تمرّ علينا اليوم ذكرى أعظم فاجعةٍ بعد فقد الرسول الأكرم محمد(ص)، ألا وهي ذكرى استشهاد يعسوب الدين وقائد الغرّ المحجّلين الإمام علي(ع)، وزير رسول الله ووصيّه وخليفته من بعده على الخلق أجمعين، وذلك في الواحد والعشرين من شهر رمضان عام أربعين من الهجرة.
وتُشير الروايات إلى أنّه في ليلة الواحد والعشرين أُغمِي على أمير المؤمنين(ع) ساعة، ثمّ أفاق فقال: هذا رسول الله(ص)، وعمّي حمزة، وأخي جعفر، وأصحاب رسول الله(ص)، وكلّهم يقولون: عجِّل قدومك علينا فإنّا إليك مشتاقون، ثمّ دار عينيه في أهل بيته كلّهم، وقال: أستودعكم الله جميعاً سدَّدكم الله جميعاً حفظكم الله جميعاً، خليفتي عليكم الله وكفى باللّه خليفة.
ثمّ قال: وعليكم السلام يا رسل ربّي، ثمّ قال: “لِمِثْلِ هَٰذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ… إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ” وعرق جبينه، وما زال يذكر الله كثيراً ويتشهّد الشهادتَيْن، ثمّ استقبل القبلة وأغمض عينَيْه ومدّ رجلَيْه ويدَيْه، وقال: أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمّداً عبده ورسوله، ثمّ قضى نحبه (عليه السلام) وفاضت روحه الشريفة.
وا إماماه!! وا عليّاه!! وا سيّداه!!.. وارتفعت الصيحة.. فعلم أهلُ الكوفة أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) قد قُبض، فأقبل النساءُ والرجال يهرعون أفواجاً أفواجاً، وصاحوا صيحةً عظيمة، فارتجّت الكوفةُ بأهلها وكثر البكاء والنحيب، وكثر الضجيج في الكوفة وقبائلها ودورها وجميع أقطارها، فكان ذلك اليوم كاليوم الذي مات فيه رسول الله(صلّى الله عليه وآله).
وقال محمد بنُ الحنفية: لمّا كانت ليلة إحدى وعشرين، جمع أبي أولاده وأهل بيته وودّعهم، ثمّ قال لهم: الله خليفتي عليكم، وهو حسبي ونعم الوكيل. وتزايد ولوجُ السمّ في جسده حتّى نظرنا إلى قدمَيْه وقد احمرّتا جميعاً، فكبر ذلك علينا وأيسنا منه. ثمّ عرضنا عليه المأكول والمشروب فأبى أن يشرب، فنظرنا إلى شفتَيْه يختلجان بذكر الله، ثمّ نادى أولاده كلّهم بأسمائهم واحداً بعد واحد، وجعل يودّعهم وهم يبكون، فقال الحسن: ما دعاك إلى هذا؟ فقال أميرُ المؤمنين: يا بنيّ إنّي رأيتُ جدّك رسول الله(صلّى الله عليه وآله) في منامي قبل هذه الكائنة بليلة، فشكوت إليه ما أنا فيه من التذلّل والأذى من هذه الأمّة، فقال لي: ادعُ عليهم. فقلت: اللهمّ أبدِلْهم بي شرّاً منّي، وأبدِلْني بهم خيراً منهم، فقال لي رسولُ الله: قد استجاب الله دعاءك، سينقلك إلينا بعد ثلاث. وقد مضت الثلاث، يا أبا محمد أوصيك ويا أبا عبد الله خيراً، فأنتما منّي وأنا منكما.
ثمّ التفت إلى أولاده الذين من غير فاطمة(عليها السلام) وأوصاهم أن لا يخالفوا أولاد فاطمة، يعني الحسن والحسين(عليهما السلام)، ثمّ قال: أحسن الله لكم العزاء، ألا وإنّي منصرفٌ عنكم وراحلٌ في ليلتي هذه، ولاحقٌ بحبيبي محمد(صلّى الله عليه وآله) كما وعدني، وقال لولده الحسن: فإذا أنا متُّ فغسّلني وكفّنّي وحنّطني ببقيّة حنوط جدّك رسول الله، فإنه من كافور الجنة، جاء به جبرائيل إليه، ثمّ ضعني على سريري، ولا يتقدّم أحدٌ منكم مقدّمَ السرير، واحملوا مؤخّره واتبعوا مقدّمه، فأيّ موضعٍ وُضع المقدَّم فضعوا المؤخَّر، فحيث قام سريري فهو قبري، ثمّ تقدّم يا أبا محمد وصلّ عليّ وكبّر عليّ سبعاً….