عبد القادر الحسيني.. مقاوم رسم خارطة طريق فلسطين نسر فلسطين، بطل معركة القسطل حارب حتى رمقه الأخير…

كان عبد القادر يمثل المقاومة الفلسطينية ضد الإحتلال البريطاني وضد وعد بلفور الذي وعد اليهود بفلسطين، عبد القادر الحسيني لم يكن شخصاً واحداً بل كان أمة

خاص الوفاق: لم يكن عبد القادر أباً عادياً، بل كان مشجعاً لنا في كل تفاصيل حياتنا، لا سيما النضال من أجل تحرير فلسطين والمقاومة من أجلها.

2023-04-26

خاص الوفاق/ أمل محمد شبيب

 

كانت يافا لا تزال تقاوم عندما وصل احد قادة المقاومة الفلسطينية عام 1948 إلى دمشق، يطلب من اللجنة العسكرية التابعة لجامعة الدول العربية تأمين السلاح.
أراد البنادق والمدافع والذخائر قائلاً لهم: “منكم السلاح ومنا الشهداء وستبقى فلسطين عربية”. انتظر هذا القيادي أكثر من ثلاثة أيام، وكل ما حصل عليه من سلاح ،كان نصف كيس من الرصاص فقط .
ومع ذلك لم يدخل اليأس أو الإحباط إلى قلبه و عقله و ظل يقاوم، فأعاد تنظيم قواعد المقاومة و تدريب الرجال على امل أن يصل السلاح .
في أخر ربيع له، قبل حلول أيار عام 1948خاض مواجهة كبرى مع العصابات الصهيونية التي اجتاحت بلدة القسطل وهي في طريقها إلى القدس صمد مع المقاومين لأيام عدة وهو ينتظر وصول السلاح حتى نفذت الذخائر .
انتقلت أخبار معركة القسطل إلى كل فلسطين فهب أهلها للنصرة والعون و تمكنوا من السيطرة مجددا على القسطل وطرد المستوطنين الصهاينة منها. وهناك بين أجساد الشهداء المخضبة بالدماء وجدوا جثمانه: إنه القائد الفلسطيني الكبير الملقب بنسر فلسطين “عبد القادر الحسيني” الذي زفته المقاومة الفلسطينية عام 1948 شهيداً….جريدة الوفاق إلتقت بنجل الشهيد الفلسطيني عبد القادر الحسيني، المجاهد الذي أكمل مسيرة والده دون كلل أو ملل، بل رسم خارطة طريق له منذ الصغر، المناضل غازي الحسيني، وفتحنا معه صفحة مشرقة من تاريخ عائلة الحسيني المقدسية، عن فلسطين وعن القضية واستمرارها وكان الحوار التالي…

عبد القادر الحسيني منعطف مهم في تاريخ المقاومة الفلسطينية

لم يكن عبد القادر الحسيني شخصية عادية في ذلك الوقت، بل رسم قضية شكلت منعطفاً في تاريخ المقاومة الفلسطينية وترك صفحة مشرقة ومؤلمة في التاريخ العربي المقاوم، هو ابن القدس الذي وقف مدافعاً عن فلسطين، ترابها وأبنائها.

من سيرة حياته بدأنا اللقاء: “هو عبد القادر موسى كاظم الحسيني من عائلة الحسيني المقدسية، والده زعيم فلسطين المتفق عليه من جميع اهالي فلسطين. ولادته كانت في اسطنبول عام 1908 نتيجة عمل والده لدى الحكومة العثمانية، وعندما عاد والده الى القدس، عاد عبد القادر معه وعاش فيها، كان يتيم الأم فقد توفيت والدته وهو طفل صغير. تربى عبد القادر الحسيني في عائلة مقاومة مناضلة، إذ كان يحضر الإجتماعات التي يقودها والده مع عدد من الشخصيات الفلسطينية البارزة الدينية والوطنية والعلمية، ونشأ على قيم الوطنية وحب الوطن الدين والوقوف مع الحق ومقاومة الباطل.

 

على مسرح الجامعة الأميركية: فلسطين والمقاومة مسير حياة، والجامعة تبشيرية تدعو للخنوع للإستعمار

“كانت بدايات عبد القادر الحسيني الدراسية في القدس” يضيف نجله غازي، ولم يمنعه تفوقه في دراسته من الوقوف أمام حلمه بمقاتلة القوات البريطانية، فعندما كان في عمر الثالثة عشر اشترى عبد القادر مسدساً من مصروفه الشخصي ليقاتل به الإنكليز.

بعد إنتهاء دراسته الثانوية في القدس، إنتقل عبد القادر الحسيني الى القاهرة لدراسة الكيمياء في الجامعة الأميركية بهدف صناعة المتفجرات، ونجح متفوقاً في كلية العلوم قسم الكيمياء. ولم يقتصر وجوده في القاهرة على الدراسة فقط، بل استغلّ تواجده بالتعرّف على الجهات الوطنية وعلى النشاطات السياسية وطلاب الجامعات في مصر، ونتيجة علاقته الطيبة مع الطلاب، أسّس رابطة الطلاب الفلسطينيين في الجامعات المصرية.

شكّلت مواقف عبد القادر الحسيني طريقاً واضحاً خلال مسيرة حياته، فلسطين والمقاومة، فعندما تخرج من الجامعة الأميركية، وأثناء وقوفه على المسرح لإستلام الشهادة، وقف على المنبر وقام بتمزيق الشهادة وقال: “أنا لا اعتز بهذه الشهادة، وكل ما تعلمته كان من جهدي الشخصي في هذه الجامعة، وهذه الجامعة ليست جامعة تعليمية بل جامعة تبشيرية وجامعة تدعو للخنوع للإستعمار”. كان لهذا الموقف الجريء وقعه الخاص على الطلاب في الجامعة، وضجّ الموقف في مصر فكان محط إهتمام وسائل الإعلام، ونشرته الجرائد وتحدثت عنه التلفزيونات والإذاعات، فما كان لقسم المخابرات ومسؤولي الإمن إلاّ أن يتوجهوا لإعتقاله وإبعاده من مصر، وخرجت مظاهرات من الجامعات وطلاب الأزهر تأييداً له.

