عادات سورية متوارثة من الأجداد إلى الأبناء

حرصت العائلات السورية على توارث طقوس شهر رمضان المبارك والتمسك بها حتى باتت طقوساً عامة تتنوع حسب المدن والمحافظات التي أعطتها صبغة محلية غنية بالعادات المجتمعية

2023-04-17

حافظت العائلات السورية على جوهر فضائل الشهر الكريم والروحانيات التي يتميز بها، والقيم الأخلاقية السامية، والسلوكيات الخيرة للإنسان، ولعل أهمها الصبر والحلم والإحساس بالآخرين والتسامح وإصلاح ذات البين.

طقوس رمضان بين الماضي والحاضر في حمص

طقوس رمضان تأخذ في محافظة حمص نكهة خاصة، حيث يترقب الناس هلال رمضان وحكايات الحكواتي، وعبارات المسحراتي والمأكولات والمشروبات الرمضانية، وارتياد المقاهي الشعبية بعد الإفطار، والاجتماعات الأسرية، وافتتاح الأسواق حتى ساعات متأخرة من الليل قبل عيد الفطر، وحافظت هذه الطقوس على خصوصيتها، في حين اختفى بعضها الآخر في ظل التقدم التكنولوجي المتسارع وتغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية الحياتية.

وعن طقوس رمضان بين الماضي والحاضر قال الدكتور عبد الرحمن البيطار باحث تاريخي وأستاذ جامعي بحمص: “اعتاد أهالي حمص قديماً على سماع صوت المدفع عند الفطور والسحور كتقليد متوارث منذ مئات السنين قبل توقفه منذ سنوات حيث كان يطلق بداية من القلعة ثم انتقل إلى الملعب البلدي”.

وأضاف: “إن رب العائلة يبادر بليلة رمضان وهي الليلة التي تسبق الصيام إلى شراء حاجيات الأسرة لاستقبال أول أيام الصيام، وفي أوقات المغرب كانت تضاء قناديل المساجد في ليالي رمضان احتفاءً به من لحظة أذان المغرب وحتى الإمساك، وتزدحم الأسواق بالباعة والمشترين خلال الساعات التي تسبق موعد الإفطار ليعمها السكون خلال اجتماع العائلات حول الموائد ثم تعود الناس للتسوق أو ارتياد المقاهي من جديد بعد صلاة العشاء لتستمر حتى ساعة متأخرة من الليل”.

وأوضح البيطار أن شراب العرقسوس يعتبر من المشروبات الخاصة برمضان، والذي حافظ على شعبيته في حمص إلى جانب منقوع قمر الدين والتمر الهندي والتوت الشامي والحلويات بأنواعها الكثيرة التي لا تزال منتشرة حتى الآن.

موائد تجسد صورة رمضان في الذاكرة

لفت البيطار إلى موائد رمضان التي لا تزال تجسد صور رمضان في الذاكرة إلى وقت قريب، حيث تقام في الساحات أمام المساجد أو حول الجدار الخارجي له على نفقة أهل الخير، كما حرص الوجهاء والميسورون قديما على تواجد التمر في المساجد القريبة وفي مساجد الحي، كما تسند جرار الماء الكبيرة المطيبة بماء الزهر على الحائط الشمالي لمسجد الصحابي خالد بن الوليد، مشيراً إلى أن العزائم والدعوات بين الأقارب على الإفطار أو ما يعرف بعزيمة رمضان تعتبر من الطقوس التي مازالت مستمرة حتى يومنا هذا وتحمل في مضمونها تعزيز الروابط الأسرية وتوطيد العلاقات الاجتماعية.

ما هي الحلويات والمشروبات الرمضانية المشهورة في حمص ؟

تتسع قائمة الحلويات الرمضانية والمشروبات الشعبية المشهورة في حمص والتي يحرص الأهالي على تناولها خلال الشهر المبارك، ولأصناف منها تاريخ عريق وشيوخ كار ورثوا صناعتها أباً عن جد.

وعن أهم المشروبات الرمضانية تحدث محي الدين السواس الذي يعد من أقدم صناع العرقسوس في حي الميدان بحمص لمراسلة سانا أن العرقسوس والجلاب والتمر الهندي من أهم مشروبات الشهر الكريم في حمص، وهي صناعة قديمة ورثها عن أبيه وجده.

