طقوس عيد الفطر السعيد:

“معمول العيد” يتحدّى الظروف الاقتصادية في سوريا!

تحضير المعمول في سوريا قبل الأزمة كانت له طقوس خاصة، تبدأ خلال الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان، وتستمر إلى يوم وقفة عيد الفطر، حيث تزخم أحياء العاصمة وأزقتها ومحال الحلويات بروائح المعمول المنتشرة في الأجواء

2023-04-24

ترتبط الحلويات في سوريا بالمناسبات والأعياد، وغالباً ما يكون انتشار صنف معين من الحلوى معبّراً عن قدوم مناسبة محدّدة، فكما أن بدء انتشار “المعروك” بأنواعه المختلفة و”الناعم” دليل على قدوم شهر رمضان المُبارك، فإن بدء تحضير “المعمول” وعرضه على واجهات محلات الحلويات في الأسواق يرتبط بحلول عيد الفطر السعيد.

المعمول هو أحد أنواع الحلويات الشهيرة في سوريا، وتتميّز بأنواعها الفريدة وأشكالها المختلفة وحشواتها المميزة، تتكوّن من الطحين والسمن والسكر، وتختلف حشواتها بحسب الرغبة والأذواق، وفي الغالب هي: جوز، فستق حلبي، تمر، جوز الهند.

تحضير المعمول في سوريا قبل الأزمة كانت له طقوس خاصة، تبدأ خلال الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان، وتستمر إلى يوم وقفة عيد الفطر، حيث تزخم أحياء العاصمة وأزقتها ومحال الحلويات بروائح المعمول المنتشرة في الأجواء.

كما كانت العائلات الدمشقية تتسابق لتحضير المعمول بأنواعه المميزة “الفستق والجوز والتمر” داخل المنازل، فتجتمع السيدات منذ الصباح الباكر، وتستمرّ عملية التحضير حتى ساعات متأخرة من اليوم، أما الكميات الناتجة فتكون كافية للعائلة، والجيران، وحتى بعض الفقراء يكون لهم نصيب منها أيضاً.

الحلويات السورية المميزة التي يتم تصنيعها خصيصاً للعيد لا تقتصر فقط على العاصمة دمشق، إذ تشتهر كل محافظة سورية بنوع معين من الحلويات حيث تُعرف محافظتا حمص وحماه بحلاوة الجبن، والحسكة ودير الزور بالبقلاوة، وإدلب وحماه بـ”الشعيبيات” وحلب بـ”غزل البنات”، وتحضّر تلك الأصناف خلال أيام الأعياد حيث تقدّم من قبل العائلات للضيوف المهنئين بعيد الفطر.

ونظراً لجودة الحلويات السورية وعراقتها والاتقان في إنجازها والبراعة التي يمتلكها صانعوها، أصبحت عابرة للحدود، وباتت أنواع الحلويات السورية المختلفة تغزو الأسواق العربية من الخليج إلى شمال أفريقيا مروراً بالعراق والأردن ولبنان، وباتت الكثير من ماركات الحلويات الشهيرة موجودة في تلك الدول، إضافة إلى تركيا وبعض الدول الأوروبية حيث وصل اللاجئون السوريون إليها خلال السنوات الماضية ونقلوا خبراتهم وافتتحوا محالهم الخاصّة التي أصبحت مقصداً للباحثين عن المذاق المميز للحلويات السورية.

قفزة كبيرة في الأسعار هذا العام

أسواق العاصمة السورية شهدت خلال العام الحالي ارتفاعاً كبيراً في أسعار الحلويات، حيث وصل سعر كيلو المعمول بالفستق في سوق الجزماتية بحي “الميدان” إلى نحو 160 ألف ليرة “23 دولاراً”، أما سعر كيلو المعمول بالجوز فوصل إلى نحو 150 ألف ليرة، بينما يتراوح سعر كيلو الغريبة والعجوة والبرازق من 75 ألف ليرة إلى 110 آلاف ليرة.

الأسعار الحالية تضاعفت بنسبة 100% عن العام الماضي، ويعزو أصحاب محال الحلويات ذلك إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية اللازمة لصناعة المعمول، حيث وصل سعر كيلو الفستق الحلبي إلى 60 ألف ليرة، وكيلو الجوز إلى 50 ألفاً، وكيلو التمر “عجوة” 20 ألفاً، والسمن الحيواني 75 ألفاً.

أما كيلو الطحين فسعره 3500 ليرة، والسكر 4500 ليرة، إضافة إلى أسعار المواد الأخرى التي تضاف إلى عجينة المعمول مثل الخميرة، فضلاً عن المشتقات النفطية التي يعاني السوريون من انقطاعها بين الحين والآخر.