 

حارب عبد القادر أعراف الإنكليز وقاد مع والده مظاهرة “يافا”

نكمل الحديث مع غازي الحسيني، نجل عبد القادر الحسيني الذي اصبح نبراساً في النضال والكفاح من أجل تحرير الأرض، عندما عاد عبد القادر الى فلسطين، عرض عليه المندوب السامي وظائف كبيرة في حكومة الإنتداب لكنه رفض، وآثر على ذلك أن يعمل في إحدى الجرائد الفلسطينية ويكتب مقالات يومية يحرّض فيها على الثورة وعلى مقاومة الإستعمار البريطاني ومقاومة الهجرة اليهودية. رغم مواقفه، عُرض عليه منصباً للعمل في دائرة قسم الأراضي، مستغلّاً المنصب في الحفاظ على الأراضي التي كانت تسرّب لليهود، ففي ذلك الوقت  كان هناك عرف عند الإنكليز يقضي بأنّ كل ارض غير مشجّرة تعتبر ملكاً للدولة وتُصادر وتُسلّم للوكالة اليهودية، لذلك حارب عبد القادر هذا العرف سرّاً، فكان يذهب مع الفلاحين ليلاً وينقل الأشجار من منطقة الى منطقة ويقوم بتشجير الأراضي الفارغة، ما شكّل حيرة عند الإنكليز الذين كانوا يأتون في الصباح في جولة على الأراضي، فكانوا يتفاجأون بأن الأراضي قد زُرعت بالأشجار. ولم ينته الأمر عند تشجير الأراضي، بل استطاع في نفس الوقت أن يقوم بالإتصال بمعظم القرى لتوجيه أهل القرى وكيفية تشجير أراضيهم الشاغرة ويعلمهم كيف يواجهون ويقاومون الإنكليز والصهاينة. وبعد هذا التحشيد ضد الإنكليز والصهاينة، بدأت المظاهرات في عام 1933 ضد الوجود البريطاني وضد الهجرة اليهودية، ومن المظاهرات التي يحفظها التاريخ هي مظاهرة “يافا” التي قادها موسى كاظم الحسيني، والد عبد القادر الحسيني برفقة عبد القادر الحسيني، يومها اجتمع الجنود البريطانيين على موسى كاظم وضربوه بالعصي، وحاول بعض المتظاهرين حمايته، واستشهد أحد المتظاهرين نتيجة الضرب، كما أصيب موسى كاظم بكسور مختلفة ونتيجة لهذه الكسور وبسبب مرضه بالسكري في ذلك الوقت وكبر عمره حيث كان يومها في الثمانين من العمر، بقي موسى ستة اشهر في الفراش مع كسوره ومرضه إلى أن توفاه الله.

من تنظيم الثورة الفلسطينية عام 1936 الى مقاتلة الإنكليز

بعد استقالة عبد القادر من وظيفته في قسم الأراضي، يضيف غازي الحسيني، بدأ بتنظيم الثورة الفلسطينية عام 1936، واجتمع بعدد كبير من زعماء القرى والمناطق الفلسطينية واستطاع أن ينظّم مقاومة فعّالة، لكن للأسف كان ينقصهم السلاح والتدريب، فاتصل بالضباط السوريين وحضر سعيد العاص، أحد القيادات في الجيش السوري ايام الثورة السورية، متطوعاً لتدريب الفلسطينيين، وبدأ بتدريب المناضلين في فلسطين الى أن وصل الى منطقة خطرة وكان معهم بندقيتين، بندقية خطفها أحد الجواسيس وهرب بها، وبندقية ثانية بقيت مع سعيد العاص، ونظراً للخطر الذي أحاط بالمتدربين، طلب سعيد العاص من الجميع أن يذهبوا على أن يبقى ليقاتل وحده، لكن عبد القادر رفض وبقي مع سعيد العاص، ومضيا في القتال أصيب حينها سعيد العاص بستة رصاصات استشهد على أثرها، وبقي عبد القادر مع البندقية يقاتل الإنكليز بعددهم الكبير، وظلّ يقاتل حتى نفذت الذخيرة منه عندها هاجموه الإنكليز بالسلاح الأبيض وطعنوه في بطنه واعتقلوه ونقلوه الى مستشفى “بيت لحم” الحكومي. هناك ذهب احد أفراد عائلته وكفلوه من أجل أن يتم علاجه، ثم خرج من المستشفى وتم تهريبه الى دمشق، وبعد شفاءه عاد الى فلسطين مستعيداً نشاطه الكفاحي.

 

