تأثير البيئة الاجتماعية على الطفل

الطفل لم يكتسب تصوراته وعقائده واتجاهاته وقيمه وسلوكياته ومهاراته من تلقاء نفسه ونتيجة لتأمله الذّاتي، بل بفعل تأثره بالمحيط الخارجي

2023-04-29

يخرج الطفل من بطن أمّه كالأرض الخالية، وقد زرعت يد الله تعالى في طينته خاصّية عجيبة، وهي القدرة العالية على المحاكاة والتقليد وسرعة التلقّي..
فحاسّة التقبّل عند الطفل شديدة إلى درجة أنّه أشبه بعدسة التصوير..
وفي هذا السياق ورد عن الإمام عليّ(ع): «إنّما قلب الحَدَث كالأرض الخالية ما أُلقي فيها من شيء قبلته»، (نهج البلاغة، من وصية له لولده الحسن”عليه السلام”)؛ فنفس الطفل إسفنجية مرآتية إنْ صح التعبير، تمتص كل ما تتعرض له من الخارج وتخزنه في ذاتها، وتعكس من جهة أخرى صورة المجتمع الذي تعيش فيه؛ فالمحيط الاجتماعي الذي ينشأ الطفل في مجاله بكافة مؤسساته:- الأسرة، الحي، الأقارب، المدرسة، الأصدقاء، المساجد، الحسينيات، الأندية الرياضية، العالم الافتراضي من الإنترنت وصفحات التواصل والبرامج التلفزيونية تلعب دوراً بارزاً في تحديد ملامح هويّة الطفل الذهنية والنفسية والقيمية والسلوكية والوجدانية؛ فالطفل لم يكتسب تصوراته وعقائده واتجاهاته وقيمه وسلوكياته ومهاراته من تلقاء نفسه ونتيجة لتأمله الذّاتي، بل بفعل تأثره بالمحيط الخارجي، فتتشكل لوحة شخصيته بفعل الانفعال والتأثّر بالبيئة الاجتماعية لأن شخصيته كالعجينة التي يمكن تشكيلها بسهولة، فحتى الفطرة التوحيدية الصافية التي أودعها الله تعالى بأصل الخلقة في نفس الطفل لا تصمد أمام تأثيرات روح البيئة الأسرية والمجتمعية، وعن الإمام الصادق(ع) أنّه قال: «ما من مولود يولد إلّا على الفطرة فأبواه يُهوّدانه ويُنصّرانه ويُمجّسانه..” (من لا يحضره الفقيه: ج2/ص49/ح1668) وهذا الحديث يُقدّم مؤشّراً واضحاً على الدور الذي تلعبه البيئة الأسرية في التأثير على رسم المعالم العامّة لشخصية الطفل، وكذلك الأمر بالنسبة للبيئة الاجتماعية العامة. وفي هذا السياق ورد عن الإمام الصادق(ع) أنّه قال: «بادروا أولادكم بالحديث قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة» (الكافي: ج6/ص47)..

وفي الحقيقة هذا الأمر مشاهد في البالغين الراشدين فكيف في الطفل؟

وهذا ما يُخبرنا عنه القرآن الكريم عن أولئك الذين كان النبي(ص) يدعوهم لاتّباعه فيُجيبون: {بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [البقرة: 170].

وباختصار لا أحد يستطيع أن يُنكر أصل تأثير ونفوذ البيئة الاجتماعية في تكوين شخصية كلّ واحد من أفراد الإنسان، وأن هذا التأثير والنفوذ عميق وشامل بالنسبة للأكثرية الساحقة من الناس، فلا ريب أنّ الفرد في كثير من الأحيان تابع ومحكوم لإرادة المجتمع..