في السنوات الأخيرة، ازدادت قوة ردع فصائل المقاومة الفلسطينية للکیان الصهيوني بشكل أكبر، فنرى الصهاينة اليوم يحسبون كل حساب قبل مهاجمة الفلسطينيين عسكريًا، وإذا فعلوا ذلك فسيواجهون ردًا قاسیًا من المقاومة. برأيكم ما هي الأمثلة التي تدل على زيادة قوة المقاومة الفلسطينية أمام الكيان الصهيوني؟
انتصارات المقاومة وتعاظم قوتها من المواضيع والقضايا التي صارت محل نقاش في الأيام الأخيرة. إن أحد الأدلة على تعاظم قوة المقاومة هو امتلاكها صواريخ نقطوية. في الماضي، عندما كانت تنطلق الصواريخ من غزة، كانت تسقط بعيداً عن الأهداف المرصودة لها، لكن في السنوات الأخيرة، لاحظ الكيان الصهيوني أن هذه الصواريخ نقطوية وتضرب بشكل مباشر مدن وأماكن استراتيجية تستهدفها المقاومة مثل محطات الوقود ومراكز توليد الكهرباء ومحطات الطاقة المحلية والإقليمية.
خلال الأيام الأخيرة، وبعد وقت قصير جدًا من غارات الطائرات الصهيونية المعتدية على غزة – ربما أقل من بضع دقائق – رأينا قوة المقاومة الفلسطينية، لأن المقاومة في غزة استطاعت بصواريخها إلحاق أضرار في أماكن مختلفة في الكيان الصهيوني وهذا يدل على استعدادها وقدرتها الآخذة في الازدياد.
والنقطة التالية هي الاتفاقية التي تم توقيعها العام الماضي بين مجموعة من قادة المقاومة والسيد حسن نصر الله في لبنان، وخلال اجتماع استمر 72 ساعة، حيث تم إعداد ميثاق، وتم فيه التأكيد على ضرورة حصول تعاون شامل بين حركات المقاومة ضد الكيان الصهيوني. يعتبر إعداد مثل هذه الاتفاقيات أحد الأدلة على قوة المقاومة. وفي مثال آخر على تعاظم قوة المقاومة والتي رأيناها في نهاية عام 2022؛ عندما اندلعت عمليات المقاومة في شوارع تل أبيب وتعرض الكيان الصهيوني لأضرار أمنية جسيمة نتيجة لذلك.
كذلك، على أثر الفوضى الداخلية، أطلقت التيارات المتشددة نداءً إلى الشباب الصهيوني جاء فيه: “يجب أن يحضر الشباب. يجب تدريب الذين لم يتم تدريبهم وتسليح من تم تدريبهم “.كان الغرض من توجيه هذه الدعوة هو تسليح الصهاينة المغتصبين. وهذا يدل على تعرض الكيان الصهيوني لضربة قاسية من المقاومة في المجال الأمني وعبر قرار تسليح المستوطنين يريدون وضعهم في مواجهة المقاومة. كل ما تم ذكره يظهر تعاظم قوة وتطور المقاومة.
قبل حوالي 9 سنوات، أكد الإمام الخامنئي على تسليح الضفة الغربية، لتصبح كغزة، كاستراتيجية أساسية لدعم فلسطين، والآن ازدادت العمليات المسلحة المستمرة في هذه المنطقة بشكل كبير مقارنة بالماضي. برأيكم هل يمكن اعتبار ازدياد عمليات المقاومة في الضفة نجاحاً لاستراتيجية تسليح الضفة؟
في عام 2022، تعرضت مدينة تل أبيب نفسها، وليس ضواحيها، بل الشوارع الرئيسية فيها، والتي كانت تعتبر من أكثر الأماكن أمانًا للتنزه في مراكز الترفيه والمطاعم حتى الصباح، تعرّضت لأضرار أمنية جسيمة وتعرض الصهاينة المغتصبون في هذه الأماكن لضربات من المقاومة. كثيرٌ من شباب المقاومة هم ممن قضوا حياتهم كلها تحت سيطرة الكيان الصهيوني، وكانوا قد ولدوا في الأماكن التي يحكمها الكيان الصهيوني. شباب المقاومة جاءوا من هناك، وتربوا على فكر المقاومة، على الرغم من دراستهم في مدارس الصهاينة وفي جامعات الصهاينة وكانوا من رياض الاطفال أو حتى بإمكاننا القول من المشفى الذي ولدوا فيه تحت سيطرة الصهاينة، العرب الذين يعيشون هناك في تلك الأماكن أصبحوا مقاومين.
لذلك، فإن الحلم الذي راودهم بأن الجيل الثالث والرابع بسبب تعليمهم وتربيتهم، وكتبهم المدرسية، ورياض أطفالهم، ورسومهم المتحركة، وتلفزيوناتهم، وأساتذتهم، ومعلميهم، لن تعود فلسطين غايتهم وقضيّتهم، ولن يبقى أحد يتحدث عن المقاومة في بيئتهم الحالية، لم يتحقق. لذلك تبين أن الشباب في مناطق 48 وكذلك في الضفة الغربية في القدس الشريف لديهم آراء وأفكار أهل غزة. بمعنى أنهم ثوريون تماماً، ومقاومون حد النخاع، يعادون الصهيونية بلا هوادة، ومستعدون لتنفيذ عمليات مختلفة.