من مصالحة معركة بني نعيم الى قتال مع قوات الإنكليز

مواقف مختلفة عاشها وعايشها عبد القادر الحسيني دفع خلالها ثمن نضاله وكفاحه من أجل أمته ووطنه “فلسطين”، ففي العام 1938 أصيب بجراح في معركة بني نعيم التي كانت قائمة بين القبائل، وعمل على حلّ مشاكله، يومها حضر المجاهدون من كل أنحاء فلسطين ليشهدوا هذه المصالحة التاريخية، وأثناء تواجده أدرك عبد القادر الحسيني بأن هناك مؤامرة ما، مدّ يده للأكل، فاكتشف أن الأكل بارد، وعرف أن الأكل مسموماً، وفوجئ ومن معه بأنهم مطوقون من قبل الجيش البريطاني، وبدأت المعركة واستعمل الجيش البريطاني مدافع الهاون والطائرات والدبابات المصفحة، وأصيب عبد القادر الحسيني مع عدد من المناضلين، كما استشهد ابن عمه المهندس علي حسين الحسيني، ونتيجة للقتال الشديد في تلك المعركة اعتقد اصدقاء عبد القادر الحسيني بأن عبد القادر قد استشهد، واخذوا جثمانه ووضعوه في مغارة خوفاً من الأعداء وأغلقوا المغارة بالحجارة، وعندما عادوا في الليل من اجل دفن الجثة، سمعوا انينه واكتشفوا أنه لا يزال حيّاً، ونقلوه الى مستشفى الحكومي في الخليل. كان مدير المستشفى في ذلك الوقت إنكليزي، عندها طوّق المجاهدون المستشفى وقطعوا الإتصالات  الخارجية عن المستشفى، وطلبوا من المستشفى معالجة عبد القادر بعد التهديد والوعيد في حال تعرضهم لعبد القادر، واضطروا حينها لمعالجته وخضعوا للأمر الواقع، وتمت معالجة عبد القادر ثم تم نقله من الخليل وتهريبه مرة أخرى الى دمشق، حيث أكمل علاجه ثم عاد الى فلسطين مجدداً  مستأنفاً الكفاح والنضال الى أن انتهت الثورة في نهاية العام 1939 وقيام الحرب العالمية الثانية، وترك حينها عبد القادر فلسطين وذهب الى ألمانيا وهناك تدرب على تصنيع المتفجرات لمدة ستة أشهر واستطاع ان يحصل على معلومات مهمة حول تصنيع المتفجرات وعاد خبيراً للمتفجرات.

 

من القدس الى الشام فبيروت ثم بغداد

نكمل في مسيرة نضال القائد عبد القادر الحسيني، يضيف غازي الحسيني: ” لم يستقر عبد القادر في القدس، عاد الى الشام ثم الى بيروت، ومن بيروت الى بغداد، وفي بغداد أخذ عائلته معه، زوجته وابنه موسى وابنته هيفاء، كانوا صغاراً جداً، استطاع أن يحصل على وظيفة مدرّس رياضيات في إحدى ثانويات بغداد، وبعد فترة انضم الى كلية الضباط في العاصمة العراقية، وخضع لدورة عسكرية، وبدأ يجمع حوله المجاهدين الذين خرجوا من فلسطين، وكان الحاج أمين الحسيني معهم هناك، وحدثت ثورة رشيد علي الكيلاني وكان هو مؤيداً لهذه الثورة، وهجمت القوات البريطانية على بغداد، ولم يكن للجيش العراقي القدرة على مواجهة القوات البريطانية والتصدي لها، فكانوا بحاجة الى شخص يعرقل الهجوم البريطاني، فتطوع عبد القادر الحسيني مع زملائه لمنع هجوم القوات البريطانية، وفعلاً تمركز في منطقة اسمها صدر ابو غريب، ووضع جنوده مقابل الفرقة البريطانية، وبواسطة مواسير المياه والمجاري أوهمهم بأن هناك مدافع وبنادق وأن عدد الجنود كبير في المنطقة، وفي الليل كانوا يدخلون ويخرجون حاملين عصي عليها فوانيس مضيئة ويسحبوا خلفهم الشجر والتنك، الأمر الذي يحدث غباراً كثيفاً خلال الليل، وكان الإنكليز يعتقدون أن النجدات تأتيهم من الألمان، ورغم قلة العدد والعتاد ، كان عددهم 35 مناضل، كان عبد القادر يهاجم القوات البريطانية وجنودها من خلال ما يسمى بالإستطلاع الصاخب، لذلك كان البريطانيون يعتقدون أن هناك قوى كبيرة وهي على الأغلب من الألمان، وحشد البريطانيون عدداً كبيراً من الدبابات وقرروا التوجه الى منطقة صدر ابو غريب. بعد مرور 17 يوماً على المعارك، تم إبلاغ عبد القادر وجماعته أن الجيش العراقي يريد أن ينسحب كاملاً من أرض المعركة، وقبل أن ينسحب الجيش العراقي عمل عبد القادر استطلاعاً صاخباً كالعادة، وقام بتحضير تجهيزات وتحضيرات للهجوم على الفرق البريطانية، واستعد البريطانيون لتقبل الهجوم عليهم، وبقوا في حالة إنتظار حتى الساعة 12 ليلاً، لكن الهجوم لم ينفّذ، وحتى الفجر بقي الهدوء ما قبل العاصفة في حالة تامة من الهدوء المقلق، وبعدها ارسل البريطانيون فرق استطلاع الى المنطقة المتواجد فيها عبد القادر فوجدوا ان المنطقة خالية إلاّ من اشجار ومواسير مياه ومجاري، وكانت هذه خطة لإنسحاب الجيش العراقي وتأخير الهجوم على القوات البريطانية لمدة 17 يوماً.

 

من السجون العراقية الى السعودية

عندما دخلت القوات البريطانية الى بغداد اختفى عبد القادر الحسيني مع بعض المرافقين وطلب من جماعته ان يختفوا، قرر عبد القادر الذهاب إلى ايران، ولم يكن يملك من النقود ما يكفي رد رمق عائلته، وذهب مع جماعته الى ايران، ورحبوا به في ايران كونه من آل الحسيني الاشراف، لكنه عاد الى بغداد واضطر للإختفاء في المنزل، وعندما عرف العراقيون بعودة عبد القادر الى العراق، جاءت القوات العراقية وحاصرت المنزل وارادت اعتقال عبد القادر، لكنها لم تستطع، وبقيت زوجته تهتم به مع 35 من المجاهدين وتعالج الجرحى منهم، وكانت بسبب كثرة عددهم وكي لا يلاحظ احد أن هناك حركة ما في المنزل، كانت والدتي تحمل بقايا الطعام لـ 35 شخصاً وتصعد الى السطح وتنتقل من جهة الى آخرى كي ترميها دون أن يلتفت إليها أحد، اما النفايات اليومية لها ولإخوتي فكانت تخرجها بشكل طبيعي عند كل غروب أمام القوات العراقية. وبقي والدي مع رفاقه مدة طويلة داخل المنزل، إلى أن جاء يوماً وخرج عبد القادر الحسيني ليلاً مع أربعة من المجاهدين وذهبوا  الى منزل وزير الداخلية العراقي وحاصروه وقال له: “أنا عبد القادر الحسيني ونحن نستسلم لكم، على شرط أن لا تسلمونا الى الإنكليز، وأريد وعداً بعدم التسليم الى الإنكليز”.. وهكذا حدث، اتفاق مع وزير الداخلية على هذا الكلام، وفعلاً جاءت القوات العراقية واعتقلت عبد القادر ورفاقه ووضعوهم في سجن بغداد.

