في بيروت

معرض مزدوج يعالج إشكالية القوة والخسارة

يستعرض المعرض ترابط القوة والخسارة،يعالج صراعهما في الذات الإنسانية تحت وطأة الظروف القاسية التي يعاني منها البشر

2023-04-26

معرض “المدّ والجزر..” يستعرض الترابط بين القوة والخسارة، ويعالج صراعهما في الذات الإنسانية تحت وطأة الظروف القاسية التي يعاني منها البشر.

مجموعتان من الأعمال الفنية قدّمهما غاليري “تانيت” في حي “مار مخايل” التراثي في بيروت، تحت عنوان شامل هو “المدّ والجزر: صراع القوة والخسارة”، الأولى لإلياس نفّاع بعنوان “مديح الجذور”، والثانية للثنائي طارق حداد ولييتسيا الحكيم بعنوان “كيف توقف نمو صخرة؟”.

يستعرض المعرض ترابط القوة والخسارة، ويعالج صراعهما في الذات الإنسانية تحت وطأة الظروف القاسية التي يعاني منها البشر، والتي لا يؤثرون فيها في الغالب بل يكونون أسرى لها.
الياس نفّاع: منحوتات على خشب الأرز

قدّم الياس نفاع مجموعة أعمال “مديح الجذور”، منحوتةً في رُقَع من خشب الأرز المطليّ بالأبيض، يكرِّس بها صراعه الداخلي بين الانتماء لبلدته عندقت، أقاصي الشمال اللبناني، وحنينه الدائم إليها، وبين عدم قدرته على الالتحاق بها، ناقلاً شعوره بالانسلاخ والتمزّق، وواصفاً أعماله بأنها “تخليدٌ لرحلة يخضع فيها الإنسان لمراحل مختلفة، ومحاولات من التعارض بين الانسلاخ والتعلّق”، بحسب نصّ خاص به مرفق بالمعرض.

ينطلق نفاع في التعبير عن معاناته من حادثة اشتعال النيران في غابات بلدته الجميلة عام 2021، والتي أحبّها وافتخر بوجودها والانتماء إليها، ولكنّه أسف جداً لدى سماعه خبر الحريق الذي ترامى إليه عن بُعد، لأنه غادر بلدته وعاش بعيداً عنها لفترات طويلة، وظلّ الحنين وذكريات الطفولة تشدّه إليها، خصوصاً جرّاء ارتباطه الوثيق بأرض أجداده.

شعر نفاع بخسارة كبيرة بسبب الحريق، بينما ترامت إليه أيضاً أنباء رحيل جدّه الذي لم يفارق ذاكرته ومشاعره منذ طفولته، فكان الحريق ورحيل الجدّ بمثابة تمزّق الروابط التي كانت ما تزال تشدّه إلى بلدته.

فقد نفاع عنصرين غاليين على قلبه، وبفقدهما كأنه “تحرّر” من الروابط التي كانت على الدوام تضعه في موقع المتهم. كأنّ ارتباطه الحنيني ببلدته كان مكبِّلاً له، وبغيابهما لم يعد هناك ما يقضّ مضجعه على الدوام. يقول: “بغياب ما يشدني إلى البلدة، وجدت إحساساً يحررني من التعلق بجذوري”.

مع ذلك، يتساءل نفاع عن الثمن الذي يدفعه الإنسان ثمن حرية من هذا النوع، وهل أن “هذه الحرية تستحق ثمنها؟”، وينطلق منها للتساؤل عن ثمن الهجرة المتمثلة عنده بالانسلاخ عن بلدته، ليطال السؤال “الشباب اللبناني الذي يواجه موجات غير مسبوقة من الهجرة، هرباً من الانهيار الاقتصادي – الاجتماعي الذي يضرب البلد”، ويتابع أنه “في السعي للاستقرار بعيداً عن موطني، والاستسلام لقطع الجذور، استقر لدي شعور بالانسلاخ”.

صراع الحنين والانسلاخ يضرب في عمق الإنسان عندما يعود إلى ذاته، ويشعر بالتقصير إزاء أمر ما كان يمكن أن يسهم فيه منعاً لحصول الانفصال، معبّراً عن هذه الناحية بقوله: “في ظل هاتين الخسارتين، الغابات وجدي، وفي فترة الحزن التي انتابتني جراءهما، فقد آلمني أنني لم أكن قادراً على العناية بهما، وأشعر بالذنب بسبب ذلك الشعور”.