واستعرض مراحل صنع العرقسوس بدءاً من نقعه في الماء وإضافة مكونات إليه ثم وضعه بقماش خاص وتكريره وصولاً إلى قوامه النهائي، فيما يحتاج التمر الهندي والجلاب إلى نقع بماء ساخن وتصفية حتى يصبح رائقاً.

خبزة رمضان

وعن خبز رمضان المحبب بالنسبة لجميع أهالي المدينة قال صاحب مخبز الرضوان محمد فهد الرضوان: “خبزة رمضان بأشكالها المختلفة صناعة معروفة قديماً وملازمة لمدينة حمص في شهر رمضان المبارك وقد تطورت خلال الأعوام الأخيرة حيث دخل في صناعتها جوز الهند والقشطة والشوكولا والجبنة”، مؤكداً إصرار أصحاب الصنعة في الحفاظ عليها ومنع زوالها.

وعن حلاوة الجبن قال أحد عمال حلويات سلطان الحلو الشاب محمد حالو: “إنها من أهم حلويات المنطقة الوسطى (حمص وحماة) وهي تصنع من الجبنة والمياه والسميد والسكر والقشطة، وتعتبر غذاء كاملاً خلال الشهر المبارك وهي حلوة خفيفة وتناسب جميع طبقات المجتمع”.

وأوضح أن هناك 21 صنف حلويات يقبل على شرائها أهالي المدينة في رمضان إلا أن حلاوة الجبن تتصدر هذه القائمة نظراً لخصوصيتها وحب أهل حمص لطعمها وشهرتهم بصناعتها، في حين تحدث الشاب باسل السلقيني من عمال محلات الحلواني المشهورة بحمص عن التمرية والمشبك والعوامات.

طقوس رمضان في درعا حل الخلافات وإصلاح ذات البي

طقوس رمضان في بلدة المزيريب التي تقع في أقصى الجنوب السوري والمتاخمة لمدينة درعا تحتفل كباقي قرى حوران في شهر رمضان المبارك، ويخيم على هذه المحافظة عادات وطقوس أصيلة وأجواء دينية مميزة لا تندثر.

لعل أجمل الأجواء الرمضانية في هذا الشهر الفضيل هي اجتماع الأسرة على مائدة واحدة وسط فرحة الأهل ولمة العائلة بالإضافة للمساجد التي تعمر بالمصلين والذاكرين فيحتفي أهل البلدة بليالي القدر فيخصونها بمزيد من الاجتهاد في العبادة، ومن الطقوس المتبعة أيضاً في الشهر المبارك هي صلة الرحم وإصلاح ذات البين.

يقول الحاج حمد الذيب أبو زياد أحد كبار السن في المزيريب لمراسلة سانا: “يسعى أهل الخير ووجهاء العشائر الموجودون بالبلدة إلى حل الخلافات الناشبة بين أبنائها لتتصافى القلوب في الأيام الأولى من الشهر الفضيل، ويصل كل ذي رحم رحمه من خلال تبادل الزيارات وتوزيع “طعمة رمضان” كما تسمى في كافة قرى درعا وهي عبارة عن توزيع الأخ على أخواته (فروجاً نيئاً أو ثمناً نقدياً) ويدفع أيضاً للعمة أو الأخت.

أطباق طعام بيضاء

ومن الطقوس التي مازالت تحافظ عليها البلدة هي الدخول على شهر رمضان بالبياض والخروج منه بالبياض، حيث أوضحت خديجة السيد أنه في أول يوم من شهر رمضان تكون على المائدة أطباق طعام بيضاء ومنها “المليحي والششبرك والأوزي”، موضحة أن ثقافة الطعام في بلدة المزيريب متنوعة لتنوع الثقافات الموجودة فيها، فهذه البلدة عبارة عن تجمع سكاني كبير من أهل البلدة ومن أهالي الجولان العربي السوري المحتل ومن اللاجئين الفلسطينيين.