وأثناء وجوده في السجن قُتل  فخري النشاشيبي في بغداد، وكان متعاوناً مع البريطانيين والصهاينة، فما كانت من الجهات العراقية إلاّ أن تقوم بتوجيه تهمة القتل والإغتيال الى عبد القادر الحسيني، واستنفرت والدتي على هذه التهمة، إذ كيف يمكن لسجين داخل السجون العراقية أن يغتال قائداً عراقياً بهذه السهولة، وارادت والدتي احضار وتخصيص محامي للدفاع عنه. يوم المحاكمة ذهبت والدتي الى المحكمة وكان حكم المحكمة عدم اثبات التهمة على والدي وخرج والدي من هذه القصة.

في هذا الوقت بدأت والدتي العمل على إخراجه من السجن واستطاعت ان تجنّد كل من له طريق الى داخل السجن، من مدير السجن الى الحارس الواقف على الباب، ولأن والدتي كانت تملك هي واهلها المال الكثير والأملاك، كانت تجلب من اموالها الخاصة من القدس وتعطي وتدفع معاشات للجنود والضباط. في ذلك الوقت أرسلت والدتي الى الحكام العرب برقية، الى الملك عبد العزيز بن آل سعود وشرحت له وضعه، كما أرسلت البرقية ذاتها الى الملك فاروق وعملت الى إخراجه من السجن وذهب بعدها الى السعودية.

العودة الى الكفاح المسلّح في مصر

لم نذهب أنا ووالدتي مع والدي الى السعودية بادئ الأمر، بل ذهبنا من بغداد الى القدس ثم الى مصر، ومن مصر إنتقلنا الى السعودية بالباخرة، وبقينا هناك مدة سنة ونصف كلاجئين سياسيين، ثم عدنا للعيش في مصر، وبدأ والدي بالإتصالات من أجل العودة الى فلسطين، في ذلك الوقت جاء الحاج أمين الحسيني للعيش في القاهرة، وإلتقى عبد القادر مع الحاج أمين وتم الإتفاق على استعادة العمل الثوري وتنشيطه، وكان ذلك عام 1946، كما استمر بتدريب الكوادر والمناضلين على صناعة المتفجرات والقنابل حتى العام 1947 ، ثم بدأ بتوزيع الأسلحة وإحضارها الى مناطق مختلفة في القاهرة، وأسس معسكراً  كبيراً جمع فيه الكثير من عتاد الحرب العالمية،  كما هرّب 6 خبراء ألمان من اجل تصنيع الأسلحة وادخالها الى فلسطين، أضافة الى إصلاح العديد من الأسلحة، وكان يساعده في هذا العمل عدد من الضباط الفلسطينيين والضباط الأحرار، وكان لهم دور مهم في تهريب الأسلحة ونقلها الى الداخل الفلسطيني.

بداية الثورة في فلسطين عام 47

يكمل غازي الحسيني حديثه عن نضال والده، إذ يقول: “لم يكن ارسال الاسلحة أمراً سهلاً، بل كان يتم تغطية الأسلحة بالبطيخ في ذلك الوقت. وكانت هذه بداية عملي النضالي من أجل فلسطين، حيث كنت اقوم مع رفاقي، ولم يكن يتجاوز عمرنا 8 سنوات، كنا نقوم بإغلاق الطرقات من أجل تهريب الأسلحة وحماية المنطقة مقابل بطيخة أذهب لأبيعها في أحد الأماكن”. بعد ذلك بدأ والدي بالتخطيط للعودة الى فلسطين، وأنشأ تنظيم الجهاد المقدّس بشكل رسمي، وعمل على تدريبهم وتسليحهم، تطورت الأمور بشكل كبير في ذلك الوقت، وبدأت المعارك مع الصهاينة، حينها رسم عبد القادر خطة مسبقة تقضي بمهاجمة معسكرات البريطانيين عند إنسحاب القوات البريطانية، لكن ما حصل أن حماس بعض الشيوخ في فلسطين دفعهم ليبدأوا بالثورة عام 47 وقاموا بتهييج الناس، يومها كان والدي في القاهرة، وعندما سمع ان الثورة في فلسطين قد بدأت غضب كثيراً، وعاد الى فلسطين يقود المعارك ضد الصهاينة وكان يخرج من كل معركة منتصراً، ثم ذهب الى دمشق من أجل الحصول على اسلحة جديدة، وأسس في ذلك الوقت هيئة اسمها “اللجنة العسكرية العليا” يقودها اسماعيل صفوت والهاشمي وكان واضحاً بوجود مؤامرة ولم يتم تحصينه بالسلاح ورفضوا اعطاءه السلاح.

