"أنا ميت ميت"..

شبكات إتجار بالأعضاء في تركيا تستغل مرارة حال السوريين

شبكات الاتجار التي تديرها عصابات تركية تتخذ سرقة الأعضاء البشرية مورداً لها، وقد سجلت حالات اختفاء للعشرات من الأطفال والنساء السوريين وغيرهم بعمليات اختطاف ممنهجة، وذلك بهدف سرقة أعضائهم وبيعها لاحقاً

2023-04-29

تتفاقم تجارة الأعضاء في تركيا في الوقت الحالي، في ظل وجود “بيئة مناسبة” لها في مخيمات النزوح، وفوضى المناطق السورية في الشمال الخارجة عن نطاق سيطرة الدولة، والتي تخضع للاحتلال التركي.

في سياق متابعة تفشي ظاهرة الاتجار بالأعضاء البشرية، تم التواصل مع حالات عديدة لضحايا أقدموا على بيع أجزاء من أجسادهم، والبعض منهم روى تجربته مع التحفظ على ذكر الأسماء.

تكثر منشورات الترويج المجمّلة لشراء الأعضاء البشرية بهدف استقطاب المحتاجين وترغيبهم بالمال لبيع أعضائهم تحت مسمى التبرع. فيصل (38 عاماً) شاب يعيش في محافظة حلب وقع ضحية شبكة تجارة الأعضاء البشرية التي تنشط في تركيا ولديها عصابات ترويج في عدد من الدول، روى تجربته بعد أن تم استدراجه وقال: “وقعت في الفخ بعد أن شاهدت إعلاناً على مجموعة في فيسبوك، تواصلت مع الحساب وطلبوا إجراء تحاليل وإرسال الصور عبر الماسنجر مقابل 18 ألف دولار أميركي، ثم تم الاتصال عبر وسيط موريتاني الجنسية يعيش في تركيا وأمنوا لي إجراءات السفر مع حجز إقامة فندقية في أنقرة، ثم أجريت باقي الفحوص الطبية كما تم تزويجي صورياً من ابنة المريض لتسيير الإجراءات قانونياً، فالقانون التركي يشترط أن يكون التبرع بالأعضاء بين الأقارب فقط”.

يتحسر فيصل على ما وصل إليه ويقول: “اتفقوا معي على تسليم المبلغ على ثلاث دفعات، 3 آلاف عند وصولي إلى أنقرة وباقي المبلغ يوم إجراء العملية والأخير عند نجاحها وخروجي من المشفى، ولسوء الحظ لم أتقاضَ المبلغ الكامل منهم وحصلت على الدفعة الأولى فقط”.

وأضاف: “فقر الحال ومتطلبات الأسرة دفعاني إلى مخالفة قناعاتي، فأنا أعيش ظروفاً مادية قاسية وأصبح ثقل الديون لا يحتمل”.

تجاوزات واستغلال لحاجات السوريين 

سوء حال السوريين وقلة حيلة من تعرض لمآسي التهجير ساهما في خلق بيئة ملائمة عملت شبكات تجارة الأعضاء على تكريسها كسوق لاستغلال الأطفال والضعفاء.

ريما قاسم (37 عاماً) لاجئة سورية في المخيمات التركية تحدّثت عن تجربتها، قائلة: “عندما أخبرتني صديقتي في المخيم عن وجود فرصة للحصول على أموال طائلة وتأمين سكن في منزل كبير ومستقل بعيداً عن ذل المخيمات بشرط إجراء فحوص، وفي حال نجاحها ستتحقق كل الأحلام، لم أكن أعلم أكثر من ذلك. وفي اليوم التالي، أجريت الفحوصات، وبعد أيام تم اختياري دوناً عن باقي الفتيات، شعرت بالسعادة وكأن أبواب السماء فتحت لي حظوظ الكون، لم يكن لدي أي تصوّر عمّا ينتظرني من أفخاخ تعيسة، توجهت مع شبان بدؤوا بحديث الأموال والأحلام معي، وبعدها علمت أنهم أطباء وأخبروني  تفاصيل مبسطة عن العملية. شعرت بداية بالخوف والقلق لكنهم استطاعوا إقناعي وتسهيل الأمر  ورسم أوهام حياة الرفاهية التي تنتظرني أنا ووالدتي التي أعيش معها”، بحسب تعبيرها.

تبكي ريما وتصف مرارة ما أصابها من اختلاطات بسبب عدم تحمل جسدها لفقدان الكلية وفشل عمل الكلية الأخرى، وتقول: “لم أرَ الخير من ذلك اليوم.. فقدت مناعتي وصحتي تتدهور يوماً بعد يوم أصبحت أتمنى الموت في كل لحظة”.

مخاطر اللجوء إلى نقل الأعضاء 

يتعرض المتبرع والمريض لحالات خطر مختلفة نتيجة إجراء عملية نقل الأعضاء.

الطبيبة آلاء اليوسف (43 عاماً) تحدّثت  عن المخاطر التي يتعرض لها المريض والمتبرع على حد سواء، وقالت: “تكثر الأخطاء بسبب عدم توفر العناية التامة بالتعقيم، وخاصة بعد عملية النقل والتي تحتاج إلى نقاهة مركزة لعدة أسابيع، وغيرها من الأسباب التي  تؤدي إلى اختلاطات ووفاة المريض في بعض الحالات”.

وأضافت: “عند عدم توافق الأنسجة تحدث التهابات في الجسم البشري، ويفرز اللمفاويات والكرات البيض التي تقاتل الجسم الدخيل وتقضي عليه، فيفشل العضو المنقول في أداء وظيفته، وغالباً ما يتسبب بفساد العضو ومن ثم الوفاة، لذلك تستدعي عملية التبرع  توافق زمرة الدم، وأن يكون الشخصان على صلة قرابة حتى تتوافق النسج وخاصة نقل الكبد أو الكلية التي تستوجب نسبة توافق عالية تتجاوز 95%، وإلا لن تنجح العملية وتتسبب بالوفاة”.