السكبة كتعبير عن التكافل الاجتماعي

وعلى الرغم من هذا التنوع إلا أنه لم يغب عن هذه البلدة تمسكها بالعادات الأصيلة في رمضان مثل عادة السكبة التي يتبادلها الجيران والأقارب، حيث أشارت يسرى الحاج علي وهي ربة منزل إلى أنها تحرص على أن يتذوق الناس من الطعام الذي تصنعه، كما أن العديد من الأسر يقوم بإرسال جزء من الطعام الذي يقومون بتحضيره للإفطار إلى الجيران في البناء المجاور الموجود في الحارة نفسها، مبينة أن هذا العادة تزيد من المودة والمحبة والتكافل الاجتماعي وتوطد العلاقات بين الناس.

زهرة قاسم طالبة جامعية قالت: “إن الشهر الكريم له قيمته الخاصة إلى جانب اللمات العائلية والأجواء الحميمية المفعمة بالروحانيات”، موضحة أن ما يضيف للشهر نكهته وجود مسحراتي البلدة الذي يقرع بطبله منشداً بعض العبارات ليوقظ الناس على السحور والصلاة.

(التفطيرة) إفطار جماعي من طقوس رمضان في طرطوس

طقوس رمضان في ريف طرطوس لا تختلف عنها في بقية المحافظات، فببساطة وروح العمل الجماعي الذي اعتاد عليه أهالي الريف ينشغل أبناء مدينة الشيخ بدر بتحضير وجبات الإفطار الجماعية التي تجمع الكثير من أبناء المدينة خلال شهر رمضان الكريم.

عادات الإفطار الجماعي التي تنتقل من منزل إلى منزل خلال الشهر الكريم في الشيخ بدر قديمة وتعود لعقود طويلة، حيث تروي السبعينية فاطمة صالح من حي المريقب في الشيخ بدر مستذكرة طقوس الشهر الكريم منذ الصغر، أن هذه الطقوس كانت تبدأ مع التماس هلال الشهر المبارك واستقباله بفرحة غامرة، والبدء بتجهيز غرفة في المنزل الطيني القديم وفرش أرضها بالبسط والحصر والسجاد إن وجد لأداء الصلاة فيها لأهل الحي.

تحضيرات سيدات المنازل كانت تبدأ حسب صالح بتأمين مؤونة الشهر من طعام للسحور والفطور مثل التمر والزيتون والمكدوس والباذنجان المشوي أو المقلي والكوسا والفاصولياء والتين والعنب وكلها من إنتاج أرضهم الطيبة، وحسب موسم الصوم وقتها، إلى جانب البيض والسمن والحليب واللبن ومشتقاتهما.

أما خبز التنور فهو حكاية أخرى لدى صالح، فقد كانت والدتها تخبز كل يوم أو يومين من 70 إلى 100 رغيف من طحين الحنطة البلدية السمراء المخلوط بالقليل من الطحين المهجن ليسهل خبزه على التنور في جوار البيت.

وأشارت إلى أن أهالي القرية كانوا يجتمعون في منزلهم بعد الإفطار لأداء الصلاة وقراءة القرآن الكريم والتضرع إلى الله بدعوات الخير والرزق، وعند الإنتهاء كانوا يتناولون مشروب الزهورات أو الزوفا أو الشاي، ويتسامرون ويتشاورون في أمور القرية.

وختمت حديثها بالقول: “إلى اليوم أصوات قراءة القرآن في المنازل بعد السحور تتلاقى في فضاء القرية الواسع، ورائحة البخور تعبق في الأماكن وتعطر كل الأنحاء” مؤكدة أن هذا الطقس الروحاني يمد الناس والأطفال بالدفء، ويبعث على الخشوع والطمأنينة.

عادات وتقاليد مرتبطة بشهر رمضان بمدن الحسكة

الطقوس الرمضانية في مدن وأرياف الجزيرة السورية ما بين الماضي والحاضر تحدث عنها الباحث محمود الخضير لمراسل سانا، فأشار إلى أن التحضير لدخول الشهر الكريم يبدأ عن طريق شراء رب الأسرة وفق قدرته المالية بعض الحاجيات الضرورية للإفطار والسحور، ومواد غذائية كالتمر والتين والحلاوة، وفي أول يوم من أيام رمضان المبارك يقوم شيخ العشيرة أو المختار في كل منطقة بإقامة وليمة يذبح فيها الأغنام، وتقدم فيها المناسف التي يدعى إليها الجميع في تعزيز لروابط الألفة والمحبة بين الجميع.

