الإفراج عن المِئات من أسرى الحرب من الجانبين، جاء خُطوةً إنسانيّةً عظيمةً، تُكرّس أرضيّةً ضروريّةً من الثقة، ربّما تقود إلى اتّفاقاتٍ أُخرى، واللّافت أن هذه المُفاوضات، والمُرونة التي عكستها من قبل الطّرفين المُتفاوضين، برعايةٍ وسيطٍ عُمانيّ مُحايدٍ وكتوم، وصاحب خبرة طويلة، ونوايا طيّبة، كانت عربيّةً أوّلًا بعيدًا عن الوُسطاء الدوليين، أو مُمثّلي الدّول العُظمى، وخاصّةً الولايات المتحدة وبريطانيا، ممّا أدّى إلى تحقيق هذا الإنجاز الكبير، فهؤلاء الوُسطاء الذين بذرت دُولهم بُذور هذه الحرب تحت عناوين الديمقراطيّة الكاذبة، هُم الذين أطالوا عُمرها طِوال السّنوات الماضية، انتقامًا من الشّعب اليمنيّ وإرثه الوطنيّ والحضاريّ العريق.
مصادر يمنيّة قريبة جدًّا من المُفاوضات مُنذ بدايتها، أكّدت أن الأيّام القليلة المُقبلة ربّما تشهد إعلانًا مُفرحًا بالتوصّل إلى هدنة طويلة مدروسة لمُدّة ستّة أشهُر، وربّما قبل عُطلة عيد الفطر المُبارك، تتلوها مُفاوضات لثلاثة أشهر حول كيفيّة إدارة المرحلة الانتقاليّة التي من المُتوقّع أن تستمرّ لعامين يتمّ خِلالها التّفاوض على الحلّ النهائيّ.
التدرّج المرحلي خطوة ذكيّة من الجانبين، وباقتراح بعيد النظر من الوسيط لتكريس التطبيع والثقة المُتدرّجة بين الجانبين، وعلى أساس مبدأ مُعالجة جميع القضايا الشّائكة بالحِوار، والنفس الطويل، وتثبيت وقف القتال، والعمل على عودة الحياة إلى طبيعتها بشَكلٍ مُتسارع، ورفع الحِصار، وعودة مطار صنعاء وميناء الحديديّة إلى العمل بطاقتهما الكاملة، واستكمال مِلف الأسرى.
نشعر بسعادةٍ غامرة، نحن الذين وقفنا مُنذ اليوم الأوّل في خندق الحِوار، وعارضنا الحرب، لانعكاساتها المُدمّرة والمُكلفة على طرفيها، وإن بنسبٍ مُتفاوتة، وتعرّضنا للكثير بسبب هذا الموقف، وما زلنا نأمل أن يعود الأمن والسّلام الشّامل للجميع، ووقوف السعوديّة إلى جانب الشّقيق اليمني، وتقديم كُل المُساعدات الماليّة له، لتعويض سنوات الحرب العِجاف المُؤلمة، وتخفيف مُعاناته، والاستِثمار في إعادة بناء مُؤسّساته وبُناه التحتيّة، وتحقيق المُصالحة الشّاملة والجديّة بين جميع مُكوّناته السياسيّة والقبليّة.
إنها بدايةٌ جيّدة ومُطمئنة، وما تحقّق إنجازٌ كبير لا يجب التّقليل من أهميّته، يتطلّب عمل الجميع من كُل الأطراف لحِمايته من مُؤامراتِ القِوى الخارجيّة، وبعض الداخليّة التي لا تُريد الأمن والاستِقرار للجانبين من خِلال التّرويج للفِتنة وصبّ الزّيت على نارِ الخِلافات والانقِسامات الطائفيّة والقبليّة المُفتَعلة والخبيثة.
حمى الله اليمن وشعبه وأمنه واستِقراره، وتُرابه الوطنيّ، الذي وقف دائمًا في خندق العُروبة والإسلام وقضاياهما العادلة وعلى رأسها القضيّة الفِلسطينيّة، وتهنئة من القلب على هذا الاختِراق الإنسانيّ الكبير.