معركة القسطل واستشهاد نسر فلسطين “عبد القادر الحسيني”

لم يستسلم عبد القادر، بل عاد الى فلسطين وقال للجنة العسكرية العليا بأن القدس سوف تسقط وإذا سقطت القسطل ستسقط القدس وهذه خيانة، لكنهم رفضوا ان يستمعوا له، ووعد نفسه بإستعادة القسطل والقدس ولو كلّفه ذلك حياته، وارسل كتاباً للجامعة العربية  مخاطباً “بأنكم خذلتم جنودي ورجالي وهذه خيانة كبرى”.  وبالفعل عاد عبد القادر الحسيني الى القسطل من أجل استعادتها من الصهاينة، وجمّع قواته بدون ذخيرة كافية وهاجموا القسطل، واستطاع ان يستولي على وسط القسطل، ثم تمت محاصرته من قبل الصهاينة، وعندما سمع الناس بمحاصرته ونفاذ الذخيرة، هبّ الفلسطينيون لنصرته، منهم من حمل العصي ومنهم من ذهب فارغاً والكلّ يريد مقاومة الصهاينة. وما حصل، أنه عندما شاهد الصهاينة هجوم الناس تراجعوا وتركوا البلدة واستطاع الفلسطينيين مجدداً أن يستعيدوا بلدة القسطل من الصهاينة وحرروها بعد معركة شرسة استخدم فيها الصهاينة كل أنواع الأسلحة وقاوم فيها البطل عبد القادر الحسيني أشرس مقاومة، لكن نتيجة هذا التحرير أن وُجد عبد القادر الحسيني على باب المسجد على ركبة ونصف مصاباً في بطنه وحاملاً بيده رشاشاً وأمامه تسعة جنود صهاينة مقتولين، واستشهد في القسطل وتم نقله الى المسجد الأقصى ودفنوه في المسجد الأقصى وعرف ببطل معركة القسطل. وهذا القليل القليل من حياة عبد القادر الحسيني، المناضل الذي سموه نسر فلسطين، كيف لا وهو الذي عُرف بشجاعته وقوته وهيبته كما النسر عندما يطير في العالي ويرى فريسته وينقض عليها ولا يتركها.

الحكام العرب صنع بريطانيا وهم عملاء للغرب والصهاينة

يكمل غازي الحسيني حديثه عن الشهيد عبد القادر يقول: “حاول عبد القادر ادخال السلاح الى فلسطين لكن الأنظمة العربية وقفت في وجهه، أنا قلت وأقول بأن التاريخ يعيد نفسه، نحن حُرمنا من الأسلحة وحُرمنا من إدخال السلاح الى فلسطين، وعندما كان يتم تهريب السلاح الى فلسطين كان يتم وضع المهربين للسلاح في السجون ويعاقبون، وهنا لا أريد أن أقول أن عبد القادر الحسيني لم يجد دعماً من العرب، الدعم كان من الشعوب، من الشعب المصري والشعب الأردني والشعب السوري والشعب اللبناني، لكن كان أسفه على الأنظمة والحكام العرب الذين وضعتهم بريطانيا والعدو في سدرة الحكم في العالم العربي، هؤلاء ليسوا عربا، هؤلاء جاءوا الى العرب وهم عملاء للغرب وللصهاينة.”

مدينة القسطل ملتقى ما بين القدس ويافا

كان عبد القادر يمثل المقاومة الفلسطينية ضد الإحتلال البريطاني وضد وعد بلفور الذي وعد اليهود بفلسطين، عبد القادر الحسيني لم يكن شخصاً واحداً بل كان أمة. وكان يدرك أهمية مدينة القسطل، إذ أنها ملتقى ما بين طريق القدس يافا، هذا الموقع يسمى القسطل القلعة، وكان يوجد فيها مانعاً لدخول أي إمدادات للصهاينة لليهود في القدس، لذلك اسرع الصهاينة الى احتلال القسطل من اجل تمرير الدعم وليكون مفتاح دخول الصهاينة الى القدس وإنقاذ اليهود في القدس من نضال الفلسطينيين، لأنه كما كان واضحاً ومخططاً له أن يسيطر اليهود على القدس وهم اساساً محكومين من بريطانيا لهذا تم منع السلاح عن عبد القادر ورفاقه في النضال، لكن ما حصل أنه وبعد استرجاع القسطل تم إغلاق الطريق على اليهود.

 

الجيش العربي سلّم فلسطين الى الصهاينة وجرّد الفلسطينيين من السلاح

لم تستسلم يوماً المقاومة في فلسطين رغم كل التحديات التي أحاطتها ورغم خيانة الزعماء العرب لعبد القادر الحسيني وللمقاومة في ذلك الوقت ورغم منع السلاح عنهم رغم وجود الرجال والأبطال، يضيف غازي الحسيني: “المقاومة كانت فعلاً مسيطرة على الوضع في فلسطين بشكل كبير جداً، ولكن البريطانيين اصروا على دخول الجيش العربي وتمكين دخول اسلحتهم من أجل أن تسلّم اليهود الأراضي ومصادرتها. وكان الفلسطينيون في البداية وتحت راية الجهاد المقدس مسيطرين على معظم فلسطين، لكن عندما دخل الجيش العربي الى فلسطين تم تجريد السلاح من الجهاد المقدس بحجة أنهم لا يريدون الفوضى، ويريدون ان يكونوا منظمين، وهذه كانت خطتهم من أجل تسليم فلسطين للصهاينة، وهكذا عملوا على تضييع فلسطين، لكن فلسطين لم تضيع من ايدينا، ضاعت من ايدي الجيش العربي الذي باع فلسطين وقضيتها، وحلمنا اليوم كما حلم عبد القادر الحسيني هو العودة الى أراضينا وبلادنا وحلم كل فلسطيني رغم مرور كل هذه السنوات العودة الى فلسطين وتحريرها من ايدي الصهاينة وان شاء الله هذا الحلم سيتحقق ونحن نؤمن بالله تعالى وقضاءه وقدره وهذا ما وعدنا الله به في سورة الإسراء بإننا سننتصر وسنهزم الصهاينة وتعود لنا فلسطين والى اهلها.