ولفت الخضير إلى أن من العادات الجميلة المنتشرة في الأرياف إحياء ليلة القدر، وفيها عادة جمع الطعام من البيوت حيث يطوف بعض الرجال والشباب على بيوت القرية لجمع ما يتم جمعه من مواد غذائية ومن ثم يقومون بتناولها وقت السحور في أحد البيوت.

وتابع الخضير: “إذا ما جاء عيد الفطر يقوم كذلك شيخ العشيرة أو الوجهاء بإقامة وليمة يدعون إليها الناس تعبيراً عن الفرح بقدوم العيد، وغالباً ما كانت تقام خلال أيام العيد مباريات ومنافسات لسباق الخيل بين القرى القريبة من بعضها”.

أما الباحث عايش الكليب فأشار إلى أن العادات والتقاليد المرتبطة بالشهر الكريم في مدن محافظة الحسكة تبدأ مع اقتراب دخول شهر رمضان، حيث يحرص الأهالي على شراء المواد الغذائية من الأسواق التي غالباً ما تشهد ازدحاماً، وفيما يتعلق بالطعام الذي يحضر للإفطار فهذا الأمر مرتبط بالقدرة المالية لرب الأسرة، إلا أن هناك عادة جميلة تسمى (الصبة) حيث يتبادل من خلالها الجيران سكب مواد الطبخ فيما بينهم فتتلون وتتشكل أصناف الطعام على المائدة الواحدة.

وأشار الباحث الكليب إلى أنه من العادات التي اختفت في المدن عادة ضرب الطوب أو مدفع الإفطار التي كانت منتشرة في الأحياء، ومن خلالها يعرف الناس موعد الإفطار أو الإمساك، كما اختفت في كثير من المدن والأحياء عادة (المسحراتي) الذي كان يقوم بإيقاظ الأهالي لموعد السحور.

الأصالة والتراث في الطقوس الرمضانية في حلب

في حلب تتنوع الطقوس والاحتفالات بشهر رمضان المبارك، من زينة واحتفالات إلى عبادات وقراءة قرآن وموائد الرحمن، حيث أكدت المعلمة فاطمة محمد أن الأصالة والتراث ما زالت موجودة في حلب على الرغم من ظروف الحرب وكارثة الزلزال الأخير، فتجد يتمسكون بتفاصيل وعادات حتى لو بإمكانيات بسيطة، فتشم في مختلف حاراتها روائح المعروك الحلبي الذي يعتبر مادة أساسية على مائدة السحور في رمضان، وهو عبارة عن عجين محضر من الطحين والبيض والحليب إضافة إلى السكر والفانيليا والخميرة، يتم خبزها وحشوها بحشوات مختلفة كالتمر أو القريشة أو السمنة العربية والسكر أو أي حشوة تعطيه نكهة مختلفة، وقد يترك دون حشو، وله طعمه الخاص الذي يميزه عن غيره من المعجنات.

وأشار الممثل سعيد عبد الحق إلى أنه مع قدوم شهر رمضان تتغير الأطعمة التقليدية في الأسواق إلى أطعمة ومأكولات رمضانية، إذ ينتشر بداية التمر والمشروبات كالعرقسوس والتمر هندي والجلاب، إضافة إلى أنواع حلويات مفضلة لدى الناس، كالقطايف والمشبّك واللقم، أما على المائدة فيعد طبق الفتوش والتبولة أساسياً بالنسبة لمعظم الحلبيين، إضافة إلى الشوربة والتي تكون في الغالب مكونة من العدس.

تذكرت المغتربة راما مصطفى العشر الأواخر من رمضان في حلب وشراء ثياب وكسوة العيد ولوازمه، حيث تكتظ الأسواق وتفتح أبوابها حتى وقت السحور، وتنهمك النسوة بإعداد حلوى العيد من كعك وبسكويت والمعمول المحشو بالجوز أو الفستق الحلبي.