بسام قلعجي رئيس جمعية الحلويات في سوريا يؤكد للميادين نت أن السبب الرئيسي وراء ارتفاع أسعار المعمول خلال العام الحالي، كان بسبب ارتفاع تكاليف المواد الأولية من الطحين والسمن والجوز والفستق الحلبي، حيث ازدادت تلك الأسعار بنسبة تفوق الـ 100% مقارنة بالعام الماضي، إضافة أيضاً إلى ارتفاع أسعار المشتقات النفطية من الغاز والمازوت.

ويتابع قلعجي بأنه خلال شهر رمضان تزداد أيضاً أسعار المواد الأولية بشكلٍ روتيني في الأسواق، ما ينعكس على تكلفة الحلويات عموماً وليس فقط المعمول، ويؤدي ذلك إلى تراجع الإقبال على الشراء بنسبة كبيرة، حيث بات المعمول اليوم من نصيب الطبقة المخملية في سوريا فقط.

السوريون بين نارين

اليوم ونتيجة الأوضاع المعيشية المتردية يعزف عدد كبير من السوريين عن شراء حلويات العيد بسبب أسعارها المرتفعة، حيث لجأ البعض إلى إعدادها في المنزل من أجل توفير جزء كبير من التكلفة، وهذا تقليد كان موجوداً في سوريا قبل سنوات عديدة، عندما لم تكن محال الحلويات منتشرة بصورة كبيرة مثل اليوم، لكن العودة إلى صنع الحلويات في المنزل باتت اليوم اضطرارية وليست اختيارية.

ورغم ذلك، فإن الأسواق في العاصمة دمشق بدأت تتزين بكميات كبيرة من الحلويات المعروضة، إذ يتفنن أصحاب المحال بطريقة عرض حلوياتهم لجذب انتباه الناس خلال الأيام القليلة التي تسبق عيد الفطر.

محمد صنوبر صاحب محل حلويات في منطقة جرمانا بدمشق يشير للميادين نت إلى أن الإقبال على الشراء خلال العام الحالي ضعيف جداً، فالمواد الأولية “السمنة والطحين والسكر” ارتفعت أسعارها بشكلٍ غير مسبوق، حيث وصل سعر تنكة السمنة “16 كيلو غراماً” إلى 240 ألف ليرة “35 دولاراً”، أما كيس السكر فيصل سعره إلى 330 ألف ليرة “44 دولاراً”، وهذه الأرقام تُسجّل للمرة الأولى في الأسواق السورية.

ويضيف صنوبر أن المبيعات داخل المحل حالياً تقتصر على العجوة والبرازق والغريبة، في حين لم يتم تصنيع المعمول بالفستق والمعمول بالجوز، نظراً لارتفاع أسعارهما بشكل كبير وضعف القدرة الشرائية للناس، مشيراً إلى أن من يملك القدرة المادية حالياً يقوم بإعداد المعمول في منزله نتيجة لفرق التكلفة.

حلويات العيد باتت اليوم رفاهية لا يمكن الحصول عليها إلا من طبقة محددة، ولذلك يلجأ الكثير من السوريين إلى أصناف بديلة تكون في الغالب بجودة أقل من أجل المحافظة على التقاليد والطقوس الخاصّة بعيد الفطر.

في سوق الجزماتية بمنطقة الميدان الدمشقية، يسير خالد الآغا “63 عاماً” أمام محلات الحلويات متفرجاً فقط، دون قدرة منه -للعام الخامس على التوالي- على شراء حلويات العيد في ظل ظروفه المعيشية المتردية.

ويقول الآغا للميادين نت: “اليوم تغيّر كل شيء وليس شراء معمول العيد فقط، وأصبحنا نقتصد في الطعام والشراب واللباس”، ويضيف “كنا سابقاً نشتري المعمول بكميات وفيرة تكفي عائلاتنا والمهنئين خلال أيام العيد، ومع بداية الأزمة أصبحنا نحضّر كميات قليلة داخل المنزل، لكن مع تدهور الأوضاع المعيشية استغنينا عن حلويات العيد، لنستعيض عنها بأساسيات الحياة”.

يصرّ السوريون على ممارسة العادات والطقوس التي توارثوها عن أجدادهم رغم الظروف المعيشية الصعبة التي تواجههم في الوقت الحالي، مع تأكيد قدرتهم المستمرة على التكيّف مع الظروف المحيطة في سبيل استمرار حياتهم بالشكل الطبيعي الذي يلائم أفكارهم وتطلّعاتهم.

الميادين