 

لا توجد رغبة ولا إرادة عند حكّام العرب لتحرير فلسطين

في القضية الفلسطينية التاريخ يعيد نفسه، في السابق حكام العرب خذلونا وخذلوا شعوبهم وساعد ذلك على عدم استرجاعنا لفلسطين، ويستذكر غازي الحسيني كلام  الحاج امين الحسيني: ” نحن لا نريد جيوشا عربية، نريد سلاحا والأموال، عندنا الرجال ومن عندنا المقاتلون”، لكن دخول الجيوش العربية للأسف كانت بتخطيط معين، وتم تسهيل الأمور للصهيونية للسيطرة على الأراضي الفلسطينية، واستطاعوا فعلاً من خلال الخيانات التي مرّت في ذلك الوقت من تعزيز قدرة الصهاينة بالسيطرة على فلسطين، هم لم يسيطروا علينا كشعب، لكنهم سيطروا على اراضينا وأصابتنا الخيانة منهم، وما يحصل اليوم هو صورة عن الماضي. لا يوجد رغبة ولا إرادة عند حكّام العرب لتحرير فلسطين، وأقولها عبر جريدتكم بأن الجميع ينتظر إنتهاء هذه القضية حتى يأخذوا حريتهم، في الوقت الذي يجب أن تكون فيه قضية فلسطين قضية العرب والمسلمين وليس فقط قضية الشعب الفلسطيني، الغرب وضع هذه البؤرة السرطانية في خاصرة العرب، ورغم كل هذا لم نفقد الأمل، أملنا ليس في الأنظمة العربية، نحن أملنا بالله وبالشعب العربي.

 

عبد القادر الحسيني كما المجاهدين اليوم يحلمون بحرية ومستقبل العرب

إذن، أمام هذه التضحيات للمناضل عبد القادر الحسيني، يضيف إبنه غازي: “لم يكن عبد القادر الحسيني مناضلاً فلسطينياً فقط، بل كان مناضلاً عربياً في العالم العربي كله، وكان يمثل ضمير العرب وكان القائد العربي وليس الفلسطيني، حارب في العراق واشترك في العمل الوطني في مصر وكان له دور في الدول العربية، وهو اليوم صورة نضالية لكل المناضلين العرب الذين ناضلوا وقاتلوا من أجل فلسطين سواء من مصر أو من سوريا أو من لبنان والعراق والسعودية واليمن وكل هؤلاء هم كما عبد القادر الحسيني مقاتلون عرب يحلمون بحرية ومستقبل العرب.

معرفتي بـ “عبد القادر الحسيني” كانت في عمر الثلاث سنوات

يعود غازي الحسيني بذكرياته الى الماضي وكيف تعرف على والده قائلاً: ” تعرفت على عبد القادر الحسيني في عمر الثلاث سنوات، ولم أكن اعرفه قبل ذلك، وتفاجأت بوجوده امامي عند وصلولنا الى جدة، وكان على متن قارب وقالت أمي يومها لي: هذا والدك، وعندما جاء الى الباخرة سألته: انت عبد القادر الحسيني؟ قال نعم؟ قلت أنت والدي؟ قال نعم أنا والدك؟ قلت له: أنت الذي خلصتك أمي من السجن؟ قال نعم…رميت نفسي عليه وكانت هذه بداية معرفتي بوالدي، كان الأب الحاضن لأولاده، يخاف علينا، حاول ان يعلمنا القراءة والكتابة منذ الصغر، ولا زالت ذاكرتي تحفظ كل ذكرى معه. علمنا عبد القادر حب الوطن وحب فلسطين وزرع فينا معنى الولاء للوطن والأرض. ويضيف: “عندما إنتقلنا الى مصر وبدأ عبد القادر تدريب المناضلين والمتطوعين على صناعة المتفجرات والقنابل، كنت الحقه بالسرّ الى مكان التصنيع، وكنت اختبئ تحت الطاولة وأراقب كل ما يقومون به. لم يكن عبد القادر أباً عادياً، بل كان مشجعاً لنا في كل تفاصيل حياتنا، لا سيما النضال من أجل تحرير فلسطين والمقاومة من أجلها.

 

حلم عبد القادر الحسيني حلم كل الأجيال ونحن “حرّاس القدس”

وفي قضية فلسطين والعرب يقول غازي الحسيني: “لا شك بأن القضية الفلسطينية ورثناها أباً عن جد، لسنا فقط لوحدنا، بل كل الفلسطينيين ورثوا قضية فلسطين اباً عن جد، وبقي كل الفلسطينيين يجاهدون تحت راية القضية الفلسطينية لأنها قضية حياة او موت للشعب الفلسطيني بل لكل الشعوب العربية التي أدركت وتدرك اهمية هذه القضية، نحن عائلة مقدسية مجاهدة، حملنا ولا زلنا قضية فلسطين في اعناقنا، ما يمكن أن نقوله بأننا نحن حراس القدس، لهذا أضيف بأن حلم عبد القادر الحسيني هو حلم الأجيال كلها وحلم الشعب كله وهذا لا يتبخر، انما هو ثابت ولا يتغير وهو جزء من حياتنا ولم ولن يؤثر علينا التطبيع، ونعمل بإستمرار على تحقيق هذا الحلم، كيف سيكون ذلك لا اعرف، لكن سيكون إن شاء الله.

 

