الأبعاد السياسية والأمنية في إتفاق التقارب بين إيران والسعودية

لم تنفك الجمهورية الاسلامية الايرانية تنتهج سياسة أساسية تقوم على ضرورة خلق توازن بين الشرق والغرب لكسر قالب المقاربات التقليدية من السعي للسيطرة من جانب واحد وتحقيق المصالح الذاتية والإتجاه نحو تعاون متوازن يقوم على أساس تحقيق مصالح أطراف التعاون كافة.

2023-04-18

عقب عامين من المفاوضات والمحادثات التي استضافتها العراق وسلطنة عمان توصّلت ايران والسعودية آذار/ مارس الماضي وبعد عدة أيام من اللقاءات والمباحثات المُكثّفة بين مسؤولي أجهزة الأمن القومي في البلدين في بكين الى توقيع بيان حول اتفاق التقارب بين طهران والرياض وأعلنا تطبيع العلاقات بينهما.

تعاقباً لذلك الإتفاق أتمّت وزارتا خارجية البلدين في سياق متابعة هذه العملية خطة إرسال وفود من الخبراء لإعادة فتح السفارات والقنصليات للبلدين في شهر أبريل الجاري، وذلك في إطار تنفيذ الاتفاقيات التي تم التوصّل إليها بينهما.

دون شكّ يمكن القول أن الاتفاق بين إيران والسعودية على إستئناف العلاقات الثنائية، والذي كان متوقفا منذ أكثر من سبع سنوات، كان من أهم الأحداث السياسية التي كان لها صدى إقليمي ودولي غير مسبوق خلال العام الجاري.

ورغم أن وجهات النظر والتحليلات المطروحة في هذا السياق تمحورت حول طبيعة ونتائج القرار الجديد لإيران والسعودية، وكذلك دور الصين في هذا الإتفاق والتبعات الاقتصادية والسياسية والأمنية التي يمكن أن تترتب على الظروف الجديدة. علاوة على الابعاد الاقليمية والدولية لهذا الإتفاق والتحول المهم في المنطقة، إلاّ أن البعض ايضا قيّموا ما حصل بشكل مُسيّس بالكامل مُبتعدين بذلك عن دائرة الخبراء والتحليل المُنصف.

ففي الوقت الذي تعتبر فيه سياسات إيران الإقليمية النشطة أحد العوامل الرئيسية في تبلور الاتفاقية الأخيرة، فقد حاول بعض الخبراء ووسائل الإعلام الأجنبية والمحلية جعل هذا الحدث يبدو وكأنه ناجم عن انسحاب إيران والقبول القسري لمطالب الطرف الآخر من الاتفاقية.

وفي محاولة لتسويغ مزاعمهم البعيدة عن الواقع استشهدت هذه المجموعة من وسائل الإعلام والشعب بأوضاع إيران الداخلية خلال أحداث الشغب الماضية وكذلك العلاقات المتوترة مع بعض الدول الأوروبية وتكثيف العقوبات والضغوط الأمريكية كأساس لقبول إيران لمطالب السعودية عبر الوساطة الصينية.

وفيما يتواصل هذا النهج الموارب في قراءة واستنباط جذور تبلور الاتفاقية الإيرانية السعودية، يتمخّض عن الحقائق التي يمكن تقييمها نتائج أخرى.

فرغم ان كل من ايران والسعودية يعتبرا بلدين لا يمكن إنكار ثقل دورهما في العالم الإسلامي ومنطقة غرب آسيا، وكانتا تعتزمان دوما عبر التفاعل والجهود المشتركة وتبني المقاربات البناءة دائما السير على طريق الحفاظ على القدرات الإقليمية الذاتية وتعزيزها، وأخذ الحيطة من النفوذ غير الآمن للدول الأجنبية، إلاّ أنه لأسباب مختلفة لم يتحقق مثل هذا الهدف حتى الآن وكان ثقل المنافسة بين البلدين قد طغى على مجالات التعاون بينهما.

كانت التطورات في السنوات العشر الماضية في مجال تزايد نفوذ وتحركات القوات الأجنبية في الخليج الفارسي، وكذلك الأحداث السياسية والأمنية والعسكرية في العراق وسوريا ولبنان واليمن وإلى حد ما أفغانستان، هي أهم مجالات الخلاف وبالطبع المنافسة بين البلدين على مدى السنوات الماضية، والتي لها تأثيرات مباشرة أيضا على قضايا أخرى مثل منظمة أوبك، والمفاوضات النووية وغيرها من الملفات الشائكة.

إن الوضع الحالي للحالات المذكورة فيما سلف لا يمكن قراءته على أنه عدم نجاح إيران في متابعة سياساتها وتحقيق أهدافها، والتي تركز بشكل أساسي على مواجهة نفوذ ودور الأجانب في المنطقة، وتدمير الإرهاب التكفيري ودعم الهياكل السياسية المستقلة، والدفاع عن حق الأمم في تقرير المصير، ولكن بسبب توافق هذه الأساليب مع إرادة الدول، فإن تحقيق الاستراتيجيات التي تدعمها الجمهورية الاسلامية الايرانية في أفضل حالة خلال العقود الثلاثة المنصرمة.

الأوضاع السياسية والأمنية التي تحكم العراق وسوريا بعد القضاء على الإرهاب التكفيري واستمرار وقف إطلاق النار وإحراز تقدم في عملية السلام مع الدور المركزي لأنصار الله في اليمن وانسحاب أمريكا من أفغانستان واهتمام أكبر من الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في المنطقة لمتابعة استراتيجية التطلع إلى الشرق، جملة من النقاط تتناسب مع السياسات التي إنتهجتها إيران في السنوات الأخيرة.

في الأثناء، تنامى دور الصين السياسي والاقتصادي في العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف مع دول الخليج الفارسي، بمساعدة ومشاركة جادة من المملكة العربية السعودية على الرغم من أنه لا يمكن تفسيره على أنه نهج الرياض المطلق للتعاون الاستراتيجي مع الغرب وخاصة أمريكا، لكنها بالتأكيد متناسبة مع سياسات إيران المبدئية في مجال ضرورة تقليص النفوذ الأمريكي في المنطقة.

لم تنفك الجمهورية الاسلامية الايرانية تنتهج سياسة أساسية تقوم على ضرورة خلق توازن بين الشرق والغرب لكسر قالب المقاربات التقليدية من السعي للسيطرة من جانب واحد وتحقيق المصالح الذاتية والإتجاه نحو تعاون متوازن يقوم على أساس تحقيق مصالح أطراف التعاون كافة.

يظل أن نقول في ختام هذا المقال أنه لابد من التيقّن بأن عصر الأحادية الغربية والأحادية الأمريكية في التطورات السياسية والاقتصادية والأمنية قد ولى، وإصرار بعض الجهات والدول على عدم رؤية تغييرات جوهرية في هيكل النظام الدولي، وهو نتيجة للانتقال من الهندسة أحادية القطب إلى نظام متعدد الأطراف، فلن يغير الواقع الإقليمي والدولي الماثل.