فلسطين، التي وقّعت في يوم من الأيام اتفاقية أوسلو المشينة بقيادة ياسر عرفات، أصبحت اليوم حاضنة لحركات المقاومة من خلال القيام بعمليات مقاومة أزعجت الصهاينة. هذا يعني أن فلسطين اليوم مختلفة تمامًا عن فلسطين قبل 30 عامًا. كيف تقيّمون هذا الأمر؟
في السبعينيات كانوا سيبيعون فلسطين ويضعون كل شعارات فلسطين تحت أقدامهم في أوسلو وماستريخت، لا أنه لم يحدث ما خططوا له فحسب، بل تحولت الانتفاضات اليوم من الحجارة إلى الصواريخ. واليوم، فكر المقاومة ليس في غزة المحاصرة المظلومة فحسب، ولا في حركتي حماس والجهاد الإسلامي ولا في كتائب الأقصى ولا في سرايا القدس فحسب، بل في مختلف المناطق التي يتواجد فيها الفلسطينيون في الأراضي المحتلة. في الضفة الغربية في القدس الشريف في مناطق الـ48 كلها بلدان مقاومة. واليوم، المهاجرون الذين جاءوا إلى الجنة حسب اعتقادهم، أحدثوا مشاكل في الأراضي المحتلة لكبار المسؤولين في الكيان الصهيوني لدرجة أنهم يائسون ولا يعرفون ماذا يفعلون معهم. في منطقة جغرافية لا أريد أن أسميها دولة، في منطقة جغرافية يحتلها الكيان الصهيوني، يبلغ عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة، ما يقرب من 200 ألف شخص في ليلة واحدة وما بين 100 و 150 ألفًا في ليالي أخرى يأتون ويحتجون، لديهم احتجاجات حقيقيّة، ويقطعون الطرقات، ويشتبكون مع الشرطة ويعارضون قادة الكيان.
هذا ما أجبرهم على سن قوانين في المطارات لمواجهة الهجرة العكسية، حيث تقلصت أعداد الرحلات الجوية، وأخبر الكيان الصهيوني بعض الدول الأوروبية التي يؤثر عليها أنه لا ينبغي لهم تسجيل أبناء وعائلات المهاجرين الصهاينة في المدارس حتى لا يهاجروا. هدف تل أبيب هو أن يبقى المهاجرون في الأراضي المحتلة قلقين من عدم استطاعتهم تسجيل أطفالهم في المدارس. هذا هو الوضع الحالي الذي يعيشه الكيان الصهيوني. الأوضاع اليوم غير مسبوقة، فقد أعلن الجيش الصهيوني أن أكثر من 60٪ من قواته العسكرية تقوم بمهام في مناطق مختلفة في المدن التي تشهد مواجهات ومظاهرات بالإضافة إلى مواجهة عمليات المقاومة وهذا يدل على مقدار الهشاشة على الحدود. كما يدل أيضاً على عجز الجيش الصهيوني.
ما نجح في كسر ظهر الكيان الصهيوني اليوم هو حركات مقاومة مثل عرين الأسود. هؤلاء الأسود الذين أراد الصهاينة إيصالهم إلى وضع لا يجرؤ فيه أحدهم على مواجهة الكيان الصهيوني، يأتون اليوم باسم عرين الأسود، أسود المقاومة يقفون ضد الكيان الصهيوني، ويظهرون قوتهم. من الصعب جداً على المحللين سواء في أمريكا أو في الكيان الصهيوني، أن يفهموا من أين جاء هذا الجيل الشاب المقاوم. كيف استطاعت هذه الأسود الشابة أن تتحدى بشكل جدي السلطة العسكرية الأمنية للكيان الصهيوني في الأراضي المحتلة وفي فترة قصيرة من الزمن.
في الوقت الحاضر، تشير جميع الأدلة إلى أن الكيان الصهيوني أصبح كياناً مأزوماً. كما وصفه السيد حسن نصر الله في أحد خطاباته الأخيرة. ما هو تقييمكم للأزمات التي ألمت بالصهاينة اليوم؟
في الحقيقة، لم يشهد الكيان الصهيوني مثل هذا الوضع الهش خلال السبعين سنة الماضية. الهشاشة الموجودة اليوم في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وحتى العسكرية والأمنية للكيان الصهيوني قد سلبت النوم من أعين كبار مسؤوليه وداعمي الصهاينة في جميع أنحاء العالم. في الواقع، الأحداث التي وقعت في السنوات الأخيرة لم نشهد لها مثيلاً في السبعين سنة الماضية. من بين هذه الأحداث، يمكن أن نذكر فشل الكنيست في تشكيل حكومة مستقرة، وعدم القدرة على تشكيل تحالف بين التيارات السياسية، وظهور العديد من المشاكل بين السياسيين والمتدينين في الأراضي المحتلة. خلال ما يقرب من أربع سنوات، تغير أربعة رؤساء وزراء في هذا الكيان، وعلى الرغم من كل المساعدة التي قدمتها الصهيونية العالمية لهم وما زالت مستمرة، إلا أنهم لم يتمكنوا من تشكيل حكومة مستقلة يمكنها حل المشاكل في البلاد.