“أنا ميت ميت.. خليني جرّب حظي” 

تستغل شبكات مافيات تجارة الأعضاء الناس، فتبحث عن الشخص الغني القادر على دفع مبالغ باهظة مقابل أمله بالحياة، فالمريض فاقد الأمل، وهو يحتاج بصيصاً للعيش ولا يعلم عن مصدر العضو المنقول.

“أنا ميت ميت.. خليني جرّب حظي”. بهذه العبارات بدأ حاتم (66 عاماً) الحديث  عن تجربة شقيقه الذي تعرّض لحادث أليم تسبب بتدهور حالته الصحية، فلجأ إلى أحد الإعلانات لإجراء زرع الكبد في تركيا، وقال: “مرّ أخي بظروف صعبة بعد تعرضه لحادث قاس، ما سبّب له  مضاعفات أفقدته الأمل بحياة صحية، فلجأ إلى أحد الإعلانات لإجراء زرع في تركيا مقابل مئة ألف دولار بحثاً عن أملٍ يعيده إلى حياته السابقة، تواصل معهم وبعد إجراء العملية بأيام فارقنا، أنا أعلم أن حاجته وجهله بالطريق الذي سلكه دفعاه إلى ذلك، فهو لا يعلم مصدر كبده الجديد، ولا معايير السلامة المطلوبة، وأن نسبة رفض الكبد المنقول تحديداً تعدّ نسبة عالية، وتكون بمنزلة ضربة حظ لحياة ميؤوس منها”.

انتهاكات إنسانية تحت الضوء 

شبكات الاتجار التي تديرها عصابات تركية تتخذ سرقة الأعضاء البشرية مورداً لها، وقد سجلت حالات اختفاء للعشرات من الأطفال والنساء وغيرهم بعمليات اختطاف ممنهجة، وذلك بهدف سرقة أعضائهم وبيعها لاحقاً.

وكانت وكالة الأنباء السورية “سانا” قد نشرت سابقاً صوراً لأعضاء معبأة بعبوات بلاستيكية تحوي على رأس وعيون وقلوب ورئات وأكباد وكلى وأحشاء بشرية أخرى محفوظة في محلول الكلوروفورم، جنوب إدلب الخارجة عن سيطرة الدولة السورية والخاضعة للاحتلال التركي.

المحامية ليلى عازار قالت: “تنتشر في تركيا المراكز المتخصصة في زراعة الأعضاء تحت شروط قانونية، ومن الشروط الرئيسية لزراعة الأعضاء، وحسب القانون التركي، أن تكون هناك صلة قرابة بين المريض والمتبرع بحيث تكون على النحو التالي: الدرجة الأولى (الأب، الأم، الأولاد) الدرجة الثانية (الأخ والأخت، الجدة والحفيد) الدرجة الثالثة (العم، العمة، الخال، الخالة، أولاد الإخوة والأخوات) أي أن يكون المريض والمتبرع من  العائلة نفسها، لكن ما يحدث هو تجاوز لهذه الشروط المعلن عنها، ويتم ذلك بتزوير بياناتهم للوصول إلى أهدافها التجارية”.

وأردفت: “تكثر الحالات والشكاوى نتيجة استغلال السوريين في الداخل والخارج، هناك شريحة كبيرة ممن يلجؤون إلى التخلي عن أعضائهم لأسباب متعددة، وجميعها تندرج تحت الحاجة والفقر، فالناس تبحث عن سبيل للعيش، وعندما تشاهد الإعلانات عبر الإنترنت أو في الأوراق الملصقة على الجدران في الشوارع تجده حلاً سريعاً، وتتواصل مع تلك الشبكات فيعطوهم موعداً للتأكد من زمر دمهم ويحددون لهم موعداً آخر للجراحة. ويدور جدل كبير حول مكافحة عمل السوق السوداء للاتجار بالأعضاء، على الرغم من أنها غير قانونية في معظم البلدان لأسباب مختلفة، وتعدّ تجارة الأعضاء عملية زرع عضو أو أنسجة أو أجزاء أخرى من الجسم لغرض زراعتها لشخص آخر بهدف الربح المادي، وتتم خارج الأنظمة الطبية الوطنية”.

يذكر أن السوق السوداء لبيع أعضاء السوريين عبر العالم طالت أكثر من 15 ألف سوري خلال سنوات الحرب الأولى، وهناك معلومات تؤكد القيام بأكثر من 25 ألف عملية نزع أعضاء، أجريت منذ بداية عام 2011 خاصة في المناطق الحدودية البعيدة عن رقابة الدولة، إضافة إلى العمليات التي أجريت في مخيمات اللجوء في الدول المجاورة، وتختلف أسعار الأعضاء من دولة إلى أخرى، ففي تركيا يمكن شراء كلية مقابل 10 آلاف دولار، أما في العراق فيتدنى السعر ليصل إلى ألف دولار، أما في لبنان وسوريا فتباع الكلية مقابل نحو 3 آلاف دولار، ولا تقتصر تجارة الأعضاء على الكلى بل تشمل الطحال والقرنيات التي بلغ سعر القرنية الواحدة 7500 دولار.

ويقع الأشخاص ضحية التجار نتيجة الفقر والجهل الاجتماعي والتشرد الذي حل بهم، ويعاقب القانون السوري على القيام بمثل هذه الأعمال، ولكن خلال فترة الحرب لا يمكن إحكام القبضة ومعالجة القضية بسبب خروج بعض المناطق عن سيطرة الدولة السورية.

الميادين