ومقدرته على التلفّظ ببعض الأبجديات التامّة

تنميّة الاستعداد اللغويّ لدى طفل الروضة وما قبلها

يلجأ الطفل في الأشهر الأولى من الولادة إلى البكاء والتلفت بعينيه تعبيرًا عن حاجاته

2022-11-09

د. عماد زاهي نعامنة

عادة ما يلجأ الطفل في الأشهر الأولى من الولادة إلى البكاء والتلفت بعينيه تعبيرًا عن حاجاته التي غالبًا ما تكون الأم الأقدر من غيرها على التقاط الرسالة التي يستهدفها الطفل من وراء ذلك، ثم يستغني عن ذلك شيئًا فشيئًا متّجها إلى استخدام فمه ولسانه في التعبير عن حاجاته، ولا سيّما بعد نموّ جهاز النطق لديه ومقدرته على التلفّظ ببعض الأبجديات التامّة..

وتكاد البحوث والدراسات تُجمع على أنّ الطفل في السنة الأولى والنصف الأول من الثانية يكون قادرًا على من لفظ كلمات أو ربّما جمل ذات معنى، إذ يرى بياجيه أنّ هذه المقدرة تبدأ من سنّ اثني عشر شهرًا وتكتمل عند بلوغة سنةً ونصفًا من عمره، وهي المرحلة الحِسْحَرَكيّة عند بياجيه التي تبدأ من سنة الميلاد وحتى سنّ السنة والنصف. ويرى بعض العلماء أنّ طاقة الطفل اللغويّة التعبيريّة تخبو قليلًا مع مستهلّ العام الثاني من عمره؛ إذ يوجّه الطفل طاقته نحو الحركة والمشي، ولكن سرعان ما يستأنف هذه الطاقة حال تجاوزه مرحلة تعلّم المشي والتمكّن منه.( د. هدى الناشف، 2007)

ولاشكّ في أنّ الاستعداد اللغوي لا يمكن تمليكه الطفلَ في آنٍ واحد أو سنة أو مرحلة واحدة، وإنّما يتمّ تحفيزه نحوه تدريجيًّا عبر مراحل نموّ الطفل، من نطق للحرف فالمقطع فالكلمة المجزوءة فالتامّة وصولًا إلى القدرة على التلفظ بالجمل القصيرة فالطويلة التي تمكنّه من التعبير عن حاجاته بوضوح، متأثّرًا في ذلك بأسرته وبيئته ومحيطه ومدى تفاعله مع مجتمعه. وكلّما كان هذا التأثير موجّهًا ومدروسًا ومُمنهجًا كان أدعى إلى تمليك الطفل الاستعداد اللغويّ أسلوب قويم وناجع ومستدام، مع مراعاة الفروق الفردية لدى الأطفال في جانب الاستعداد اللغويّ، فمنهم مَن يتمكّن منه بسرعة وأداء فاعل، ومنهم من تكون استجابته بطيئة، ولكن في الأحوال جميعها فإنّ كلّ طفل مُهيًّأ بطاقات كامنة لاستقبال مهارات الاستعداد اللغويّ، لذا فالمسؤولية كبيرة على عاتق مقدّمي الرعاية لهم في كيفية استثارة تلك الكوامن والطاقة لتنمية استعدادهم اللغويّ.

وينبغي ملاحظة النمو التطوّري لدى الطفل الجسمانيّ والوجدانيّ والمعرفيّ ومتابعة قدرته على النطق تدريجيًّا؛ من أجل تنمية الاستعداد اللغويّ لديه بدرجة كافية؛ لأنّ هذا الأمر في غاية الأهمية لتمكينه من المهارات الكلاميّة والقرائيّة لاحقًا، بل إنّ تسرّع الأسرة أو المؤسّسات التعليميّة الحاضنة والإصرار على تعليم الطفل تلك المهارات قبل تمكينه من الاستعداد اللغويّ يعدّ أمرًا بالغ الخطورة؛ أقلّها تكوين اتجاهات سلبيّة لدى الطفل نحو القراءة بشكل خاصّ، ونبذ التعلّم بشكل عامّ والعزوف عنه؛ علاوة على ما يسببه من صعوبات في التعلّم والاستعداد الدراسيّ، وما له من أثر سلبيّ في الاستعداد النفسيّ والاجتماعيّ والسلوكيّ والانسجام مع الأقران والاندماج مع المجتمع؛ نتيجة إجهاض عوامل الكفاءة والمثير والدافعية لديه، ما قد يصعب إحياؤها في نفسه من جديد، ولا سيّما مع مرور زمنٍ من دون عناية أو رعاية. (أحلام حسن العدوان، 2018) فثمة ثقافة مغلوطة تشيع في كثير من الأوساط والمجتمعات العربيّة تتمثّل في أنّ تنمية لغة الطفل وإغناؤها يعني تعليمه القراءة والكتابة قبل دخول المدرسة؛ ما نتج عنه إهمال لغة الطفل وتنية استعداده اللغويّ إلى سنّ متأخرة تصل إلى ما قبل دخوله المدرسة، أو لنقل دخوله رياض الأطفال. ( د. هدى الناشف، 2007).