التخبّط يمكن رؤيته اليوم في القضايا الاجتماعية في هذا الكيان بسبب انعدام الهوية التي وقع فيها غاصبي هذه الأرض. لقد كان هروب القوّات العسكريّة طيلة الأعوام السبعين الماضية غير مسبوقاً، وهذا حدث في هذه الأيام. وحدث مهم آخر تمثّل في عدم استعداد الجنود لإكمال خدمتهم العسكرية. بحسب إحصائيات عام 2021 و 2022 للنسبة التي تسربت من الجيش، فإن أقل من 45٪ ممن كان من المفترض أن يحضروا إلى المعسكرات قد تواجدوا فيها.
شن الصهاينة مؤخرًا هجمات صاروخية على غزة وسوريا في محاولة للتغطية على أزماتهم الداخلية المتعددة. هل يمكنهم احتواء الأزمة الداخلية والتستر على نقاط ضعفهم عبر هذه الطريقة ؟
يحاول الصهاينة تصدير أزماتهم الداخلية خارج الحدود عبر اطلاق عدة صواريخ هنا وهناك، وهو ما اعتاد عليه الكيان الصهيوني على مدى السنوات الخمسين الماضية، ولن ينجح بالتأكيد. ما هو واضح أن حروب الـ 52 يوماً تحولت إلى حروب ليومين بعد ذلك يستسلم فوراً للمقاومة.
نقطة أخرى يجب أن نذكرها وهي التضحية، وهذا يعني أن حركات المقاومة ذات التاريخ الطويل تقوم بعملها، وفي نفس الوقت قام الشباب من الأجيال السابقة المتشبعين بالمفاهيم الفكرية والثقافية، بخلق حركات تقوم على قيم التضحية، حركات من الأجيال الناشئة يصعب على الكيان الصهيوني التعرف عليها. من الجهة الفكرية، هذه الحركات الناشئة تؤمن بالشعارات الفلسطينية، ولديها نفس معتقدات الحركات الأقدم، لكن أفعالها وسلوكها السياسي ونوع فعلها ونوع رد فعلها على الضغوط التي يفرضها عليها الكيان الصهيوني يختلف عن الحركات القديمة.
وجهت السلطات الصهيونية حتى الآن تحذيرات كثيرة بشأن “انهيار الكيان من الداخل”. على سبيل المثال، يمكن أن نذكر التحذيرات المتتالية لرئيس الكيان الصهيوني. إلى أي مدى يمكن أن تتحقق نظرية الانهيار من الداخل في ظل الأزمات الحالية للكيان الصهيوني؟
يجب ألا ننسى أنه منذ سنوات يتم تقديم الكيان الصهيوني باعتباره المكان الأكثر أماناً في العالم وأنه أكثر الأماكن حضارة وديمقراطية في العالم. الآن يأتي نتنياهو الذي لديه العشرات من قضايا الفساد الأخلاقي والمالي ليحكمهم. ولكي يهرب من المحاكمة يستعين بالقانون القضائي الذي يثير حنق هؤلاء المستوطنين، وحتى عندما يتراجع ويعتذر ويستسلم بطريقة ما أمامهم فلا يقبلون منه الاعتذار ويواصلون الاعتراض على الحكومة، حيث تأتي كل أسبوع حشود ضخمة إلى ساحة منزل نتنياهو، لدرجة أنهم في بعض الحالات، اضطروا إلى إخراج عائلة نتنياهو من مكان إقامتهم ليلاً عبر طرق سرية وإيصالهم إلى مأوى ومكان آمن.
لذلك، لم يتوقع أحد هذا الوضع. عدم القدرة على مواجهة مرض كوفيد -19، والمشاكل الاقتصادية الموجودة هناك، والفقر الذي نشأ، واختلاف الطبقات الحاصل، وهروب الجنود، وهروب القوات العسكرية، وعدم الاستجابة لدعوة الوحدات العسكرية، كلها أزمات تعرض لها الصهاينة وما زالوا يواجهونها. أصبح الوضع في الكيان الصهيوني على هذا النحو بحيث أن كبار المسؤولين وذوي الخبرة هناك، لا يرون أنه سيصل لعامه الـ80.
لذلك اليوم لا حاجة إلى حرب شاملة لتدمير هذا الكيان، فلم يعد الأمر مشكلة. اليوم اتضح جيدًا أن الانهيار من الداخل بات وشيكًا لغياب الهوية وغياب الحافز وعدم تحقيق التطلعات والقيم الموضوعة.