من مصر إلى ألمانيا النضال واحد والهدف واحد.. فلسطين

والى بدايات حياته النضالية يذهب غازي الحسيني قائلاً: “بدأت حياتي النضالية منذ ان كنت صغيراً عندما كنت أُكلّف بإغلاق الشوارع ليلاً لتمرير السلاح وإدخالها الى بيتنا، هذا كان جزء من نضالنا الذي تربينا عليه، اما في مصر لم أدع فرصة للمشاركة بأي تدريب أو عمل عسكري منذ مرحلة دراستي الإبتدائية الى ايام الثانوية العامة. عام 56 تدربت ضمن المقاومة الشعبية وتطوعت فيها على اساس أن عمري 18 سنة، وعندما اكتشفوا أن عمري 15 سنة تم ابعادي من التدريب والتطوع، لكني تابعت التدريب العسكري مع مجموعة أسستها في ذلك الوقت مع مجموعة من الشباب الفلسطينيين، ثم ذهبت الى ألمانيا واكملت عملي النضالي ونشاطي مع الشباب الفلسطينيين، وأسست اتحاد الطلبة الفلسطينيين وكان النضال مشترك مع الإتحاد من أجل فلسطين، وقمنا بتعريف الشعوب على معنى القضية الفلسطينية وكنا نرد على الدعايات الصهيونية بدعايات تناصر القضية الفلسطينية. وأجري معنا في تلك المرحلة لقاءات تلفزيونية مع القنوات الألمانية مختلفة حول فلسطين، وكان لهذه اللقاءات تأثيرها على الرأي العام والشعب في ألمانيا، نتيجة هذه المقابلات والتي كان أكثرها تأثيراً ،مقابلة مدة نصف ساعة، بعدها عملت وسائل الإعلام العبرية الى تخصيص مساحة يومية للدعاية الصهيونية لمدة اربع ايام وفي كل يوم اربع ساعات للحديث عن حق الصهاينة المزعوم بفلسطين، وهذا يدل على أهمية التأثير الذي تركناه على الرأي العام الألماني، وبعدها انضممت عام 67 الى القوات العاصفة وإنتقلت الى الأراضي المحتلة.

 

الدخول الى فلسطين والإبعاد القسري عنها

وفي موضوع عودته الى فلسطين يأخذنا غازي الحسيني في ذكرياته الى العام 1969 عندما أُعيد الى الأراضي المحتلة يقول:” بعد إنتهاء حرب الـ 67،  تسللت مع مجموعة من الشباب الذين تشاركنا الحياة معاً في ألمانيا، بعد أن تدربنا في الجزائر توجهنا الى دمشق لنكمل تدريبنا هناك، بعدها تم ارسالنا في دروية لبناء قواعد في فلسطين المحتلة وتحديداً في الضفة الغربية، كان من المفترض أن اذهب الى الخليل وذهبنا بالفعل الى الخليل ونزلنا في قرية هناك، ولأننا لم نستطع ان نحمل معنا السلاح خبّأناه في الأغوار ثم ارسلنا بعض الرجال ليحضروا لنا السلاح، وأثناء عودتهم، ولأن الطرقات في ذلك الوقت كانت محفوفة بالكثير من العصابات والمخاطر والمخبرين تم القاء القبض عليهم مع السلاح، وقامت تلك العصابات بإستجوابهم واعترفت المجموعة بالمعلومات، بل أن أحدهم إعترف بكل المعلومات وابلغ عني وعن مكان تواجدي، ثم جاءت الدورية وألقت القبض عليّ واقتادتني للتحقيق، لكني لم اعترف بأنني أنا غازي عبد القادر الحسيني وانكرت وأصريت على أن اسمي ابو عياش، استمر التحقيق معي لفترة، وبعد ان يئسوا من التحقيق معي ارسلوني الى سجن الرملة، ثم استدعوني مرة ثانية الى التحقيق وفهمت من خلال كلامي مع أحد الممرضين اثناء التحقيق، كان عراقي الجنسية، أخبرني بأن أخي فيصل قد تم اعتقاله، كما أكّد لي بأنهم يعلمون جيداً انني غازي عبد القادر، ثم نصحني بإبعاد أخي فيصل عن هذا الطريق والإعتراف بهويتي. في بداية الأمر لم أصدّقه، حتى جاء ضابط المخابرات وقال لي بأن اخيك فيصل معتقل وتأكدت حينها ان فيصل قد تم اعتقاله. حاولوا استجوابي مرات عديدة، لكني بقيت على كلامي بأني لا أعرف لأن كل شيء قد تغير، من معسكرات التدريب في الجزائر الى معكسرات التدريب في دمشق، حتى أن كل الناس الذين كانوا معي قد اعتقلوا واستشهدوا. بعد ذلك تم ارسالي مجدداً الى سجن الرملة، وبسبب عدم وجود تهمة او حكم عليي غير التسلل تم ابعادي وطلعت ورجعت للعمل مع منظمة فتح، وهذا كان سبب إبعادي من فلسطين.

 

محاولة التجنيد والمنع من العودة الى القدس

وحول محاولة تجنيده من قبل الموساد الإسرائيلي، يقول غازي الحسيني: “لما صارت أوسلو وقرروا ارجاع القوات الى الداخل الفلسطيني، دخل عدد كبير من المقاتلين الى فلسطين، يومها جاء إلينا نحن بعض المسؤولين ووضعوا علينا العديد من الشروط، الشرط الأول أن اقابل الموساد، والشرط الثاني أن اطيل بالعودة الى القدس، الشرط الأول رفضته وقلت لهم انني لا اقابل اياً من الموساد إلاّ عندما ارجع الى فلسطين وبحضور أبو عمار، وكنت أدرك حينها أنها محاولة تجنيد لي، أما الشرط الثاني وهو التنازل عن القدس فكان غير ممكن القبول به وأخبرتهم أني لن اتنازل عن القدس وحق العودة حق لا زلت أحمله من يوم فتحت عيوني على الحياة وعلى فلسطين، فهذه هي الأسباب التي منعتني أن ادخل القدس.

 

في فلسطين لن يتوقف النبض لأجلها

ويتابع غازي الحسيني حديثه عن فلسطين والقضية، قائلاً: “لن يتوقف النبض والنضال دفاعاً عن فلسطين، طالما في فلسطين طفل صغير يولد، طالما يوجد نبض في قلب كل رضيع يرضع، وطالما فيها كبير في السن يركع لله، وقلبه ينبض ويعمل، عندما ينتهي النفس لأي فلسطيني عندها يتوقف النبض الفلسطيني، في فلسطين لن يتوقف النبض لأجل فلسطين لكل فلسطين. وما قام ويقوم به الصهاينة من تدمير وقتل لا يدلّ سوى على فشلهم وإنهزامهم، لأنهم فشلوا في إنهاء المقاومة الفلسطينية، كانوا يعتقدون انه في بعض الأحكام والإعتقالات سيقضون على المقاومة في فلسطين ويسيطرون على الشعب الفلسطيني لكنهم فشلوا. جيل وراء جيل نحن ندافع عن فلسطين، ولا نهاب الموت ولا السجن ولا التعذيب، ونحن مؤمنون بقضيتنا وبقضية وطننا ونقدم أرواحنا في سبيل الوطن، في كل فلسطين نرى ان كل طفل وشاب وإمراة ورجل وشيخ يفدون فلسطين بأرواحهم رغم محاولاتهم تكسير معنواياتنا لكنهم لن ينجحوا في ذلك.

