدمت باريس هذه الأحداث، ولا سيما الأخيرة، للدفع باتجاه إطار دفاعي أوروبي مشترك، تقول إنه سيكمل حلف “الناتو”. لكن واشنطن، ترفضه وتقاومه بشدة حتى الآن. مما يعني المزيد من الهشاشة في العلاقة عبر الأطلسي، وفي الوقت نفسه، لا يوجد أي مؤشر على أن سيطرة الحزب الديمقراطي على البيت الأبيض، تعني الابتعاد عن دبلوماسية “أميركا أولاً”، بالنظر إلى الإجراءات المذكورة أعلاه من قبل إدارة بايدن، وكأن دونالد ترامب نفسه يسيطر علآ السياسة الخارجية للبلاد.
يطمح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى تحقيق استقلال استراتيجي أوروبي أكبر، بشكل عملي وليس كرد فعل عشوائي، رغم موقف البعض من السياسيين الأوروبيين، الذين يريدون على الأرجح الحفاظ على الوضع الراهن عبر المحيط الأطلسي، كما كان قبل عهد ترامب، بغض النظر، عن أن شعار “أميركا أولاً” يشمل كلا الحزبين، مما سيغير من الحسابات الاستراتيجية للأوروبيين.
*وضع اقتصادي سيء
الوضع الاقتصادي في أوروبا سيء للغاية. تهدد أزمة الطاقة المستمرة الجزء الأكبر من الصناعات الأوروبية، وتعرض للخطر عدداً لا يحصى من الوظائف وقطاعات كاملة من اقتصاد القارة. يتعين على القادة الأوروبيين أن يفعلوا ما يجب عليهم فعله لضمان القدرة التنافسية العالمية للاتحاد الأوروبي والازدهار المحلي، مع الأخذ في الاعتبار طريقة تفكير واشنطن الدائمة “أميركا أولاً”.
وهذا يعني بطبيعة الحال إطاراً استراتيجياً أوروبياً أكثر اعتماداً على الذات، والذي ينطبق بوضوح على المجالات الأكثر أهمية مثل الأمن والتكنولوجيا. وهذا أمر بديهي وعقلاني.
*توترات ومخاطر جمّة في اوروبا
الحرب في أوكرانيا مع موجة واسعة من التضخم وأزمة في قطاع الغذاء والطاقة حطمة مزاعم تفوق الاقتصاد الغربي، في حين سارعت واشنطن لبيع الغذاء والطاقة لأوروبا أغلى بعدّة أضعاف بالإضافة إلى استفزاز أوروبا لشراء أسلحة. كل هذه التطورات جلبت موجة من الإضرابات والاحتجاجات في شوارع أوروبا، بما في ذلك فرنسا والتي صاحبها بالطبع قمع أمني شديد.
لكن في غضون 13 شهرًا فقط ، حققت الصين نموًا اقتصاديًا كبيرًا على المسرح العالمي.
بالنظر إلى هذه الحقائق وحالة أوروبا المنهارة وعدم موثوقية الوعود الأمريكية الواضحة، يمكن تقييم الهدف الرئيسي والحقيقي لماكرون وفون دير لاين للتمتع بإحياء العلاقات الاقتصادية مع الصين.
إن عدم ذكر دور الناتو في التوتر العالمي الأخير وتجاهل خطة الصين المكونة من 12 نقطة لحل الأزمة الأوكرانية دليل على عدم وجود العقلانية ولا نضج سياسي بين القادة الغربيين للتوصل إلى حل سياسي.
وتجلت هذه القضية بوضوح في رد فعل الصين على طلبات ماكرون وفون دير لاين، حيث ناقش شي في لقائه مع ماكرون، مرة أخرى التغييرات والنظام الجديد في المشهد الدولي وهو نوع من التعبير عن نهاية الأحادية الغربية.