الياس نفاع فنان لبناني، يستلهم قصصه ورؤاه من خلفيته كمهندس معماري. قدّم أول معرض فردي له سنة 2022 بعنوان “نبضات” (Impulsions)، في غاليري “ArtLab” في بيروت. وكان أصغر فنان أتيحت له الفرصة ليشارك سنة 2021 في معرض “أضواء لبنان: فن الحداثة والمعاصرة من سنة 1950 حتى اليوم”، في “معهد العالم العربي” في باريس.

عُرِضت أعماله في العديد من الغاليريهات والمعارض، في بيروت وباريس ولندن، وعمله جزء أساسي من برنامج “أشكال ألوان” البيروتي، وجزء من المجموعة الدائمة في “معهد العالم العربي” في باريس.
حكيم وحداد: الإحباط والخسارة بعد الأمل

مجموعة أعمال مشتركة للييتيسيا حكيم وطارق حداد بعنوان “كيف توقف نموّ صخرة؟”، وهي تعبير عن نقاش واسع بسبب خيبة الأمل والإحباط الناتجين بعد تشرين الأول/أكتوبر 2019، يتساءلان من خلاله عن سبب انتهاء الحراك الشعبي وعدم تحقيق أهدافه، وعن العنصر المفقود الذي كان سبب فشله، ويحاولان إيجاد الإجابة في عملهما الفني.

يتمثّل الفنانان محاولتهما فهم ما جرى بلعبة “الحجر، والورق، والمقص”، وهما يريان، وفق ما كتبا حول المعرض، أن “الحجر يكسر المقص، والمقص يقطع الورق، والورق يغطي الحجر، ثنائيات تأسست بقواعد تحافظ على عناصر تكافؤ الفرص، وتتيح مخارج ونتائج قاطعة، غير تنافسية”.

ويعتقدان بأن “الفهم الحقيقي بأن الخضوع السياسي يتطلب اكتشافاً أوسع وأعمق للتعقيدات التي نحن فيها، وازدواجيتنا تأسست على هدف اكتشاف هذه التعقيدات، من خلال التعابير البصرية، والسؤالات عن قصصنا من وجهات نظر مختلفة”.

في تشرين الأول/أكتوبر 2019، خاض الفنانان حوارات حول إمكانية التغيير، وما يسميانه “شعلة الأمل التي انطلقت مع بداية الثورة”، ويستدركان أنها “واجهت إحباطاً سريعاً”، مُعلنَين أن “هذا الإدراك قادنا إلى تحريّات متشاركة لديناميات القوة”.

ويتساءلان “كيف تمنع صخرة من النمو؟ ما يطرح عملية استكشاف الديناميات الاجتماعية والسياسية للتغيير، أو فقدانها بالأحرى، في محاكاة تجريدية خارج سياق لعبة ثلاثية الأبعاد، بالصخرة والورقة والمقص، حيث يمكن أن نتلمس نتائج وتداعيات فقدان عنصر واحد من هذه العناصر”، ويستنتجان أنّه “باقتصار اللعبة على عنصرين فقط، نستطيع تسجيل كيف يمكن لديناميات القوة أن تصبح منحرفة بطريقة غير عادلة”.

ويقولان إن “عملنا هو ملاحظة، أو تنويه بصري، على صراع السلطة وضعفها وسخافتها، وكيفية تفاعل خصائصها المادية مع العناصر الخارجية”، فمشروعهما “يدعو للبحث بالعنصر المفقود، حيث بالعثور عليه يمكن استعادة توازن اللعبة”، على ما يَخْلُصان إليه.

لييتيسيا حكيم وطارق حداد هما فنانان لبنانيان في مجال التصوير الفوتوغرافي، ترتكز أعمالهما على مبادئ التكامل والثنائية والمرح، وتجد أعمالهما جذورها في البحث في الوقائع الاجتماعية والسياسية، منها الانفصال القسري وتداعياته، الخسارة الدائمة، ديناميات التفاعل الاجتماعي، وأكثر ما نال اهتمامهما أحداث تشرين الأول/أكتوبر من العام 2019.

لهما مساهمات جليّة في العديد من الأنشطة الفنية المحلية، وفي فرنسا وبلجيكا، ونالا جائزة الإقامة الدائمة في “معهد بوغوصيان للفنون البصرية” سنة 2022.

يحمل كلاً منهما شهادة الإجازة في الفن من جامعة “سيدة اللويزة” اللبنانية.

نقولا طعمة

 

 

 

المصدر: الوفاق/ وكالات