لا اعتقد أن التدمير والقتل والبطش بالشعب الفلسطيني يفقد الأمل، بالعكس هذا يزيدنا عزيمة ويزيدنا قوة بأننا على حق وعدونا على باطل ويبقى الأمل بالله في قضية فلسطين هو أمل كل فلسطيني.

 

المطلوب أن يقف معنا العرب لا أن يخذلوننا مرة أخرى

الحديث عن المقاومة يطول، ليس لأن المقاومة واجب الحديث عنها، بل لأن هذه المقاومة هي شرف الأمة وتضحياتها، يقول غازي الحسيني:”المقاومة اليوم تحتاج الى التأييد الشعبي والشعب العربي لن يتردد في مناصرة القضية الفلسطينية، ما تحتاجه المقاومة في فلسطين اليوم الدعم المالي والسلاح والتأييد للقضية في كل العالم، المقاومة الفلسطينية لا تحتاج اكثر من هذا، ونرى ويرى كل العالم ما تحققه من إنتصارت، وأقول بأنه رغم هذا العدد من الشهداء الفلسطينيين إلاّ أن المقاومة لم تتراجع، فعندما يستشهد فلسطيني من أجل فلسطين يولد في مكانه ألف فلسطيني، وهذا ما نشاهده اليوم لدى هذه الأجيال الصاعدة التي لم تكن شاهدة على الإنتفاضة الأولى ولا الثانية، هذه الأجيال هي التي ستحقق الحلم الفلسطيني وتحقيق حلم المقاومة الفلسطينية، لكن المطلوب ان يقف معنا العرب دون أن يخذلوننا مرة ثانية”.

 

للأمهات دور في استمرار الدفاع عن قضية فلسطين

وعن الشهداء وأمهاتهم يرى غازي الحسيني بأن الشهداء هم المقاومة، ولا يوجد شهيد يستشهد إلا لأنه يقاتل العدو الإسرائيلي، عائلات هؤلاء الشهداء الذين ساندوهم وامهات الشهداء اللاتي تخرجن وتزغردن.. أن ابنها استشهد وتحمل النعش على كتفها وان ابنها استشهد دفاعاً عن فلسطين، هذا هو دور هؤلاء الأمهات وهذه الأجيال التي تشجع على استمرارية الدفاع عن قضية فلسطين، الأم الفلسطينية لا تشبه أي أم في مكان آخر، الأم في فلسطين تشجع زوجها وابنها للذهاب للنضال والمقاومة واذا استشهد ولدها ترسل الثاني واذا استشهد ترسل الثالث والرابع…هذه ثقافة التضحية من أجل القضية، وعوائل الشهداء عندنا من اهم روافد الثورة الفلسطينية.

 

القدس عقيدة وإيمان ونضال من أجل فلسطين..

كثير هو الكلام عن فلسطين والقدس والوطن والقضية، وفي ذاكرة غازي الحسيني خزّان من المواقف والشهادات على المقاومة، ويضيف في لقاءنا معه: “صحيح أنني لم اعش كثيراً في القدس وكنت اذهب اليها زيارات، لشهر أو شهرين أو أكثر، لكن القدس ليست فقط وطن لي، القدس هي وجودي وقلبي وكياني، القدس أكبر من وطن واكبر من مدينة وأكبر من بلد، القدس هي عقيدة وهي ايمان وانا مؤمن بعقيدتي ان “القدس هي الإيمان”.

وحول ما إذا كان النضال الفلسطيني يختلف بين النضال على الأرض وخارجها، يقول غازي الحسيني: “النضال داخل فلسطين أو خارجها هو واحد، لكن قطعاً نحن الذين نعيش خارج فلسطين حياتنا اسهل من الذين يعيشون داخلها في المخاطر والتهديد بالقتل والإعتقال، رغم تعرضنا للإغتيالات إلاّ أن  كل هذا أسهل من الذين يعيشون داخل الأراضي المحتلة.

 

ضمائر الشعوب لن تموت لكن ضمائر الحكام ماتت

وفي ختام اللقاء، قال غازي الحسيني لوالده عبد القادر الحسيني: ” لقد استشهدت على طريق الحرية ونحن وراءك، وانشالله سنكون في مستوى ما قدمته من تضحيات، فنحن كلنا ابناء الشعب الفلسطيني معك وخلفك وان شاء الله ننال الشهادة او النصر بإذن الله”.

اعتقد أن ارادة الشعب العربي والإسلامي في تقديم المعونة للمقاومة الفلسطينية هي جادة وفي مستواها المطلوب، لكن العقيدة ليست في الشعب لكن في الذين يحكمون الشعوب ويمنعون الشعوب في دعم المقاومة الفلسطينية.

 

عبد القادر الحسيني ترك خلفه الكثير، ترك خلفه ارث من النضال والجهاد والتضحية والبطولة، والشعب الفلسطيني اليوم يمشي على خطى عبد القادر الحسيني، ورغم استشهاده إلاّ أنه حاضر في عيوننا وفي قلوبنا ومقاومتنا”. وهذه واحدة من سيرة حياة رجال دخلوا التاريخ دون خروج منه، فكانت فلسطين هي العنوان، وكتبوا هذا العنوان في صفحات التاريخ المناضل، رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، هم المؤمنون بأن المقاومة حق والحق لا يضيع.

 

المصدر: الوفاق