ويمكن إيجاز مفهوم الاستعداد اللغويّ للطفل بأنّه التمكُّن من التعبير تعبيرًا واضحًا عمّا يجول في نفسه من فِكَر أو مشاعر حال تعرّضه لخبرة أو موقف حياتيّ مثير سمعه أو رآه أو عاشه. وممّا لا شكّ فيه أنّ الطفل يولد ولديه استعداد فطريّ لفهم الكلام (اللغة) وممارستها والتواصل بها مع الاخرين، إذْ يولد وهو مُهيّأ فسيولوجيًّا لاستقبال اللغة وممارستها أو إنتاجها، وكلّ ما على مقدّمي الرعاية يتمثّل في استثارة تلك القدرة أو الكفاية وتنميتها وتعزيزها. (عبدالفتاح أبو معال ،2000)، وأول كلمات تبدأ عند الطفل أسـماء الـذوات، وبعـدها الأفعال، ثم الصفات فالضمائر، فالحروف والروابط، مع ملاحظة سلوكه في تغيير موقع طائفة من حروف الكلمات سواء بالإبدال أو الحذف أو الزيادة، وغير ذلك من الظواهر النطقيّة أو الكلاميّة، وربمّا يستمرّ ذلك مع بعض الأطفال حتى سنّ متأخرة قد تصل إلى الخامسة أحيانًا، ومردّ ذلك كلّه ضعف أعضاء النطق، وضعف الإدراك السمعيّ، وشحّ الذاكرة السمعية، وقصور التمييز السمعيّ؛ نتيجة قله المران والتدرب والتفاعل مع محيطه إيجابيًّا. علمًا أنّه من المفترض أنْ تظهر لدى الطفل منذ العام الثاني من عمره القدرة على محاكاة أصـوات الحيوانات ومظاهر الطبيعة، والأصوات المختلفة من حوله، وكذلك محاكاة الأصوات اللغوية محاكاة سليمة ناضجة. (علي عبد الواحد،1980 ) مع الأخذ بعين الاهتمام أنّ النمو اللغوي لدى الطفل يتأثر بعوامل كثيرة، منها الحالة الصحية، والنضج، والبيئة، ونسبة الذكاء، ونوع الجنس، والميول الذاتية، تلي ذلك بنسب متفاوتة عوامل أخرى خارجيّ، مثل: ترتيـب الطفل، حجم العائلة، والمستوى الاجتماعي والاقتصادي لها، وترتيبه بين أفراد العائلة. وتجدر الإشارة إلى أنّ نتائج الدراسات في كثير من الدول العربيـة أكّدت أنّ جميـع الأطفـال الذين هم دون السادسة من العمر أيًّا كـان وسـطهم الاجتمـاعي أو الاقتصـادي هم قادرون على امتلاك مهارات الاستعداد اللغوي، والنموّ لغويًّا، ومن ثمّ تعلّم المهارات القرائيّة باتقان، شريطة توافر بيئة تعلّم جاذبة وحـافزة. ( عطية محمد وآخرون،1996)

ومن المعلوم أنّ طفل ما قبل المدرسة يتصف بكثرة الكلام، وامتلاكه درجة واعية من فهـم اللغة والقدرة على توظيفها في التعبير اللغوي بوضـوح ونطق سليم إلى حدّ ما، ويزداد فهم واستيعاب ما يقوله الآخرون وتبادُل الحديث مع الكبار، فالطفل ذو الأربع سنوات يستطيع وصف الصور والإجابة عن الصور التي تتطلـب إدراك العلاقـة، كما يستطيع أن يكوّن جملاً مفيدة تامة قد تصل الجملة منها إلى ثماني كلمات من كلمات سمعها، علاوةً على قدرته على فهم التعليمات التـي تعطى له وفهم القصص والحكايات التي تروى له، وروايتها لهم بطريقته وإنْ بدتْ فيها بعض الأخطاء اللغويّة ( د. فضيلة أحمد رمزي، 2007 ).